ادفع بالتي هي أحسن

ادفع بالتي هي أحسن

الأستاذ مولاي يوسف بصير

الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده سبحانه وتعالى حمد الشاكرين، ونسأله التوفيق والسداد في كل حين، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم، القائل في محكم كتابه المبين: “وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ“، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم،خاتم المرسلين، المبعوث رحمه للناس أجمعين،وقدوة للمؤمنين، كان يحث على الإصلاح بين المتخاصمين، ويدعوهم للتصالح فيما بينهم متآخين ومتحابين، وبالعفو والصفح متصفين، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، لاشك أنكم لاحظتم وتلاحظون ما يقع في مجتمعاتنا ما يقع فيه الناس من خلاف وخصام على أتفه الأشياء، ربما يصل ببعضهم إلى اقتراف بعض الجرائم التي يتفطر القلب أسى وحزنا على اقترافها في مجتمع المسلمين، وذلك بسبب بعدنا عن المنهج القويم الذي ارتضاه الله تعالى لأن نسلكه عند الإختلافوعدم التفاهم في أمور الدنيا والدين، ألا وهو أسلوب التغاضي وترك الخصام حفاظا على لحمة المسلمين، وهو أسلوب الدفع بالتي هي أحسن، واستبدال التخاصم بالتجاوز والعفو ورد الإساءة بالحسنى، ذلك، لأن الإنسان في هذه الحياة لا بد له أن يخالط الناس، وبحكم هذه المخالطة مع أنواع مختلفة وأنماط متباينة منهم فإنه لا بد وأن يصدر من بعض الناس شيء من الإساءة يقل أو يكثر، بقصد أو بغير قصد، فلو تخيلنا أن كل إساءة ستُقابَل بمثلها لتحولت المجتمعات إلى ما يشبه الغابات، ولتخلى الناس عن خصال الخير، ولغدوا بلا ضوابط ولا روابط، ولإمتلأت السجون، وانعدم الأمن، وتشتت الأمة. أيها المؤمنون، حتى لا يتحول مجتمع المسلمين إلى ما يشبه هذه الصورة المنفرة فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين عند التخاصم والإختلافبأن يدفعوا السيئة بالحسنىقال تعالى: “وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”، ولا شك أن الخصلة التي هي أحسن من رد السيئة بمثلها إنما هي العفو والإحسان، أو الإعراض وكف الأخذ والرد في موضوع الإساءة، وقد أثنى الله تعالى على من اتصف بهذا الخلق النبيل حين جعله مستحقا ليكون من العباد الذين اختصهم لنفسه في قوله تعالى وهو يصف حال عباده عند الجدال والتخاصم: “وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ”، وهم الذين يفرون إلى السلم بدل الجدال ابتغاء مرضاة الله تعالى في قوله: “وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً”. أيها الإخوة المؤمنون، بإمكاننا جميعا أن نجنب أنفسنا وذوينا مشاكل عديدة  إذا أخذنا بهذا الخلق، خلق الدفع بالتي هي أحسن، ونستحق -بدل التعصب والجهل على إخواننا-  هدية الله تعالى المبينة في هذا الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: ” من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء”، أخي المؤمن،إنك حين تعامل من أساء إليك بالحسنى، تكون قد كظمت غيظك. واعلم أخي المؤمن أن من أعظم ثمرات الدفع بالتي هي أحسن أن يتحول العدو الذي يجابهك بما يسوئك ويؤذيك إلى نصير مدافع وصديق حميم، لأن أثر هذا الخلق الفاضل يفوق في مفعوله ما نجنيه من الإعتزاز بقوة العضلات وسطوة الانتقام، فإذا بالخصمالعنيد يتحول إلى مسالم وديع، فتنقلب العداوة محبة وإيثارا قال تعالى: “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”، جاء في شرح هذه الآية عن سيدنا عبد الله بن عباس (ض) قوله: ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك، وتذكر أخي وصف نبينا وقدوتنا سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم الذي اتصف بهذا الخلق النبيلإذ لم يكن يتحمل إساءة المسيئين فحسب، بل كان يعفو ويصفح، وهذا ما وصفته به أم المؤمنين عائشة (ض) حين قالت: “ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح”، جاءه رجل يشكو خادمه قائلا: إن لي خادما يسيء ويظلم أفأضربه؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: “تعفو عنه كل يوم سبعين مرة”. فاللهم أصلح ذات بيننا، واهدنا إلى إصلاح أنفسنا، واجمعنا على الخير ما أحييتنا، فإنك على كل شيء قدير، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، إننا وإن كنا جميعا مطالبين بالتحلي بخلق الدفع بالتي هي أحسن، فإن من رزقه الله سلطانا فهو أولى بهذا من غيره، ولهذا كان من آخر وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته قبل وفاته أن قال موصيا بالأنصار خيرا: “فمن ولي شيئا من أمة محمد، فاستطاع أن يضر فيه أحدا أو ينفع فيه أحدا، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم”، وهكذا كان الصالحون (ض) على نهجه يسيرون، فهذا أحدهم يُسب فيقول لسابه: إن كنت كاذبا فإني أسأل الله أن يغفر لك، وإن كنت صادقا فإني أسأل الله أن يغفر لي.أيها الإخوة المؤمنون، يحتاج إلى التحلي بهذا الخلق “الدفع بالتي هي أحسن” من كان له قرابة وأرحام يسيئون إليه، فإنه مطالب بصفة خاصة بأن لا يقابلسيئتهم بمثلها، ولكن يعفو ويصفح ويزداد إحسانا، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله إن لي ذوي أرحام، أصلويقطعون،وأعفوويظلمون،وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟ قال:” لا، إذا تتركون جميعا، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنه لن يزال معك من الله ظهير ما كنت على ذلك”، واعلموا إخواني أن الدفع بالتي هي أحسن هو الدواء المرمم لما يبلى أو ينهدم من الروابط الاجتماعية، والمصلح لما يفسد منها، والمجدد لما ينطمس منها، وبهذا الحلق تحيا معاني الخير في النفوس، ويتبارى الناس في الإحسان، وتغلق أبواب الشر على الشيطان، ولا يتاح للإساءة أن تتفاقم، بل يغمرها الإحسان ويقضي على دوافعها ورواسبها، وما أحوجنا إليها في عالمنا اليوم. الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *