كيف لايذكر الإنسان نعم ربه عليه؟
كيف لايذكر الإنسان نعم ربه عليه؟
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لاأحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله،يقول الله تعالى في كتابه الكريم:”وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لايشكرون”، وروى الإمام البخاريوغيره عن سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها).
أيها المؤمنون،إذا تأملنا في حال الغالبية وقد تفضل الله عليها بوافر نعمه وخيره وفضله الدائم الظاهر والباطن في علاقتها بشكر النعم الوافدة من المنعم عز وجل، نجد أن ذلك يكاد يكون قليلا أو منعدما، بل نجد من يعيش أيامه على النمط نفسه في غفلة تامة دون أن يشعر بالنعم أو يذكرها، بل ربما يعبر عن سخطه التام وعن الشدة التي يجدها وصعوبة الأحوال التي يمر منها، دون أن يفطن لسابغ نعم الله عليه وما أكثرها،والمطلوب أن نخصص أوقاتا في اليوم والليلة بل في كل وقت وحين لذكر نعم الله الكثيرة علينا والتفكر والتأمل فيها وشكر المولى والثناء عليه بذكر إحسانه، والتلذذ بثنائه على ما يستوجبه من عطائه، هذه النعم التي لن نستطيع إحصاءها، وما لا يدرك كله لايترك جله، فهل شعرنا بوجود نعم الله علينا أم لا؟ وهل ذكرنا ذلك أو لم نذكره؟،فكيف نستطيع نكران نعمة الأمن، أم كيف نجحد أرزاقه عز وجل في كل لحظة وحين؟ أم كيف لانعترف بالسلامة والعافية والكلاءة الربانية؟فحياة كل واحد مناعباد الله تنبني على هذه الأمور.
أيها المسلمون، من أصبح منكم آمناًفي سِربه غير خائف من عدو،آمنا في جماعتهوأهله وعياله ومسلكه وطريقه وبيته،معافى،أي: صحيحاً سالماً من العلل والأسقاموالآفات والأمراض المقلقة والمزعجة، فهذا قد تمتَّ عليه النعمة الإلهيةفي جسده وبدنه ظاهراً وباطناً، عنده قوت يومه، أي كفاية قوته منغداءه أوعشاءه من وجه الحلال،فكأنما حيزت أي جمعت له الدنيا بحذافيرها أي: بتمامها، والحذافير في اللغة الجوانب والأعالي،والمعنى: فكأنما أعطي الدنيا بأسرها، لأنه اجتمعت له كل النعم والمتطلبات، وتمكن من الانتفاع بها، فهذه نعم عظيمة تكاملت في حق هذا الإنسان، فكيف يكون ناكرا أو جاحدا لهذه النعم؟ كيف لا يذكر هذه النعم؟فعلينا إذن عباد الله أن نشكر اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بأن نستعمل نعمه علينا في طاعته، ولا نبطر نعمة اللهأو نستعملها في معصيته، أو أن نجحدها ونكفرها ولا نذكرها.
والإنسان عباد الله لا يدري هل يعيش بعد يومه هذا أو لا يعيش؟،فكل همه ينبغي أن يبقى منحصرا على اليوم الذي يعيشه فلك الساعة التي أنت فيها كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما اليوم الذي يليهفسيأتي الله بأرزاقه ويدبر أمورنا فيه بألطافه، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:” وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا”، وفي هذا المقام دعوني أروي لكم قصة ذكرت عن الصالحة أم فراس الشامية رحمة الله عليها، وقد توفر لها يوما مبلغ من المال في حدود ألفي درهم نوت أن تتصدق به على أحد المحتاجين، فخرجت تجوب أرجاء المدينة، فوجدت رجلا فقيرا نائما يفترش الأرض، فأمدته بالضرف، فسألها ماهذا؟ فأجابته: ألفا درهم تستعين بها على أمورك، فقال لها أعطيني درهمين فقط فهما يكفياني طيلة يومي هذا.ولم يقبل تناول الضرف. فأين هذه النوعية من الناس التي ترضىبالقليل؟وأين هذه النوعية من الناس التي لاتؤمل من الدنيا أكثر من اليوم الذي تعيشه؟، أين نحن من أمثال هؤلاء؟، نعم عباد الله تجد الواحد منا آمنا في جماعته، معافى في جسده، مالكا قوته وقوت عياله طيلة يومه، وهو يظن أنه في شدة وعسر أحوال وقسوة عيش، ويعد نفسه أنه يعيش حالة الصبر بدل حالة الشكر، وصدق ذلكم الرباني الذي يقول: “الناس كلها في مقام الشكر وتظن أنها في مقام الصبر”، أسأل الله أن يعرفنا نعمه بدوامها علينا وأن لايعرفنا إياها بزوالها، أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فياعباد الله، قال الله عز وجل في كتابه الكريم:”وقليل من عبادي الشكور”، وبذلك فإن من يقلل من شكره لله عز وجل يكون قد خضع لمراد الشيطان فيه، أليس أنه أقسم أن يحيد بنا عن شكر ربنا كما أخبر بذلك المولى عز وجل في قوله: “لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين”، فلنكن إذن من القلة التي تشكر ربها على القليل قبل الكثير.
تأملوا في هذه القصة،مر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل مبتلى أجذم أعمى أصم أبكم، فقال لمن معه: “هل ترون في هذا من نعم الله شيئا؟”، قالوا: “لا”، قال: “بلى، ألا ترونه يتبول فلا يعتصر ولا يلتوي، يخرج بوله منه سهلا، فهذه نعمة من نعم الله”. فمهما يكن فهو في نعمة.
وذكر عن الرباني الكبير الملا رمضان رحمه الله، أنه كانت له عادة مع أبنائه عندما يوضع لهم الطعام على المائدة بغية تذكيرهم بنعم الله عليهم، فلا يسمح لهم بالأكل حتى يتأمل في أصل مختلف الأطباق الموضوعة على المائدة، من أين أتت؟ وأين كانت؟ وأين زرعت؟ والأيادي التي سقتها ورعتها حتى نضجت؟ والأيادي التي جنتها وأخذتها للسوق؟ وكيف وصل نصيب منها للبيت، وأخذ أقوام آخرون نصيبهم منها؟ وكيف هيأت وطبخت؟ ونصيب كل واحد من ذلك؟، ويأمر أهله وأبناءه بالتفكر في ذلك، فهل ذكرنا ذلك أم لا؟ نعم عباد الله، فلنتأمل فقطفي الشربة التي نشربها بين الحين والآخر خلال يومنا، كيف وصلت إلينا؟ ولا ينبغي أن يبقى نظرنا قاصر على الصنبور الذي نراه أمامنا في البيت، أو على القنينة التي تحمل الماء، ولنطلق الفكر والعقل إلى ماوراء ذلك، لنعلم بأن تلك الشربة الهنية وصلتنا من تحت الأرض من بين أحجار وتراب كثير، ويسر الله من يهيئها لتكون من نصيبنا على هذه الشاكلة، هكذا إذن نذكر نعم الله علينا وهكذا نذكر الله تعالى، وهكذا تترعرع محبة الله في قلوبنا وتكبر يوما بعد يوم، اللهم عرفنا نعمك بدوامها علينا ولاتعرفنا إياها بزوالها أمين والحمد لله رب العالمين.