خطبة عيد الفطر لعام 1440 هـ / 2019 م

خطبة عيد الفطر لعام 1440 هـ /2019

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،

الله أكبر ما هل هلال شهري رمضان وشوال على الصائمين
الله أكبر ما تعالت الأصوات لهما بالتكبير والتهليل شكرا لرب العالمين
الله أكبر ما رتل المرتلون وسجد الساجدون وركع الراكعون
الله أكبر ما صام صائم وأفطر، ولاح صباح العيد وأسفر
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فياعباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”، بمعنى يريد الله أن تكملوا عدة شهر رمضان وأن تكبروا الله، فشعار:” الله أكبر” شعار عظيم يجمع أسرارا كثيرة، والكبر المذكور في هذه الجملة كبر معنوي لا جسمي، فهو العظمة والجلال والتنزيه عن النقائص كلها؛ أي: لتصفوا الله بالعظمة، وذلك بأن تقولوا: “الله أكبر” وهي جملة تدل على أن الله أعظم من كل عظيم سبحانه وتعالى، وإثبات الأعظمية لله في كلمة ( الله أكبر ) كناية عن وحدانيته بالإلهية، والإكثار من التكبير في مثل هذا اليوم فيه شكر لله على ما هدانا إليه من الصيام وما وفقنا إليه من ألوان الطاعات وما أقدرنا عليه من قيام لأداء العبادات، وما خلقه فينا من نشاط لفعل الخيرات، واعلموا عباد الله أن شعار “الله أكبر” يتكرر كل لحظة من لحظات الحياة الدنيا في جميع بقاع الأرض ولم ينقطع ترداده أبدا ولن ينقطع أمدا، فالحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا، إذ بشعار الله أكبر يؤذن ويقام للصلوات في المشارق والمغارب، ويرددها كل مصل حين قيامه وركوعه وسجوده وما بين ذلك، ويتكرر في أيام العيد مرات ومرات، وسيبقى شعارا قويا يحمل كل معاني الجلال والهيبة والعظمة يردد على مسامعنا في كل وقت وحين إلى أن نغادر الدنيا، ويكبر علينا في صلاة الجنازة أربع تكبيرات.

لكن عباد الله ونحن نتكلم عن معاني هذا الشعار العظيم قد يسأل سائل كيف نتحقق إذن بمعاني قولنا الله أكبر؟ أقول في الجواب: للتحقق بالمعاني التي يحملها هذا الشعار فلابد أن نصيره عقيدة حقيقية عندنا ونعلم يقينا بأن ربنا أكبر، فإذا افتقرنا فالرزق عند الأكبر وإذا خفنا فالأمن عند الأكبر، وإذا رغبنا في قضاء حاجة فلنقصد الأكبر، وإذا توكلنا فعلى الأكبر، وإذا سألنا فلنسأل الأكبر، وإذا طلبنا ركنا شديدا نأوي إليه فالركن الشديد هو ركن الأكبر سبحانه، فلماذا الغفلة إذن عباد الله عن الأكبر؟ فالخير كل الخير في الاعتصام بباب الأكبر.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

عباد الله لا يشك أحد من المسلمين الصادقين ونحن نودع سيد الشهور رمضان، ونحن نودع أجواء هذا الشهر الفضيل المشتمل على المائدة الإيمانية المتنوعة، أننا بفضل الله تعالى ذقنا حلاوة الإيمان وحلاوة القرب من الله، وأننا ظفرنا بحمد الله تعالى بغذاء معنوي أنعش الأرواح، وكان له دور وأي دور في اطمئنان القلوب والتوازن الروحي المنشود.

نعم عباد الله لايشك أحد أن من كان له حظ وافر في عمارة المساجد والتبكير للحضور إليها والتزاحم في الصفوف، وقيام الليل والذكر وتلاوة القرآن، والتهجد والاستغفار في وقت السحر، وغض البصر عن نظرة السوء، وكف اللسان عن كلمة السوء والأيدي عن فعل وإشارة السوء، والتصدق والسخاء والجود على الفقراء والمحتاجين، ومواجهة المستفز والمثير للغضب بالهدوء والصبر، والمحافظة على الصلاة في وقتها ومع الجماعة، وترك التدخين وتناول المخدرات، أن من وفق للقيام بذلك أنه قام بتغذية الجانب الروحي فيه، وأنه قطعا ذاق لذة انشراح الصدر والأنس بالله خلال هذه الأيام الفارطة، فالإنسان عباد الله كما يحتاج إلى الطعام والشراب ليقوى جسمه، يحتاج إلى غذاء روحي يكون عن طريق العبادات الشعائرية، فبهذا تتقوى أرواحنا ويتقوى إيماننا، فالصلوات الخمس شِحنات يومية تمدنا بطاقة روحية تصلنا بالسماء، وخطبة الجمعة وصيام الاثنين والخميس شحنة أسبوعية تمدنا خلال الأسبوع كله بطاقة روحية، وصيام التطوع من كل شهر كما سن النبي عليه الصلاة والسلام ذلك خلال شهور السنة شحنة شهرية، وصوم رمضان شحنة سنوية تمدنا بالطاقة الروحية إلى رمضان القادم، والحج شحنة تدوم مع العمر، فالعبادات عباد الله كلها شحنات إيمانية تقوي الأرواح، وكلما كان أمد الطاعة أطول كانت الشحنة أشد.

وللأسف الشديد يظن بعض الناس أن الإنسان هو هذه الجُثَّة القائمة، وهذا الهَيكل المُنْتَصِب والصورة الظاهرة، والأمر ليس كذلك، لأن الجسد ماهو إلا مجموعة مِن الأجهزة والخَلايَا واللحْم والدَّمِ والعظْم والعصَب كبرت بأنواع الأطعمة التي نتناولها. فالإنسان ليس هو هذا الهيكل المحسوس، إنما هو هذه الروح السماوية التي تسكن هذا الجسم الأرضيَّ. وهي سِرٌّ مِن الملأ الأعلى في غلاف مِن الطين، فحقيقة الإنسان هو هذه الروح التي أَودَعها الله فيه، فبها يَعقِل ويُفكِّر، وبها يَشعُر ويَتَذَوَّق، وبها أمَر الله الملائكة أن تَسجُدَ لآدم، لا لِمَا في الإنسان من حَمَأٍ مَسْنُون وطين معجون، قال تعالى:” وإذ قال ربُّك للملائِكَة إنِّي خالِق بشَرًا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سَوَّيتُه ونَفَخْتُ فيهِ مِن رُوحي فَقَعُوا لَه ساجِدِينَ”. فإذا كان الجسد يموت فإن الروح لاتموت، فهي إن كانت روح عبد مؤمن فإنها عند موت الجسد تصعد إلى أعلى عليين، وإن كانت العكس والعياذ بالله فإنها تسكن أسفل سافلين.

وإني عباد الله لأعجب من الذين أهملوا أرواحهم وعُنُوا بأجسادهم وعبَدوها، فللجسد وحَدَه يعملون، ولإشباع غرائزه الدنيا ينشطون، وحول بطونهم وفروجهم يدورون، شعارهم الدائم قول القائل:
إنَّمَا الدنيا طَعام وشراب ومَنام فإذا فاتَكَ هذا فعلى الدنيا السلام
لا يا عباد الله، فليس الأمر كذلك، إن الإنسان رُوح وجسد، فللجَسَدِ مَطَالبٌ مِن جِنْس عالَمِه السُّفْليِّ، وللرُّوح مَطالب مِن جنس عالمها العلويِّ، وياليتنا كما نهتم بتغذية ونظافة وتزيين الجسد نهتم في المقابل بتغذية ونظافة وتزيين الروح- أي مايسمى بتزكية وتخلية وتحلية الروح- ولله در العالم الرباني أبو الفتح البستي رحمه الله عندما قال:
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران؟
أقبل على الروح-النفس- واستكمل فضائلها فأنت بالروح –النفس- لا بالجسم إنسان
وأقول لكم بصدق إن غالبية مشاكل الناس اليوم ومختلف التحديات التي أصبحت تواجهنا اليوم، مردها إلى الفراغ الروحي القاتل، فحري بمن ذاق حلاوة الإيمان خلال شهر رمضان أن تتطلع همته لطلب المزيد، ومن عرف حقيقة فضل رمضان وعظيم عطايا الرحمن وذاق بطاعاته طعم الإيمان لزم باب ربِّ رمضان؛ فإنما رمضان شهر من الشهور، والعبرة بالصدق مع الله تعالى في كل حال وحين، وبالمداومة والاستمرار حتى يأتينا الموت واليقين، نسأل الله تعالى الذي أذاقنا لذة انشراح الصدر خلال شهر رمضان أن يديم علينا نعمة الإقبال عليه، وأن ينصرنا على أنفسنا وعلى الشهوة والشيطان وحزبه وأن يرزقنا الأنفس المطمئنة على الدوام آمين.آمين آمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فياعباد الله، إن يومكم هذا يوم عظيم، وعيد كريم ختم الله به شهر رمضان الفضيل واستقبل به شهور الحج إلى بيت الله الحرام، يوم يعفو الله فيه عن المذنبين، ويتجاوز فيه عن المسيئين، ويستجيب فيه دعاء الصائمين، في مثل هذا اليوم خطب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في الناس وقال:” أيها الناس، إنكم صمتم لله ثلاثين يوما، وقمتم له ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون الله القبول”، وكتب رضي الله عنه إلى أهل الأمصار يأمرهم أن يختموا شهر رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، لأن الاستغفار يرقع ماتخرق من الصيام باللغو والرفث، قال أبو هريرة رضي الله عنه:” الغيبة تخرق الصيام والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء بصيام مرقع فليفعل”، وكان علي كرم الله وجهه ينادي في مثل هذا اليوم ويقول:” من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه”.

واعلموا أنكم في هذا المصلى تحضرون حفلة يشارك فيها أهل السماء أهل الأرض، حيث يقدم الصائمون الصادقون لله حصيلة صيامهم وقيامهم في شهر رمضان، فيرضى الله عنهم ويمنحهم جائزة الرضا والقبول، ومما يسن فعله في هذا اليوم المبارك بعد إخراج زكاة الفطر وصلاة العيد إظهار السرور والفرح والابتهاج، كما يؤذن للعامة من الناس باللهو المباح الذي لامعصية فيه، ومن السنن الثابتة أيضا التوسعة على العيال، وتهنئة المسلمين بعضهم لبعض، ومما يعد من آداب هذا اليوم الإكثار من ذكر الله تعالى، ولبس الجديد من الثياب وزيارة الأقارب والجيران والأرحام ومعايدتهم ومساعدة الضعفاء منهم. فقد كان أسلافنا رحمهم الله يمدون يد المساعدة للمستضعفين قبل يوم العيد، فإذا جاء العيد علت البسمة الوجوه، وعمت الفرحة الجميع، فلا تغفلوا عن واجبكم في التيسير على المعسرين، والتفريج عن المكروبين والمهمومين في هذا اليوم العظيم، زروهم واقضوا حوائجهم، ولتكن لنا الأسوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رأى يوم العيد طفلا يتيما كئيبا وحزينا منعزلا عن أقرانه يبكي فيما رواه الإمام البخاري، فسأله صلى الله عليه وسلم عن سبب حزنه فقال اليتيم: مات أبي وليس عندي اليوم ما ألبس، ولا ما ألعب به مع أقراني، فضمه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى صدره وفاضت عيناه بالدموع، وقال للطفل اليتيم مطيبا خاطره:” ياغلام، أما ترضى أن أكون لك اليوم أبا؟ وعائشة أما ؟ وفاطمة أختا؟ فتهلل وجه الصبي اليتيم وقال: رضيت يارسول الله”، وقال الإمام الحسن رضي الله عنه:” قضاء حاجة أخ مسلم أحب إلي من اعتكاف شهر”.والحمد لله رب العالمين؛

وأكثروا من الصلاة والتسليم على ملاذ الورى وخير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وامتثلوا قول ربنا عز وجل : (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)،اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة رسول الله أجمعين، وعن آل بيت رسول الله أجمعين، اللهم أكرمنا بمحبتهم واقتفاء نهجهم، واجزهم عنا وعن الإسلام أحسن الجزاء، اللهم انصر مولانا أمير المؤمنين محمد السادس، اللهم يارب وفقه إلى كل خير واحفظه من كل شر، وكلل يارب أعماله بالنجاح، وارزقه السلامة في الحل والترحال، وبارك اللهم في تحركاته وأعماله التنموية، وهيأ له بطانة الخير التي تعينه على صلاح البلاد والعباد، ومتعه يارب بالصحة والسلامة والعافية، وأعد عليه أمثال أمثال هذه المناسبة أعواما عديدة باليمن والخير والهناء، اللهم اجزه عن المغرب والمغاربة وعن مواقفه الإنسانية وعواطفه النبيلة التي يكنها لشعبه الوفي كل خير، واحفظه اللهم في ولي عهده مولاي الحسن، وشد أزره بأخيه مولاي رشيد، واحفظ يارب سائر أسرته الملكية الشريفة، إنك سميع قريب مجيب، اللهم آمننا في أوطاننا، وأدم علينا نعمة الأمن والأمان والوحدة والتعاون والتآزر والتكافل والتراحم والأخوة والمحبة، وعرفنا نعمك بدوامها علينا ولا تعرفنا إياها بزوالها، اللهم كن للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم تقبل منا صيام شهر رمضان على التمام والكمال، ولاتجعله آخر عهد لنا بصيامه ولابقيامه، اللهم اكتبنا في هذا الشهر الفضيل المبارك من المرحومين المغفور لهم العتقاء من النار، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *