قبسات منتقاة لتجليات مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه
قبسات منتقاة لتجليات مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فياعباد الله، روى الإمام الترمذي عن أنس رضي الله عنه:” أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به ملجما مسرجا، فاستصعب عليه فقال له جبريل: أبمحمد تفعل هذا؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه قال فارفض عرقا“.
أيها الإخوة الكرام، إننا نعيش أجواء شهر عظيم ولد فيه نبينا العظيم صاحب الخلق العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونظرا لكون الغالبية منا تجهل تفاصيل سيرته العطرة وقدره الفخيم عند الله تعالى، وبالتالي يستحيل أن تعرفه وتحبه وتتعلق به كما ينبغي وتتمثل بما أمر به صلى الله عليه وسلم قلبا وقالبا، فإننا سنورد بعضا مما تيسر من أخباره الرائعة الرائقة التي تأسر العقول وتأخذ بالألباب علنا نزداد تحققا بمعرفته ومحبة في جنابه عليه أفضل الصلاة والسلام.
فلا خفاء إذن على من مارس شيئاً من العلم، أو خُصَّ بأدنى لمحة من فَهم، بتعظيم الله تعالى قَدْرَ نبينا عليه الصلاة والسلام، وخُصوصِه إياه بفضائل ومحاسن ومناقِبَ لا تنضبط لِزِمام، وتنويهه من عظيم قدره بما تَكِلُّ عنه الألسنة والأقلام. تمعنوا أيها الإخوة والأخوات في مدح الله إياه بقوله:” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”، قال العلماء: أعطاه اسمين من أسمائه: رؤوف ورحيم. وتأملوا في قوله عز وجل:” لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”، وتأملوا وتأملوا في الآيات الكثيرات التي يطول تعدادها، والتي نزلت في حق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وتبين مكانته العظيمة وشأنه الفخيم.
أيها الإخوة الكرام، تصوروا أننا نعيش في عالم بدون بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في عالم لايعرف الله تعالى ولا يوحده ولا يعبده ولا يعظمه، في عالم لازال في الجاهلية بكل مظاهرها، وتصوروا وتصوروا كيف يمكن أن يكون هذا العالم بدون رسول الله، ها نحن ورغم بعثته بحوالي 1440 سنة لازلنا نجد بين ظهرانينا في هذا العالم من لايزال تائها عن ربه في عالم الغفلة يرتع وهو راض عن نفسه بالتمام والكمال.
قال العلماء: لقد علم الله عجز خلقه عن طاعته، فأقام بينهم وبينه مخلوقا من جنسهم في الصورة، وألبسه من نعته الرأفة والرحمة، وأخرجه إلى الخلق سفيرا صادقا، وجعل طاعته طاعته وموافقته موافقته، فقال تعالى:” من يطع الرسول فقد أطاع الله”، وقال أيضا:” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، فكانت حياته رحمة لجميع الخلق بما فيهم الجن والإنس ومماته رحمة لهم كذلك، فهو رحمة للمؤمن بالهداية، ورحمة للمنافق بالأمان من القتل، ورحمة للكافر بتأخير العذاب، ذكر العلامة القاضي عياض رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: “هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟ قال: نعم، كنت أخشى العاقبة، فأمنت لثناء الله عز وجل علي بقوله: “ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين”.
نعم أيها الإخوة الكرام، هذا هو نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المعظم، وأي تعظيم أكبر من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ”، روى ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أتاني جبريل عليه السلام، فقال: ربي وربك يقول: تدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: إذا ذكرت ذكرت معي”، قال قتادة رحمه الله:”رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهِّد ولا صاحب صلاة إلا ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله”، فَقَرَنَ الله ذِكْرَ الرسول صلى الله عليه وسلم بذكره جل وعلا في: كلمة الشهادة، والأذان، والإقامة، والتشهد، وخطبة الجمعة، وعند دخول المسجد والخروج منه، وفي مواضع كثيرة في القرآن، ولقد صدق حسان بن ثابت رضي الله عنه عندما قال:
وضَمَّ الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذِّن أشهد
وشقَّ له من اسمه لِيُـجِـلّـَه فذو العرش محمود وهذا محمد
وحسان بن ثابت رضي الله عنه صحابي من الأنصار، لقب بشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ذِكْرِ الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن قرن طاعته بطاعته، واسمه باسمه، فقال الله تعالى:”قُلْ أَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ”، وقال الله تعالى:”وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”، وغيرها من الآيات في هذا المعنى كثير. فجمع بينهما بواو العطف ولا يجوز جمع هذا الكلام في غير حقه عليه السلام. وفي ذلك بيان لمكانة نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم السلام لدى ربه عز وجل، نسأل الله تعالى أن يعرفنا به تمام المعرفة، معرفة تنفعنا في الدنيا والآخرة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله، قال الله تعالى في كتابه الكريم:” يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا”، وقال أيضا:” وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”، وقال عز من قائل:” فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا”.
أيها الإخوة الكرام، المعنى الإجمالي لهذه الآيات كما ذكر العلماء: “أن الله جل جلاله سيسأل الأنبياء يوم القيامة هل بلغتم؟، سيقولون: نعم، فتقول أممهم: ماجاءنا من بشير ولا نذير، فتشهد أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للأنبياء ويزكيهم النبي صلى الله عليه وسلم”.
وفي ذلك بالغ الثناء وعظيم الإكرام لنبينا عليه أفضل الصلاة وأتم السلام في ذلكم الموقف العظيم، ولا يخفى عليكم كون كلمات:”الشاهد، وشهداء، والشهيد”، الواردة في الآيات الكريمات تقتضي الحضور والمعاينة والمشاهدة من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم لمن سبقه من الأنبياء والمرسلين، وأن هذا الشاهد مصدق ومزكى عند من يطلب شهادته- وهو الله عز وجل-، وأنه يعلم مسبقا كونه عاين الأنبياء وأممهم، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على علو مكانة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه، والتي لا يعرفها أحد سواه. وهذا يشهد له ويؤيده مارواه الإمام أحمد في مسنده عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ متى كُنْت نَبِيًّا، وَفِي رِوَايَةٍ : مَتَى كُتِبْت نَبِيًّا ؟ قَالَ. وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ”. وغير ذلك من الأحاديث التي تذكر كون بعض الكتب المنزلة على الأنبياء أخبرت بمقدمه صلى الله عليه وسلم.
ختاما أقول لكم: إن التعرف على النبي سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، والاطلاع على تفاصيل سيرته وأخباره العطرة ومكانته عند الله تعالى يسعد المسلم ويزيده محبة في الحبيب ويسهم بشكل كبير في إنعاش متابعته والاقتداء به، وذلك كله هو الباب لمعرفة الله تعالى وعبوديته حق العبودية، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير