أكاديميون وباحثون يقاربون موضوع “التربية الدينية بين الأصالة والانفتاح” بالزاوية البصيرية
أكد مولاي إسماعيل بصير، شيخ الزاوية البصيرية، أن تنظيم الملتقى العلمي السادس لمدارس التعليم العتيق بالمنطقة الوسطى، يأتي مساهمة من مدرسة الشيخ سيدي إبراهيم البصير للتعليم العتيق في إثراء النقاش العلمي
الهادف إلى بلورة رؤية واضحة المعالم لمشروع تجديد برامج ومناهج ومقررات التربية الدينية في المغرب، واستجابة للتعليمات الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله التي أصدرها لوزيري الأوقاف والشؤون الإسلامية، والتربية الوطنية يوم السبت 6 فبراير 2016م بمدينة العيون بالصحراء المغربية أثناء ترأسه للمجلس الوزاري، حيث أصدر جلالته أمره المطاع ب: “ضرورة مراجعة مناهج وبرامج ومقررات تدريس التربية الدينية سواء في المدرسة العمومية، أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق، في اتجاه إعطاء أهمية كبرى للتربية على القيم السمحة، وفي صلبها المذهب السني المالكي الداعية إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية وضرورة أن ترتكز هذه البرامج والمناهج التعليمية على القيم الأصيلة للشعب المغربي على عاداته وتقاليده العريقة القائمة على التشبث بمقومات الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد مكوناتها وعلى التفاعل الإيجابي والانفتاح على مجتمع المعرفة وعلى مستجدات العصر”.
وأوضح خادم الطريقة البصيرية والمشرف على مدرسة الشيخ سيدي إبراهيم البصير الخاصة للتعليم العتيق، في كلمته الافتتاحية للملتقى العلمي السادس لمدارس التعليم العتيق بالمنطقة الوسطى المنظم بمقر مدرسة الشيخ سيدي إبراهيم البصير للتعليم العتيق ببني عياط – إقليم أزيلال، يوم الأربعاء 5 رجب 1437هــ الموافق لـ13 أبريل 2016م بتنسيق وشراكة وتعاون مع مديرية التعليم العتيق لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تحت شعار: “التربية الدينية بين الأصالة والانفتاح”، (أوضح) أن المشاركة في هذا الملتقى العلمي لهو أصدق تعبير عن الإخلاص والوفاء للمهمة النبيلة التي انتدب المولى عز وجل لها العلماء والمعلمين، ألا وهي بناء الأجيال الصاعدة حاضر هذه الأمة ومستقبلها الزاهر.
وشدد شيخ الطريقة البصيرية، على أن الهدف الأسمى من هذا الملتقى العلمي، هو الخروج برؤية واضحة المعالم، للنهوض بمنظومتنا التعليمية الدينية وتجديدها وجعلها أكثر فاعلية وإيجابية بتكوين أجيال متوازنة في شخصيتها وسلوكها اليومي، ومتمسكة بأصالتها الحضارية، وثوابتها الدينية والوطنية، ومنفتحة على مستجدات العصر وتحدياته، شخصية على بصيرة بالعلوم العصرية، قادرة على مواكبة التحديات بنور الإيمان، والرقي في مقامات الإحسان بفضل التربية السلوكية التي تتلقاها صفية نقية بمؤسساتنا التعليمية العتيقة، والتي تحتاج اليوم إلى نهضة علمية على مستوى المناهج والطرق والوسائل التربوية والبيداغوجية تثمينا للدعوات المتواصلة لأمير المؤمنين نصره الله في النهوض بهذا التعليم الذي امتاز به المغاربة في مختلف العصور، مذكرا بما جاء في خطابه السامي حفظه الله بتاريخ 10 ربيع الأول 1425 هـ الموافق ل30 أبريل 2004م بالدار البيضاء والذي قال فيه: “وفي هذا السياق، حرصنا على تأهيل المدارس العتيقة، وصيانة تحفيظ القرآن الكريم، وتحصينها من كل استغلال أو انحراف يمس بالهوية المغربية، مع توفير مسالك وبرامج للتكوين، تدمج طلبتها في المنظومة التربوية الوطنية، وتجنب تخريج الفكر المنغلق وتشجع الانفتاح على الثقافات”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن رؤى جلالة الملك تتحقق الآن بخطى ثابتة بفضل الجهود الجبارة التي يبذلها أطر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مركزيا وجهويا وإقليميا، ومختلف مدارس التعليم العتيق المنتشرة ربوع مملكتنا الشريفة، حيث اتخذوا من التوجيهات السامية إطارا مرجعيا فحققوا نتائج تربوية وعلمية مثمرة استفاد منها الطلبة المغاربة والطلبة الأجانب من إخواننا الأفارقة وغيرهم، بفضل ما يتمتعون به من إيمان راسخ لتكوين أجيال صالحة، نافعة لبناء مستقبل زاهر لهذا البلد الأمين.
ودعا شيخ الطريقة البصرية، إلى ضرورة التجاوب مع كل خطوات الإصلاح للارتقاء بمستوى الناشئة، وذلك باعتماد أسلوب مؤسس على الوسطية والاعتدال لا ينكر جهود الأجداد الخيرين، ولا يجافي مسيرتهم المباركة في الحفاظ على ثوابت الأمة وأصالتها في توازن بين حاجات العقل ومطالب الروح، تعليم يستشرف المستقبل وينتشل الأمة اليوم من ضنك البعد عن روح الدين الصحيح، والانغماس في تطرف المتطرفين وغلو الغالين.
ومن جهته، عبر عبد الرحيم مسكور، المندوب الجهوي للشؤون الإسلامية بجهة بني ملال خنيفرة، عن سعادته للمشاركة في هذا الملتقى العلمي الذي يعتبر مناسبة للنقاش وطرح المواضيع المستجدة في مجال التعليم الديني عموما والتعليم العتيق بشكل خاص، مؤكدا أن اختيار الموضوع جاء في إبانه، داعيا إلى ضرورة برمجة البرامج على القيم الأصيلة لمجتمع المغربي وعاداته وتقاليده القائمة على التشبث بمقومات الأمة، والتفاعل الإيجابي مع المستجدات المعرفية. وأضاف مسكور، أن القانون المنظم للتعليم العتيق له أبعاد عامة يروم تحقيقها وهو تكوين المواطن الصالح المتصف بالاستقامة وبالصلاح المتسم بالاعتدال والتسامح، وتخريج مواطن شغوف بالعلم وطلب المعرفة في أرحب آفاقهما، مواطن يتميز بروح المبادرة والإنتاج النافع، ولتحقيق ذلك لابد من البدء بإتقان حفظ القرآن الكريم واكتساب العلوم الشرعية والإلمام بمبادئ العلوم الحديثة والتفتح على اللغات الأجنبية والعلوم والثقافات الأخرى في ظل مبادئ الإسلام.
واعتبر مسكور، أن القيم الدينية الإسلامية باعتبارها قيما إنسانية تحتاج ولا شك إلى مناهج تربوية مواكبة لتقلبات الواقع وتحدياته، لأن من شأن هذه التحديات أن تحدث الضرر بمنظومة القيم الإسلامية وتشوه صورتها وتحرف المقاصد الدينية السامية عن مواضعها.
ومن جانبه، دعا محمد حافيظ، رئيس المجلس العلمي المحلي لأزيلال، إلى ضرورة إحياء بعض العلوم التي توشك على الاندثار مثل علم التوقيت، وذلك بتشجيع هذا التخصص وتعليمه، لأنه ـ حسبه ـ علم يتعلق بتعليم زمن أداء الفرائض وبداية الشهور والأهلة، وهي مواقيت للناس في الصلاة والحج، آملا أن تكون مناهج وبرامج التربية الدينية بعد مراجعتها، في مستوى تطلعات جلالة الملك نصره الله، بالمحافظة على الأصل والانفتاح على العصر لبقاء المغرب موضع ثقة العالم في الوسطية والاعتدال في التدين، المغرب عرف سكانه بنبذ أساليب الكراهية والحقد، وعرفوا كذلك بالاعتراف بالآخر والاندماج في المحيط.
وفي نفس السياق، قال جمال الدين امحمدي، المندوب الإقليمي للشؤون الإسلامية بأزيلال، أن حديث بلاغ الديوان الملكي عن ضرورة مراجعة مناهج وبرامج ومقررات تدريس التربية الدينية وإيلاء أهمية أكبر للتربية على القيم السمحة، هو في جوهره لفت نظر إلى الفراغ الذي طالما عانت منه المنظومة التربوية، لما قصرت في إدماج القيم في كثير من المناهج التعليمية، وتضمينها في مقررات ومناهج التدريس والتعليم، بشكل الذي يمكن من فسح المجال لإبراز القيم المثلى التي دعا الإسلام إلى تركيزها في نفوس الأفراد وواقع المجتمعات، وأضاف أن القيم التي لفت البلاغ النظر إليها هي روح التربية وجوهرها لأنها قيم مباشرة تتعامل مع ذات الإنسان كما أنها تستمد مشروعيتها الدينية بارتكازها على نصوص الكتاب والسنة.
وأضاف امحمدي، أن التعليم العتيق ظل عبر التاريخ العريق للمغرب، المعين الذي لا ينضب للمادة العلمية الشرعية، التي تأسس على ضوئها وعلى هديها نموذج التدين المغربي، مؤكدا أن التعليم العتيق أعطى الكثير ولا زال يعطي الكثير وسيبقى كذلك إن شاء الله تعالى مادامت الجهود متضافرة والرؤى متكاملة والأهداف موحدة سواء من طرف الدولة عبر الوزارة الوصية أو من طرف الخيرين والمحسنين من هذا الوطن العزيز كل من موقعه وفي إطار صلاحياته واختصاصاته. وأبرز مومن الطالب، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة بني ملال خنيفرة، أن اختيار شعار: “التعليم العتيق بين الأصالة والانفتاح”، يعكس أهمية التعليم العتيق في الحفاظ على هوية الأمة وتراثها العلمي والحضاري، إذ هو منظومة تربوية كاملة عبرها ورث السلف الخلف الحكمة والعلوم والآداب، من تخرج العلماء والأدباء، وهو المدافع عن ثوابتها الدينية والوطنية، لذلك حظي ولا يزال بالعناية والرعاية اللازمتين من طرف مؤسسات الدولة ما يعتبر شريكا أساسيا في العملية التربوية.
وأشار الطالب، إلى أن الجمع بين الأصالة والانفتاح شيء ضروري ولازم للدفع بالحياة إلى الأمام، في حركة فعالة هادفة، وأن كل انغلاق على الذات من شأنه أن يؤدي إلى الجمود والتخلف عن ركب الحياة التي لا ترحم الجامدين، كما أن التحرر المطلق يؤدي إلى فقدان الشخصية وبالتالي إلى الضياع في مهب الريح .
هذا وقد عرفت الجلسة العلمية، إلقاء مجموعة من العروض القيمة ذات الصلة بموضوع الملتقى، أولها مداخلة الدكتور سعيد شبار، رئيس المجلس العلمي المحلي ببني ملال، بعنوان: “المناهج التعليمية وضرورة الانفتاح على مستجدات العصر”، ومداخلة للدكتور محمد فراجي، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة القاضي عياض، بعنوان: “التربية الدينية ومراعاة القيم الإسلامية السمحة “، ومداخلة الأستاذة الباحثة كريمة خلكان، بعنوان: “التربية الدينية ومراعاة الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش”، ثم مداخلة الدكتور عبد الهادي السبيوي، أستاذ باحث في التربية السلوكية، بعنوان: “المناهج التعليمية ودورها في ترسيخ القيم والعادات والتقاليد الأصيلة للمغاربة”، ثم مداخلة الدكتور محمد جودت أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، بعنوان: “المناهج التعليمية ودورها في تثبيت مقومات الهوية الوطنية”.
وفي ختام هذا الملتقى تم عرض شريط وثائقي للطلبة المتفوقين خلال الفترة الأولى من السنة الدراسية، وتقديم أنشطة متنوعة هادفة لبعض المؤسسات التعليمية المشاركة في الملتقى والختم بالدعاء الصالح لأمير المؤمنين.