بر الوالدين
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن يهد الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَّه لا شريك له ولا مثيل ولا شبيه ولا ضدّ ولا ندّ له، وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبدُهُ ورسوله وصفيّه وحبيبه مَن بعثَه اللهُ رحمة للعالمين هاديّا ومبشرًا ونذيرًا بلّغَ الرسالةَ وأدى الأمانة ونصحَ الأمّة وجاهد في الله حق جهاده فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِن أنبيائه. اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إيراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.
عباد الله أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى الله العلي القدير، بالخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل.
أما بعد:
عباد الله، إن للوالدين حقاً عظيماً وفضلاً ـ بعد فضل الله ـ جليلاً كريماً، وصى الله عز وجل به وتنزل به الروح الأمين من فوق السماوات السبع العلا.
اثنان إذا ذكرتهما ذكرت البر والإحسان، اثنان إذا ذكرتهما أسعفتك بالدموع العينان … مضت أيامهما وانقضى شبابهما وبدا لك مشيبهما، وقفا على عتبة الدنيا وهما ينتظران منك قلباً رقيقاً وبراً عظيماً، وقفا ينتظران منك وفاء وبراً، والجنة أو النار لمن برّهما أو عقهما، فطوبى لمن أحسن إليهما ولم يسئ لهما، طوبى لمن أضحكهما ولم يبكهما، طوبى لمن أعزهما ولم يذلهما، طوبى لمن أكرمهما ولم يهنهما، طوبى لمن نظر إليهما نظر رحمة وودّ وإحسان، وتذكر معها ما كان منهما من برّ وعطف وحنان، طوبى لمن أسهر ليله ونصب في نهاره وضنى جسده في حبهما، طوبى لمن شمر عن ساعد الجد في برهما، فما خرجا من الدنيا إلاّ وقد كتب الله له رضاهما.
أيها الأحبة في الله، إننا في زمان قد عظمة غربته واشتدّت كربته، فلم يرحم الأبناء دموع الآباء ولم يرحم البنات شفقة الأمهات، في هذا الزمان الذي قلّ فيه البر وازداد فيه العقوق والشر، نحتاج إلى من يذكرنا فيه بحق الوالدين وعظيم الأجر لمن برهما.
لذا كله كانت هذه الموعظة، فلنصغ بأسماعنا إلى كتاب ربنا الذي دلنا على عظيم حقهما قال تعالى: {وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً} [النساء: 36]، وقوله سبحانه: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الأنعام: 151]، وقوله جل شأنه: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴿٢٣﴾ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [سورة الإسراء: 23-24].
أخي الحبيب، تأمّل صغرك وضعفك حال طفولتك تذكّر معاناة أمّك منك، وذلك حينما جعلت بطنها لك وعاءً، ودمها لك غذاءً، تأمل حملها لك في بطنها تسعة أشهر، تحمل معها الآلام والأنّات والزفرات، فإذا قرب وقت وضعك وحانت ساعة خروجك إلى الدنيا اختلطت مشاعرها، فرح وحزن … خوف واستبشار … فتفرح وتستبشر بمقدمك .. وتخاف وتحزن من هول أمر وضعك، وما قد يحدث من أثر ذلك، ولكن يغلب فرحها واستبشارها بمقدمك على خوفها وحزنها، فكل شيء لديها يهون إذا رأتك صحيحاً سليماً، ووالله إنها لترى الموت بعينيها وتذوق من الآلام ما يود المرء أن يكون معه نسياً منسياً، ولكنها بعاطفتها الجياشة آثرت صحتك على صحتها ونجاتك بهلاكها، إنها عند رؤيتها لك تنسى جميع الهموم والآلام وتعلق عليك بعد الله آمالها.
وتبدأ الرحلة الشاقة لأمك فهاهي ترضعك حولين كاملين، تسهر لسهرك وتتألم لألمك وتحزن لحزنك وتزيل الأذى عنك بيديها دون تردد أو تأفّف، وصدق الله إذ قال: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ} [سورة لقمان: 14]، {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [سورة الأحقاف: 15].
أمّا أبوك، فإنه يكد ويسعى ليوفر لك لقمة عيش سائغة، ويذود عنك صنوف الأذى لتعيش بين الناس بسلام، إذا غبت عنه أصيب بالحيرة والحزن، وإذا مرضت اهتم لك وقلق، يجتهد في تربيتك و إصلاحك، إذا دخلت عليه هشّ في وجهك، وإذا أقبلت عليه بش في وجهك، وإذا خرج تعلقت به رغبةً وحباً، وإذا حضر التزمت حجره واحتضنت صدره حناناً وودّاً.
أخي الكريم، هذان هما والداك وتلك هي طفولتك وصباك، وبقي الواجب عليك تجاههما، والذي نستلهمه من توجيه نبيك عليه الصلاة والسلام عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “أيّ العمل أحب إلى الله؟”، قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: “ثمّ أيّ؟”، قال: «بر الوالدين»، قلت: “ثمّ أيّ”. قال: «الجهاد في سبيل الله» [رواه مسلم].
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه». قيل: “من يا رسول الله؟”، قال: «من أدرك والديه، أحدهما أو كلاهما ثمّ لم يدخل الجنة». وفي الصحيحين أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: «أحيّ والداك؟»، قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد».
وهكذا عباد الله تتعاضد التوجيهات النبوية على تقديم بر الوالدين على غيرهما، بل إن من عظم حقهما أن تتواصل مع كل من يسرهما وصاله، والذي فيه إبقاء لروابط المودة التي كانت بين الوالدين وأهل ودّه ، بل وانتقالها إلى أولاده .
إن برَّ الوالدين فرض واجب بإجماع الأمة، بل الديانات كلها، يكفي أن الله تعالى قرنه بتوحيده فقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [النساء: 36].
من أجل ذلك -يا عباد الله- كان للسلف الصالح مقامات في البر، وصفحات في الإحسان، لا يتسع لذكرها الزمان.
كان أبو هريرة رضي الله عنه كلما أراد أن يدخل أو يخرج من دار أمه وقف على بابها فقال: “السلام عليك -يا أمتاه- ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك -يا بني- ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرًا، فتقول: ورحمك الله كما سررتني كبيرًا”.
وثبت عند أحمد وغيره عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: “نِمْتُ فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟! فَقَالُوا: هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَذَلِكَ الْبِرُّ، كَذَلِكَ الْبِرُّ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ”.
وهذا علي بن الحسين زين العابدين -رضي الله عنهم- كان من سادات التابعين، قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: “أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها”.
وهذا حيوة بن شريح، من أئمة الدنيا، يقعد في حلقته ويأتيه الطلاب من كل مكان، فتقول له أمه -وهو بين طلابه-:”قم -يا حيوة- فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم”. الله اكبر قمة في التواضع والبر .
و السؤال المهم في هذه الخطبة: كيف نَبَر والدَينا أحياءً وأمواتًا؟!
إخوتي في الله هذه بعض الأفكار العملية في بر الوالدين:
أولاً: السمع والطاعة: فإذا أمرك والداك في غير معصية فطاعتهما واجبة، ولو منعاك من الجهاد في سبيل الله، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة.أطع والديك دائمًا، وقدم أمرهما، واطلب رضاهما قبل كل شيء، لا تسافر إذا لم يأذنا لك، لا تفضل زوجتك أو ولدك عليهما، ومع هذا نقول: إن لوالديك عليك حقًّا، ولزوجتك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه.
ثانيًا: التوقير والاحترام؛ قال تعالى: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) [الإسراء: 23]، قال الهيثمي: “أي اللين اللطيف المشتمل على العطف والاستمالة، وموافقة مرادهما وميلهما ومطلوبهما ما أمكن، لا سيما عند الكبر وقال ابن عباس في قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [الإسراء: 23]: “يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يُغْلِظُ لهما في الجواب، ولا يُحِدُّ النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثلَ العبد بين يدي السيد تذللاً لهما.
إذًا، خاطب والديك بأدب، حتى وإن أخطآ، لا تجادلهما أو تعاندهما، أو ترفع صوتك عليهما، بل حاول أن تبين لهما الصواب بأدب وحكمة.ومن التوقير تقبيل رأسهما ويديهما، وحسن الاستماع لهما، وهذا مما قد نفتقده ولا نعرف تأثيره، فإذا تحدث والداك، أقبل عليهما بوجهك، وتفاعل مع حديثهما، ولو كنت قد سمعته من قبل.
ثالثًا: الدعاء لهما: اجعل الدعاء لهما ملازمًا لك، تذكرهما في سجودك، في وترك، في دعائك المطلق، ادع لهما بالرحمة، بالمغفرة، بالعافية، بالهداية والصلاح، بطول العمر على الطاعة، بحسن الخاتمة، بدخول الجنة والنجاة من النار، بأن يجزيهما عنك خير الجزاء.
ادع لوالديك، واحرص على دعائهما لك، واحذر من دعائهما عليك، فإن دعوة الوالد لولده أو على ولده مستجابة، كما ثبت عند أحمد وأهل السنن عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: “ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده”، وفي لفظ: “ودعوة الوالدين على ولدهما”، وفي لفظ: “ودعوة الوالد لولده”.
رابعًا: الصدقة عنهما: في حياتهما وبعد موتهما، بالتبرع لهما استقلالاً، أو إشراكهما في أجر الصدقات، وبناء المساجد، وحفر الآبار، وطباعة المصاحف، والأوقاف الخيرية العامة ولو بالقليل.
وهنا وصية لمن مات والداه، أو كانا بعيدين عنه بسبب الغربة، ونفسه تتوق للبر بهما: كن مستقيمًا صالحًا ليستمر أجر والديك بدعائك: “أو ولد صالح يدعو له”. احفظ القرآن ليلبس الله والديك التاج ويرفع درجاتهما، كن خلوقًا لترفع ذكر والديك وتكسب دعاء الناس لهما، أحسن إلى أصدقاء وأحباب والديك بعد موتهما، فهذا من تمام البر.
خامسًا: الإنفاق عليهما وخدمتهما وقضاء حوائجهما: لا تستصغر خدمة والديك، كن لماحًا وحاول أن تعرف ما يحتاجان، أو اسألهما عنه، فإذا طلبوا شيئًا، قل: حاضر . تفقد أحوالهما بعد نومهما،، خصوصًا إن كانا من المرضى أو كبار السن. يريد أن يجلس والدك فبادر إلى الكرسي أو المتكأ فقربه له، ترى والدتك تفكر اسألها: آمري، تدللي، ماذا تريدين؟! أنا أخدمك بعيوني.
سادسًا: الترويح عنهما وإدخال السرور عليهما: يمكنك أخذهما في رحلة، إلى مكان جميل، إلى جولة داخل المدينة، زيارةِ بعض الأقارب، ومن ذلك أيضًا ضيافتهما في استراحة أو دعوتهما إلى غداء أو عشاء في إحدى المطاعم العائلية المحافظة، المهم أن تدخل عليهما السرور، وتشعرهما بحبك لهما، ولا تستكثر على والديك هذه الساعة، وأنت لا تمل من الركوب والجلوس يوميًا مع أصدقائك.
سابعًا: مدحهما والثناء عليهما: امدح والديك في حضورهما، افتخر بهما، تشرف بالانتساب إليهما، إن نجحت في دراستك فقل: هذا النجاح بفضل الله ثم تربية الوالد والوالدة، إن وُفقت في عمل أو زواج، أو ترقية في وظيفة أو رزقت بمال فقل: هذا بتوفيق الله ثم دعاء الوالد والوالدة، إذا رأيتهما فقل: الحمد لله أن رزقني والدين مثلكما، ولا تستحيي ولا تتحرج من إدخال السرور عليهما بمثل هذه الكلمات اللطيفة.
ثامنًا: مشاورتهما وتقديم رأيهما: شاورهما وخذ برأيهما، واعلم أن فيه الخير والبركة.
تاسعا: ترك كل ما يزعجهما: قال ابن عباس رضي الله عنهما ” لا تنفضْ ثوبَكَ فيصيبَهُما الغُبارُ ” وقال عروة ” لا تمتنع عن شيء أحباه ” ويدخل فيه أيضًا الإحسانُ إليهما بالمالِ والخدمةِ والزيارةِ بل حتى بزيارة من يحبون.
وحتى بعد موت الوالد فإن الشخص يُثاب بزيارة مَنْ كان الوالد يودهم، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: { إن من أَبَرّ الْبِرّ أَنْ يبرَّ الرَّجُلُ أهل وُدِّ أَبِيهِ بعد أن يولى } أي بعد أن يموت.
عباد الله،
إن لبر الوالدين ثمرات عظيمة بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، فاعلموا أنه سبب في زيادة العمر وسعة الرزق وتفريج الكربات وإجابة الدعوات وانشراح الصدر وطيب الحياة.
وهو سبب في بر الأبناء بالآباء كما أنه دليل على صدق الإيمان وكرم النفس وحسن الوفاء، عن معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك، فقال: «هل لك من أمّ؟»، قال: “نعم”. قال: «فالزمها فإن الجنة تحت رجليها» [قال الألباني حسن صحيح].
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر» وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم…»
وفي قصة أصحاب الغار الثلاثة عبرة، فمن بينهم رجلاً كان باراً بوالديه فذكر ما كان منه معهما من البر ثم قال: «فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء. ففرّج الله عز وجل لهم حتى يرون منها السماء…» [رواه البخاري].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى عليه وسلم: «دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا؟»، قالوا: “حارثة بن النعمان”. فقال صلى الله عليه وسلم: «كذلكم البر، كذلكم البر» وكان أبر الناس بأمه.
اللهم اجعلنا من أهل البر والإحسان، واغفر لنا ولوالدينا وإخواننا في الإيمان، يا رحيم يا رحمن، يا كريم يا منان، والحمد لله ذي الفضل والإحسان. اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الذي يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الفحشاء والمنكر، ومن ذلك عقوق الوالدين؛ فالعقوق كبيرة من كبائر الذنوب، والعقوق كل ما يتأذى به الوالدان من ولدهما من قول أو فعل، فعلاً أو تركًا؛ فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور”. رواه البخاري (6919) ومسلم (87).
فقرن الله طاعتهما بإفراده بالعبودية، وفي هذا الحديث قرن النبي صلى الله عليه وسلم معصيتهما بالشرك بالله، فدل ذلك على عظم جرم عقوقهما.
والعقوق أيها الأحبة ضابطه كما قال بعض العلماء “هو ما يتأذى به الوالدان أو أحدهما تأذيًا ليس بالهين في العرف” أي في عرف الناس كالشتم ونحوه بل نصَّ بعضُهُم ” أنه يجب على الولد أن يطيع والديه في كل أمر يحصل لهما غمٌّ بسببِ تركه له أي مما ليس فيه معصية.
ومن صور العقوق:
1- إبكاء الوالدين وتحزينهما بالقول أو الفعل .
2- نهرهما وزجرهما ، ورفع الصوت عليهما .
3- التأفف من أوامرهما .
4- العبوس وتقطيب الجبين أمامهما، والنظر إليهما شزراً.
5- الأمر عليهما .6- انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة.
7- ترك الإصغاء لحديثهما.
8- ذم الوالدين أمام الناس.
9- شتمهما.
10- إثارة المشكلات أمامهما إما مع الأخوة، أو مع الزوجة.
11- تشويه سمعتهما.
12- إدخال المنكرات للمنزل، أو مزاولة المنكرات أمامهما.
13- المكث طويلاً خارج المنزل، مع حاجة الوالدين وعدم إذنهما للولد في الخروج.
14- تقديم طاعة الزوجة عليهما.
15- التعدي عليهما بالضرب.
16- إيداعهم دور العجزة.
17- تمني زوالهما.
18- قتلهما عياذاً بالله.
19- البخل عليهما والمنة، وتعداد الأيادي.
20- كثرة الشكوى والأنين أمام الوالدين .
يقول عليه الصلاة والسلام ودقّقوا في هذا الحديث: (من أحْزَنَ والِدَيْه فقد عقَّهما) ومعناه إذا فعلْتَ فِعْلاً أدْخَلْتَ على قلبهما الحُزن ، فأنت عاق.
والعاق إذا لم يتَّق ربه ويبادر بالتوبة فهو على خطر عظيم، وعقوبته معجلة في الدنيا ومؤخرة في الآخرة؛ فعن أبي بكرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم”. رواه الترمذي (2511)، وقال: حديث حسن صحيح.
وروى الحاكم في المستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه } يعني العقوبة في الدنيا.
أخي الابن: احذر أن تخرج من البيت أو تدخل أو تقوم أو تنام وقد أبكيت والديك؛ فبكاء الوالدين من العقوق، فالسعيد الذي يبادر اغتنام فرصة برهما لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك، والشقي من عقهما، ولا سيما من بلغه عظم ذنب العقوق.
أخي الابن: لعلك أدركت تقصيرك في حق أبويك، فبادر رعاك الله إلى برهما واعلم ايها الابن أن إساءة الأب وتقصيره في حقك ليست أبدا مسوغًا لعدم البر أو مبيحًا للعقوق، فعلى أبيك ما حمل وعليك ما حملت من الواجبات، ولا أظنك ترى أنَّ حقك أعظم من حق الله، ومع ذلك فقد أمر الله ببر الأبوين وإن كانا كافرين: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان: 15]، وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قلت: وهي راغبة، أفأصل أمي؟! قال: “نعم، صلي أمك”. رواه البخاري (2620) ومسلم (1003).
ولا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما، فيجب بر الوالدين وإن كان عليهما آثار الفسق والمعاصي، وإن كانا مصرين على الكبائر، بل وإن كانا مرتدين بقول أو بفعل يوجب الخروج من الإسلام إذا لم يأمرا بمعصية الله.
و تذكر اخي في الله ، أنك مهما بلغت من البر بأبويك فإنه يوجد من هو خير منك في البر، فلا يقع في نفسك أنك بلغت الكمال في البر بأبويك والإحسان بهما، تذكر بر إسماعيل بأبيه الخليل –صلى الله عليهما وسلم-؛ حيث بلغ به البر منتهاه، فجاد بنفسه برًّا بأبيه لتنفيذ وحي الله في المنام : (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: 102]، وعن أبى بردة أنه شهد ابن عمر ورجلاً يمانيًا يطوف بالبيت –حمل أمه على ظهره- ثم قال: يا ابن عمر: أترانى جزيتها؟! قال : « لا، ولا بزفرة واحدة ». رواه البخاري في الأدب المفرد (11)، وهو صحيح الإسناد.
وأنت أيها الأب الفاضل: كن عونًا لأولادك على برك، وذلك بالعدل بينهم وعدم إيثار بعضهم على بعض من غير سبب، امدح ما يقوم به أولادك من بر تجاهك وأثن عليه، تجاهل ما يبدر منهم من تقصير، ولا سيما في مرحلة المراهقة، وإياك والدعاء عليهم، بل ألحَّ على الله بالدعاء لهم بالصلاح والاستقامة.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أبر الناس بوالدينا ومن أتقاهم ومن أحسنهم خلقا بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم يا ذا الجلال و الإكرام يا حي يا قيوم ندعوك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سؤلت به أعطيت: أن تبسط على والدينا من بركاتك ورحمتك ورزقك وان تلبسهما العافية حتى يهنئا بالمعيشة .. واختم لهما بالمغفرة حتى لا تضرهما الذنوب .اللهم اكفهما كل هول حتى تُبَلِّغْهما الجنة برحمتك يا ارحم الراحمين..
اللهم لا تجعل لهما ذنبا إلا غفرته .. ولا هما إلا فرجته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولهما فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها لهما .اللهم ولا تجعل لهما حاجة عند أحد غيرك.. وأقر أعينهما بما يتمنياه لنا في الدنيا..
اللهم اجعل أوقاتهما بذكرك معمورة وأسعدهما بتقواك واجعلهما في ضمانك وأمانك وإحسانك.. وارزقهما عيشا قاراً, ورزقا داراً, وعملا باراً..
اللهم ارزقهما الجنة وما يقربهما إليها من قول او عمل.. وباعد بينهما وبين النار وبين ما يقربهما إليها من قول أو عمل
اللهم اغفر لهما جميع ما مضى من ذنوبهما واعصمهما فيما بقي من عمرهما .. و ارزقهما عملا صالحاً ترضى به عنهما..وتقبل توبتهما .. وأجب دعوتهما..اللهم إنا نعوذ بك أن تردهما إلى أرذل العمر..اللهم واختم بالحسنات أعمالهما..
اللهم وأعنا على برهما حتى يرضيا عنا فترضى عنا .. وأعنا على الإحسان إليهما في كبرهما..اللهم ولا تتوافهما إلا وهما راضيان عنا تمام الرضى.. اللهم و اعنا على خدمتهما كما ينبغي لهما علينا.. اللهم اجعلنا بارين طائعين لهما..
اللهم ارزقنا رضاهما ونعوذ بك من عقوقهما.. اللهم اغفر لهما مغفرةً جامعةً تمحو بها سالف أوزارهما وسيء إصرارهما.. وارحمهما رحمةً تنير بها لهما قبورهما .. وتؤمنهما بها يوم الفزع عند نشورهما .. اللهم أرحمهما في ضعفهما كما كانوا رحماء على ضعفنا .. واعطف عليهما كما كانوا علينا في حال صغرنا يعطفون .. اللهم انظر إليهما بعين الرحمة كما كانوا لنا ناظرين واغفر لهما ما ضيعوا من حق ربوبيتك بما اشتغلوا به في حق تربيتنا ..وتجاوز عنهما فيما قصروا فيه من حق خدمتك بما اشتغلوا به في حق خدمتنا ..واعف عنهما ما ارتكبوا من الشبهات من أجل ما اكتسبوا من أجلنا.
اللهم وكما سررتهما بنا في الحياة .. فسرهما بنا بعد الوفاة .. اللهم ولا تبلغهما من أخبارنا ما يسوءهما .. ولا تحملهما من أوزارنا ما ينوءهما ..
اللهم اجعل أمي وأبي من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بلا حساب وبلا عذاب.
اللهم انك كريم عفو تحب العفو فاعفو عن والداي. اللهم اجعل أمـَي ممن تقول لها النار : أعبري فإن نورك أطفا نــاري وتقول لها الجنة أقبلي فقد اشتقت إليك قبل ان أراك اللهم امين اللهم اجعلهما في ضمانك وأمانك وإحسانك
اللهم اجعل آبي سيدا من أسياد الجنة واجعل الحوض موردا له والرسول شافعا له واجعل ظلك ظلا له والسندس لباسا له اللهم آمين اللهم إ ن أبي قد أحسن إلي منذ ويوم ولادتي حتى يوم فراقه…. اللهم بحق هذا الإحسان ارحمه واغفر له وادخله الجنة برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم إنك وصيتنا ببرهما وندبتنا إلى شكرهما.. وأنت أولى بالبر من البارين..وأحق بالوصل من المأمورين..اللهم اجعلنا لهما قرة أعين يوم يقوم الأشهاد .. وأسمعهما منا أطيب النداء يوم التناد ..واجعلهما بنا من أغبط الآباء بالأولاد.. حتى تجمعنا وإياهم والمسلمين جميعا في دار كرامتك ..ومستقر رحمتك.. مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ..
وصلوا وسلموا على النبي المجتبى ورسول الهدى محمد، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه وتعالى- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْـــــــهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْـدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَــةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَـــــلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا اللهــم وفق وانصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس لما تحـــب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى،اللهم انصر من نصره واخذل من خذله واحفظه في ولي عهده الأمير مولاي الحسن وأنبته نباتا حسنا وشد أزره بأخيه المولى الرشيد وباقي الأسرة العلوية الشريفة.
اللهمّ لا تحرمنا سعة رحمتك، وسبوغ نعمتك، وشمول عافيتك، وجزيل عطائك، ولا تجازنيا بقبيح عملينا ولا تصرف وجهك الكريم عنّا برحمتك يا أرحم الرّاحمين .
اللهمّ لا تحرمني ونحن ندعوك، ولا تخيّبنيا ونحن نرجوك. اللهمّ إنا نسألك يا فارج الهمّ ويا كاشف الغم، يا مجيب دعوة المضطرّين، يا رحمن الدّنيا ويا رحيم الآخرة، ارحمنا برحمتك يا أرحم الرّاحمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.