مقاصد الصيام

الحمد لله الكريم المنَّان، أحمدُه – سبحانه – مُجزِل العطايا قديمُ الإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له منَّ على عباده بصيام وقيام رمضان،

وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ من صلَّى وصام وقام لعبادة ربِّه الملك الديَّان، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ.
أما بعد، عباد الله:
إن المسلم لَيذكُرُ وهو يستقبلُ شهرَ رمضان بالفرحة الغامِرة والأمل في اغتِنام فُرصَته، بالظَّفر بأوفَر المكاسِب، والحَظوة بأعلى الدرجات في روضات الجنَّات، لدى ربِّ الأرض والسماوات.
إنه لَيذكُرُ مع ذلك أن الصوم كسائر العبادات التي كتبَها الله على عباده فريضة ذات أهدافٍ رفيعةٍ، ومقاصِد سامِية، تستشرِفُ لبلوغها النفوسُ المؤمنة، والقلوبُ المُطمئنَّة؛ رغبةً في نوال، وتطلُّعًا لعظيم أجرٍ، وجميلِ موعودٍ وعدَ الله به الصائمين المُحسِنين.
ولا ريبَ أن شهرًا كاملاً يسلُكُ العبدُ فيه أقومَ المسالِك، وأرفعَ مناهِج الطُّهر، سوف يكون له أقوى تأثيرٍ وأبقاه؛ بحيث يمضِي على دربِه بعد انقِضاء شهر الصيام؛ إذ يُصبِح هذا المنهجُ الرشيدُ عادةً لازِمةً له.
أيها الإخوة الكرام:كلما هل علينا هلال رمضان الكريم إلا ووجب علينا أن نتساءل مع أنفسنا سؤالا في غاية الأهمية ألا وهو لماذا نصوم ؟
أو بمعنى آخر ما هي مقاصد الصيام ؟
ولكن وقبل الشروع في هذا الموضوع أقول لنفسي وللحاضرين ولكل المسلمين، كونوا ربانيين ولا تكونوا رمضانيين، أي لا تكونوا من الذين يعبدون الله في شهر رمضان ثم يرجعون القهقرة، واحذروا التفريط في هذا الشهر العظيم، فأيامه معدودة، وساعاته محدودة، ولا تكن أخي المسلم الكريم من الذين جعلوا رمضان موسماً للهو واللعب والعصيان، فرمضان مضمار الصالحين يتسابقون فيه في فعل الخيرات وكسب الحسنات
أيها الإخوة: خطبة اليوم عنوانها مقاصد الصيام، لأنه من المعلوم بداهة أن العبادات شرعت لأغراض وأهداف ومقاصد معينة، وهو ما بينه القرآن في شأن كثير من العبادات خاصة الأركان منها، وإدراك هذه المقاصد له أهمية كبيرة خاصة في أداء العبادات، حيث يعرف المرءُ مستوى العبادة التي يقوم بها.
والمتأمل في عبادتنا عموما يجد أنها بعيدة كل البعد عن المقاصد التي وضعت من أجلها، مما جعل هذه العبادة ضعيفة الأثر في حياة الناس على مستوى العقيدة والأخلاق والسلوك والمعاملة، وهذا يقتضي منا أن نقف مع كل عبادة ومقاصدها التي وضعت من أجلها، حتى نؤديها وفق هذه المقاصد، وهذا ما سنحاول أن نفعله مع الصيام، حتى يمكننا أن نؤدي الصيام وفق مقاصده المحددة له، إذا عدنا إلى القرآن الكريم وجدناه يحدد بكل وضوح الغرض والمقصد من صيام رمضان، ألا وهو تحقيق التقوى، كما دل على ذلك قوله تعالى: كتب عليكم الصيام….وهذا المقصد الكبير من الصيام تندرج تحته مقاصد تفصيلية لازمة له، وإذا اجتمعت وتحققت فإنها توصل صاحبها إلى التقوى وغفران الذنوب لا محا له، وإن تعطلت لم تتحقق التقوى، فلنقف مع مقاصد الصيام التي أرادها الله سبحانه وتعالى، والتي توصل العبد إلى درجة التقـوى.
فمن مقاصد صيام رمضان تجديد التوبة، إن حاجة الإنسان إلى التوبة المتجددة حاجة ضرورية، وذلك بحكم طبيعته البشرية الخطاءة كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فمن أهم مقاصد الصيام أنه جاء ليكسب العبد هذه الصفة العظيمة التي يحتاجها في مسيرة حياته المملوءة بالأخطاء والتعثرات، فرمضان شهر ليس فقط ليتوب فيه العبد، وإنما شهر يتدرب فيه العبد على اكتساب صفة التواب، قال القرطبي رحمه الله:سمي رمضان برمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة، وإذا كانت التوبة المطلوب منها مغفرة الذنوب كما صرح بذلك القرآن الكريم: يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيآتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار.فإن رمضان جُعل لهذا الغرض بالذات، كما يتبين ذلك من خلال مجموعة من الأحاديث: منها: قوله صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان.. ومن قام رمضان… ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، فربْط هذه الأعمال الكثيرة والمتكررة خلال الشهر بكامله بالمغفرة من الذنوب، القصد منه أن يشعر العبد بأنه مذنب، وأنه يحتاج إلى مغفرة–أي توبة مستمرة، وهذا التكرار اليومي من شأنه أن يربي العبد على صفة الإنابة المتجددة والتوبة المستمرة، حتى إذا خرج رمضان خرج بشحنة إيمانية، وكانت التوبة ملازمة له، فيكون الصائم من التوابين، ولكن عدم إدراك كثير من الناس لهذا البعد في رمضان جعل الكثير منهم يحصر التوبة في مجال رمضان فقط، فإذا خرج الشهر رجع العبد إلى أحواله السابقة، وغفل عن التوبة المستمرة، فيترك الفرائض والسنن والواجبات، ويرتكب المنهيات، ويفعل المحرمات والموبقات، فيهدم كل ما فعله في رمضان من الخيرات والقربات والمبرات.
ومن مقاصد الصيام تقوية الإرادة، وذلك من خلال ثلاثة أمور:
أولها كفه عن الشهوات والملذات وعن المعاصي طيلة شهر بكامله، فلا شك أن العبد في هذه المدة، مدة شهر يتروض على ترك نزوات النفس، ويتعلم كيف يزكيها ويربيها على فعل الخير
ثانيها: حثه على الإجتهاد في الطاعات وفعل الخيرات
ثالثها: توافرالأجواء الإيمانية والنفحات الربانية التي تميزرمضان عن باقي الشهورالأخرى، بحيث يجد المرء نفسه ذو إرادة قوية، فبقدر ما تتقوَّى إرادة الإنسان بقدر ما ينقاد للعمل الصالح والعكس بالعكس، قال تعالى:ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، وقال صلى الله عليه وسلم: التقوى هاهنا، ويشير إلى قلبه
وهذا مقصد أساسي من مقاصد رمضان يوجب على كل مسلم أن يحرص على تحقيقه في نفسه، وأن يسعى جاهدا لتقوية إرادته وهمته خلال هذا الشهر، ليقطع بها الطريق خلال سنته إن كتب له البقاء.

اتقاء المعاصي
ومن مقاصد الصيام، اتقاء المعاصي، وكف النفس عن الهوى، وطهارة القلب من الغل والحقد والحسد والبغضاء، لقوله تعالى: ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، فمن المعلوم بداهة أن من معاني التقوى اجتناب المعاصي، ورمضان شرع صيامه ليربي العبد على الابتعاد عن المعاصي جملة وتفصيلا، وعلى طهارة القلب من سوء الأخلاق تحديدا، ويتجلى هذا في عدة أمور منها:
أن رمضان يعود العبد الصائم على ترك شهواته المباحة ومألوفاته طيلة شهر، وذلك حتى يكون على ترك الشهوات المحرمة عليه أقدر،
ثانيا:أن حقيقة الصيام تقتضي ترك المعاصي كلها، وهوصيام الجوارح من سمع وبصر ولسان، وهذا ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، وقد تضافرت أقوال الصحابة في هذا المعنى ، عن جابربن عبد الله رضي الله عنه قال: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء، وقال مجاهد: خصلتان من حفظهما يسلم له صومه، الغيبة والكذب، وقال أبوا العالية: الصائم في عبادة ما لم يغتب أحدا، وقال أنس رضي الله عنه: ما صام من ظل يأكل لحوم الناس، والكذب يفطر الصائم، ومن لم يصم بجوارحه عن الكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم والقذف واللعن والنظر بالشهوة والصخب فصومه منخور والأجر مبتور، مصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:رب قائم حظه من القيام السهر ورب صائم حظه من الصيام الجوع والعطش، هذه إخوة الإيمان جملة من المقاصد جاء الصيام لتحقيقها، فإذا تحققت تحقق الغرض الأكبر ألاَوَهُوَ التقوى، وإذا لم تتحقق كان صيام شهر رمضان مجرد الجوع والعطش، والسهر بالليل، والحرمان من إتيان الشهوة.

تقويم الأخلاق
ومن مقاصد الصيام تقويم الأخلاق، فلما كان الإسلام دينا يعتني بالأخلاق اعتناء بالغا كما يتجلى ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، جُعل شهر رمضان فرصة لتربية النفس على الأخلاق الفاضلة وتجنيبها الأخلاق الفاسدة، ويتجلى ذلك في حقيقة الصوم نفسه وهو أن يصوم العبد عن كل ما لا يليق وأن تحكمه أخلاق التقوى وهو ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه وفي قوله صلى الله عليه وسلم:وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم (رواهما البخاري وغيره)فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم الصائمَ عن كل أخلاق مذمومة لأنها تتنافى مع حقيقة الصيام وهي: الرفث أى الكلام الفحش– والجهل والصخب أى الصياح والشتم بمعنى أن الصائم يجب أن يكون ذو أخلاق عالية، وهي أخلاق التقوى من كظم الغيظ وضبط النفس والعفو عن الناس والإحسان إليهم فإذا كان الصيام ينهى صاحبه عن مجرد الصياح فإنه يريد من الصائم أن يُرى صافياً ساكناً أليفاً تعلوه مهابة الطاعة وتحكمه أخلاق التقوى، ولكن للأسف أن كثيرا من الناس ممن لا يدركون حقيقة الصيام وأبعاده، والذين حصروا الصيام في الجوع والعطش وترك الجماع، نرى أخلاقهم تفسد في رمضان أكثر من غيره بحجة أنهم صائمون، فتراهم يصيحون بأعلى الأصوات ويسبون ويشتمون بل ويلعنون الدين والملة! ويتكلمون بالكلام الفاحش ويغضبون لأقل الأسباب بل ويثورون فتجدهم يلعنون رمضان أو يشتكون من وجوده وطبيعته وكأنهم يلقون باللوم عليه!إن هؤلاء لم يفقهوا حقيقة رمضان بل ولا حقيقة الإسلام، ولم ولن ينتفعوا به أبدا ما داموا على هذا الحال والله المستعان.
ومن مقاصد الصيام إخلاص النية لله، واستحضار المراقبة، أنه يربي العبد على الإخلاص الذي يعتبر أساس قبول الأعمال كما قال تعالى:وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين، ويتجلى ذلك في أمرين:الأول:مطالبة العبد بالنية في رمضان وهو شرط أساسي للصيام، وأن هذه النية ينبغي تجديدها كلما أفطر الصائم بموجب شرعي كالحائض والمسافر أو المريض فإذا استأنف أحدُهم الصيامَ ينبغي له أن يجدد النية وذلك قبل طلوع الفجر لقوله صلى الله عليه وسلم:من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له (حسنه السيوطي) فتجديد النية قبل الشروع في الصيام فائدته أن يعود العبد نفسه على هذه الصفة في كل عمل يريد أن يقوم به حيث يقدم النية الخالصة لله تعالى وذلك ليَكسب الأجر والثواب وإلا ضيع عمله، الثاني:الحديث القدسي:كل عمل ابن آدم له حد في الجزاء إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، وقد فسر كثير من العلماء قوله تعالى إلا الصوم فإنه لي، على أنه عبادة قلما يدخلها الرياء لأن المرء يصوم ولا يطلع عليه إلا مولاه ويبين هذا المعنى ويؤكده قوله تعالى في بقية الحديث (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) أي أن الصائم يقوم بهذه العبادة لوجه الله تعالى مستحضرا مراقبته إذ لا أحد يطلع عليه لو أراد أن يأكل ويشرب، فأساس امتناعه عن الأكل والشرب ومنبعه مراقبته الله سبحانه وتعالى، وعلى المرء أن يتعلم من هذا الدرس الرمضاني استحضار مراقبة الله في سائر أعماله كما استحضرها في شأن الصيام، وذلك مقصد آخر يرتبط بالنية وهو مراقبة الله تعالى، ولكن كثيرا من النا س لا ينتفعون من رمضان في شأن هذا الركن ولا يعطون لهذا الجانب حقه من المجاهدة فيخرج رمضان والرياء غالب على أعمالهم والغفلة تطبع أحوالهم والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن مقاصد الصيام التسلح بالصبر فمن الصفات الهامة التي يحققها صيام رمضان صفة الصبر، والصبر حبس النفس، وهي صفة ضرورية لأداء العبادات، وضرورية لاجتناب المنكرات والمحرمات، وضرورية عند نزول المصائب والنكبات، بل الدين كله إما صبر على الطاعة، أو صبر عن المعصية، أو صبر عن الجزع من أقدار الله المؤلمة، وكل هذه الثلاثة تجتمع في الصيام الذي أوجبه الله على المؤمنين في شهر رمضان، ففيه حبس النفس على طاعة الله بالصيام، وحبسها عما حرم الله على الصائم في أثناء الصيام من الشهوات، وحبسها عن الجزع مما تلاقي في الصيام من الجوع والعطش وضعف النفس والبدن، وقد مدح الله الصبر في كتابه العزيز ووعد الصابرين بالأجر الكبير والثواب الجزيل بغير حساب فقال تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وصفة من هذا القبيل تتطلب من كل مسلم أن يتربى عليها وأن يحرص كل الحرص على اكتسابها، وشهر رمضان فرصة كبيرة لتحقيق هذا الغرض، لأنه يتمثل فيه الصبر بأقسامه الثلاثة، ولهذا سماه الرسول صلى الله عليه وسلم شهر الصبر، حيث يصبر فيه المسلم على الصيام، بل وعلى الاجتهاد في كل الطاعات من صلاة وقيام وذكر وتلاوة ودعاء ونفقة، وعلى ترك كل الشهوات والمنكرات، ولما كان رمضان يحقق الصبر اشتركا معا في الأجر والثواب المفتوح: فقال تعالى عن الصيام: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، كما لم يحدد الله ثواب الصوم لم يحدد ثواب الصبرفقال سبحانه وتعالى عن الصبر: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
ومن مقاصد الصيام التدريب على الطاعات، لقد جعل الله سبحانه وتعالى شهر رمضان محطة يدرب الإنسان فيها نفسه على الطاعات، ولهذا فتح الله تعالى أمامه أبواب الاجتهاد في كثير من الطاعات المختلفة من صلاة وقيام وتلاوة وذكر واعتكاف وجود وإحسان وجهاد… وذلك حتى يستقيم عليها العبد بعد رمضان، وذلك هو المقصود كما كان هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث الاستمرار في هذه العبادات كلها دون أن ينقطع أو يترك جلها أو بعضها ، ولكن عدم إدراك كثير من الناس لهذا الغرض والمقصد من صيام رمضان جعل الكثير منهم يجتهد في رمضان فقط، حتى إذا خرج رمضان منهم من ينقلب على عقبيه فيرتكب المعاصي والكبائر والذنوب والموبقات ويترك الواجبات والأركان والطاعات وكل القربات والمبرات أو بعضها، ومنهم من يقصرفي الطاعات ويتهاون فيها مع السقوط في المعاصي وهذا ما يتنافى مع الغرض من رمضان، ألا وهو تحقيق التقوى المطلوبة في كل حين لقوله صلى الله عليه وسلم:اتق الله حيث ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن، أيها الإخوة الكرام: هذه جملة من المقاصد جاء الصيام لتحقيقها، فإذا تحققت تحقق المطلـــوب وتحقق الغرض الأكبر من الصيام ألا وهو التقوى، وإذا لم يتحقق كان صيام رمضان مجرد الجوع والعطش والحرمان من إتيان الشهوة الجنسية والسهر بالليل، وفقنا الله جميعا لما فيــــــه الخير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحســــان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

الخطبة الثانية:
الحمد لله معين الصابرين، ومجزل العطاء للعابدين، أحمده سبحانه، وأشكره على ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، اتقوه حق تقاته، وامتثلوا أوامره، وانتهوا عن نواهيه.
واعلموا -رحمكم الله- أن للصوم آدابًا، منها: كفُّ النظر عن الحرام، وحفظ اللسان عن الآثام، والإفطار على الحلال، وأن يعجِّل فطره ويؤخِّر سحورَه، وأن يكون الفطر على رُطب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، ويقول إذا أفطر: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وعليك توكلت، اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي، وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا كان أحدكم صائمًا فلا يجهل ولا يرفث، فإن امرؤ قاتله أو شتمه فليقل: إني صائم”.
فاحفظوا -رحمكم الله- صيامكم، وأخلصوا نياتكم وأعمالكم.
وصلوا وسلموا على النبي المجتبى ورسول الهدى محمد، فقد أمركم الله بذلك فقال -سبحانه وتعالى- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْـــــــدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا اللهم وفق وانصر ملك البلاد أمير المومنين محمد السادس لما تحـــــب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، واحفظه في ولي عهده وشد أزره بأخيه وأسرته وشعبه .
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحســــن عبادتك واجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه..
اللهُمَّ إنّا دعوناكَ فاسْتَجِبْ لنا دُعاءنا فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وتوفّنا وأنت راضٍ عنّا، اللهمَّ من أحييته منّا فأحيهِ على الإسلام ومن توفّيتهُ منّا فتوفَّهُ على كاملِ الِإيْمان، اللهمّ لا تدعْ لنا في يومنا هذا ذنّبًا إلا غفرته ولا مريضًا إلا شفيته يا أرحم الرّاحمين، يا أرحم الرّاحمين، يا أرحم الرّاحمين، استُر عوراتنا وءامن روعاتنا واجعلنا من عبادك الصّالحين، اللهُمَّ اجعلنا من عبادك المتخلقين بأخلاق نبيك المصطفى وشمائله العظيمة. اللهُمَّ أكرمنا برؤية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم في المنام وشفِّعه فينا، اللهُمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنَّك سميع قريبٌ مجيب الدعوات.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *