مداخلة عبد القادر امباكي، ممثل الطريقة المريدية بالسينغال
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين سيدنا محمد الأمين وعلى اله وصحبه أجمعين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
– أصحاب الفضيلة و المعالي.
– السادة و السيدات .
أيها الحضور الكريم،
إن المجتمع السنغالي يتميز بارتباطه القديم بالدين الإسلامي إذ تبلغ فيه نصفه المسلمون 96 والمذهب الفقهي المتبع فيه هو المذهب المالكي.والعقيدة الاشعرية هي المعتمدة لدى الأغلبية الساحقة ويوجد لدى القليل الذين تعلموا في المشرق العربي وتأثروا ببعض المذاهب المنتشرة هناك غير أن هؤلاء ليس لهم تأثير كبير في أوساط المجتمع السنيغالي لارتباط هذا الأخير بالمذهب المالكي وبالطرق الصوفية التي تمثل الخاصية الأساسية للحياة الدينية في المجتمع السنغالي و هي متعددة غير أن أهمها الطريقة المريدية و التجانية و القادرية ، نظرا لاتحاد هذه الطرق في الأصول و في المبادئ ، فاني أرجو أن تسمحوا لي بالتحدث عن الطريقة المريدية كنموذج للحديث على الطرق الصوفية في السنغال ، لأنها بحكم تأخرها في النشأة تضم مبادئ جميع الطرق الصوفية التي سبقتها في الميدان ، وسيستخدم فيها جميع الأوراد.
بل إن مؤسس الطريقة نفسه قد مارس شخصيا الأوراد الثلاثة : التيجاني ، القادري و الشاذلي، يقول في كتابه مسالك الجيران :
فكل ورد يريد المريد لحضرة الله و لن يحد
سواء انتمى إلى الجيلالي أم انتمى إلى أحمد التيجاني
أو ليسوا هما من الأقطاب فكلهم قطعا على الصواب
وهذا و تعتبر الطريقة المريدية مع الطريقة القادرية في مقدمة الطرق الصوفية في السنغال ،ثم سأتحدث عن الطرق الأخرى مع التركيز على خصائص كل طريقة ثم أصل إلى المحور الأخير حيث سأتحدث عن علاقات هذه الطرق بالمملكة المغربية.
-الطريقة المريدية :
التعريف بها:عادة ما تناسب الطرق الصوفية إلى مؤسسها غير أن الشيخ أحمد بامبا فضل أن تنسب طريقته إلى الله ، لأنها تضم أفرادا يريدون وجه الله خالصة ، و تجردوا عن إرادتهم خضوعا منهم لإرادة الله . وبناءا على هذه الصفة ، أصبح كل من لب دعوته و انهج نهجه سمي مريد الله، هكذا سميت طريقته بالطريقة المريدية.
قال الشيخ بالتعريف بالمريد:وصف المريد تركه الإرادة لوجه من يفعل ما أراده، إذ المريد لا يريد أبدا، سوى رضى الرحمن حيث قصد، و قال أيضا: من لم يرد شيء سوى مولاه يصل له وخيره أولاه”.
و مؤسس هذه الطريقة هو أحمد بن محمد ابن حبيب الله ابن محمد الخير ابن حبيب ، و ينتمي نسبه إلى الحسن بن علي ، و اشتهرفي السينغال بلقب ، خادم الرسول ، ولد عام 1270ه ، بقرية ماكدون ، بدء تعلم القران الكريم على يد والده الذي كان عالما و قاضيا لأمير بلاده ، فحفظه مبكرا ، وأخذ عنه التجربة و علم القراءات ثم برع في علوم القران و الحديث و الفقه على المذاهب الأربعة و أصوله و التصوف السني و البلاغة و المنطق وسائل العلوم الدينية .
وشرع في تأليف الكتب في الفقه المالكي، ألف كتابا شهيرا يسمى الجوهر النفيس، نظم فيم مثل العلامة الشيخ عبد الرحمن ألأخضري ثم في فن التوحيد، نظم مقدمة السنوسي عمر ابراهيم فسماه “مواهب القدوس” كما ألف في التصوف تواليف عدة منها: “مغاليق النيران” وكتابه “مسالك الجيران” الذي لخص فيه إحياء لعلوم الدين لأبي حميد الغزالي، أما ما ألفه في مدح الرسول وفي الثناء على الله فمن الصعب حصره لكثرته.
تصوفه رضي الله عنه ، لقد بدأ دعوته الصوفية في إطار محدود لا يتجاوز أقربائه وتلميذته، اللذين التفوا حوله بغرض تعلم الأمور الدينية واللغة العربية وما يتعلق بها، غير أن صيته انتشر في أوساط المجتمع السنغالي بشكل سريع لما كان يتصف به من صفات القائد الروحي الذي سخر حياته كلها في طاعة الله ورسوله، ورفع كلمة الحق وإقامة العدالة وتوحيد صفوف المسلمين، ودعوتهم إلى نبذ الخرافات والبدع والشعوذة، بدأ الناس يتهافتون عليه كالجراد المنتشر فجعل يربهم على عبادة الله وتوحيده وإتباع سنة نبيه الكريم صل الله عليه وسلم، ولهذا السبب تعرض له الاستعمار الفرنسي البغيض لعرقلة سيره، كما هو شأنه مع الصوفيين الحقيقيين، فقرر المجلس الخاص الاستعماري في 05 سبتمبر 1895 نفي الشيخ أحمد بامبا خادم الرسول إلى الغابون، فقضى فيها تقريبا ثمان سنوات دون أن يمسه أي ضرر ثم قررت السلطات الاستعمارية إعادته إلى وطنه غير أن الشيخ بعد عودته استمر في ما كان عليه قبل النفي، فازداد إقبال الناس إليه من كل جهة، فتضاعفت شكوك الفرنسيين به فاتهموه بالتدبير للجهاد المسلح فالقي عليه القبض بعد ثلاثة أشهر من عودته، فنفي من جديد إلى موريتانيا حيث تلقى ورد طريقته الذي يسمى يونس المأخوذ إلى الله بواسطة رسوله.
أقام في موريتانيا سنوات، ثم أدنت له السلطات الاستعمارية بالعودة إلى بلاده، حيث ظل تحت الإقامة الجبرية إلى أن ينتقل إلى جوار ربه سنة 1927م بمدينة جورغل فنقل إلى مدينة طوبة حيث يوجد ضريحه الآن.
و تحدث شخصيا عن الأسباب التي دفعت السلطات في الأبيات التالية:
يا جملة قد فلتوا بضلالهم من لم يكن له ولد أو والد
أخرجتموني ناطقين بأنني عبد الإله وأنني مجاهد
وظننتم أن المدافع عندنا والكل منكم دو قلا ويحاسب
ومقالكم حق فاني عبده و خدم عبد الله وهو الحامد
ومقالكم أني أجاهد صادق أني لوجه الله جل أجاهد
أني أجاهد بالغلو وبالت عبدا خديما والمهيمن شاهد
إني له عبد خذيم للنبي وهو المقدم والشفيع ساجد
في هذه الظروف الصعبة انشأ الشيخ طريقته المريدية التي أقامها على الأسس التالية:
العلم والإيمان بالله، وعبادة الله بسنة رسوله، والعمل من اجل الكسب الحلال، وحسن الأدب والأخلاق، والتعلق بشيخ له الأهلية. لقد تحدث بالتفصيل عن كل هذه المبادئ في كتابه ” مفاتح الجنان ومغاليق النيران” نورد منه الأبيات التالية:
فسارعوا للعلم أجمعين لوجه ذي الجلال قاصدين
ومن نهاكم عن التعلم فهو خليفة اللعين ألمجرمي
أول واجب علة المريد تحصيل زاده من التوحيد
قبل انشغاله بالانفراد بالذكر وحده و بالجهاد
منتهجا مذهب أهل السنة مع الجماعة وتلك الجلة
إذ ظلمات بدغة اعتقاد تكف أنوار أتباع الهادي
وبعده تحصيل ما يصحح به فروض العين فيما صرحوا
كالطهروالصيام والصلاة وجع بيت الله و الزكاة
وبعده يسلك إن رام الوصول على يدي مكمل يقفوا الرسول
يقوده بالعلم والعبادة كما يربيه بترك العادة
فمن تعلق بواصل وصل ومن تعلق بعكسه انفصل
تأدبوا في علن وسر مع العلى وخلقه بالبر
فلترجم الكبار جملة الصغار ولتكرم الصغار جملة الكبار.
وكما خصص من الناحية النظرية مؤلفات عدة لتوعية المربين بكل هذه المبادئ ليفهموها ويطبقوها في حياتهم، كذلك من الناحية التطبيقية انشأ مدينة في السنغال تسمى مدينة “طوبى” تضم حوالي مليوني نسمة، وهي تحتل حاليا المرتبة الثانية في السنغال بعد العاصمة “دكار” وتحتضن هذه المدينة أكبر مناسبة دينية في السنغال، وهي مناسبة الاحتفاء بذكرى خروج الشيخ أحمد مامبا خادم الرسول إلى المنفى ويحضر هذه المناسبة سنويا حوالي 4 ملايين من داخل البلاد وخارجها، وسبب أنشاء هذه المدينة يعود إلى أمر واحد، وهو تكوين بيئة صالحة وظروف مشبعة لتطبيق معالم الدين الإسلامي وذلك تحقق بالفعل، لأن المدينة على كونها مدينة عصرية فهي تحتفظ إلى الآن بالخاصية الإسلامية فلا يدخن فيها ولا يباع فيها السجائر ولا الخمر والتعلم فيها ديني وعربي 100% ويوجد فيها اكبر مسجد على الإطلاق وفي داخلها 400 مسجدا ثلتها تقام فيها صلاة الجمعة وانصر فيها روح التعاون بين سكانها كل هذا تطبيقا لتعالم الشيخ القديم التي تنصب في إصلاح التجارة الاجتماعية والدينية.
سأقدم البحث إلى اللجنة وسأنتقل إلى المحور الأخير باختصار، وهو يهم العلاقات الطرق الصوفية بالسنغال بالمملكة المغربية.وبعد عرض سريع للطريقة التجانية في السنغال ومبادئها، وأهم شخصياتها كذلك كما فعلت مع المريدية، والطريقة القادرية و أهم الزوايا القادرية.
و أهم الزوايا القادرية والتيجانية في السينغال ، أصل إلى المحور الأخير لكسب الوقت و هو محور اللذي يهم الحديث على العلاقات بين هذه الطرق الصوفية و المملكة المغربية ، و قلت و بحكم كون المملكة المغربية واسطة بين المشرق الإسلامي و إفريقيا جنوب الصحراء ، فان لكل الحركات الإسلامية في غرب إفريقيا بما فيها كل الطرق الصوفية ، اتصال روحي أو فكري إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة سأتحدث باختصار عن مظاهر هذا الاتصال الروحي و الفكري فيما يلي:
فالنسبة للطريقة المريدية ، فتتجلى في مناهج التعليم ، فمن المعلوم أن مدينة طوبى التي تحدثنا عليها ألفا تحتفظ بالنظام العربي الديني بالدرجة الأولى ،فتوجد فيها مدارس متعددة تعتمد في التدريس على المناهج العصرية ،إلا أن النظام التقليدي الذي يعتمد في جزء كبير منه على منهج مغربي ظل قائما إلى الآن في مدينة طوبى و المدن المريدية التي في جوارها ، في إحدى هذه الدروس التي تعرف بالمجالس نسبة إلى مجالس العلماء ، وتقدم عادة في المساجد وفي دور العلماء و من الكتب المغربية التي تدرس الفقه المالكي و في النحو في هذه الحلقات ، مقدمة ابن الاجروم التي اشتهرت بالاجرومية في النحو ، و شرح المكودي على الألفية ،و” المرشد المعين ” لابن عاشر و أدرر اللوامع لابن بري التازي ، و”شرح الحكم العطائية ” للشيخ زروق الفاسي . و “المذخل” لابن الحاج ، و شروح المغربية للمدونة و غيرها من الكتب الفقهية ، كما أن كتاب دلائل الخيرات للإمام الجزولي المغربي له شهرة كبيرة في الأوساط المريدية و فيما يتعلق بالمدارس القرآنية ، التي انتشرت الى حد كبير بمدينة طوبى و ضواحيها ، نتيجة لعمل الموريدين بواسطة الشيخ .
أحمد مامبا خادم الرسول صلى الله عليه وسلم ، في تقديم تعلم القرآن الكريم قبل تعلم أي شيء ، فنلاحظ أنها تعتمد أساسا على رواية ورش، و معظم المصاحف تكتب بالخط المغربي المتميز بشكله و رسمه ونقطه وترتيب حروفه، كل دلك يعتمد فيه على النمط المغربي أما الطريقة التجانية ، فهي تشارك الم وريدية فيما سبق أن ذكرته، بالإضافة إلى أن مؤسسها عاش في المغرب و توفي فيه و من المغرب انطلقت الطريقة لتنتشر في بقية أنحاء العالم.
أما الطريقة القادرية فهي و إن نشأة في الشرق إلا أنها و صلت إلى إفريقيا و هي مصبوغة بصبغة مغربية ، ويتضح لنا جليا هدا الأمر إدا ما علمنا أن الشيوخ الكونتين الدين نشروها في السنغال لأسرتهم تربة في المغرب
وبناءا على ما تقدم نلاحظ أن جذور العلاقات التاريخية و الروحية و الفكرية التي تربط بين المملكة المغربية و السنغال، نادرا ما توجد مثلها في العلاقات الدولية ، وتكفي مبررا للمزيد من التعاون و الاندماج ، وخاصة في ظل الظروف التي يشهدها العالم الإسلامي من اختلافات فكري و نزاعات سياسية و إيديولوجية ، فإن عقد هده اللقاءات يعد أمرا في غاية الأهمية ، لما يمكن أن تصدر منها من نتائج إيجابية تساهم بجوانب مختلفة في حل مشاكل الأمة بصورة عامة ، ومشاكل التصوف بصورة خاصة. لأن أي متأمل يلاحظ أن التصوف يتعرض الآن لانتقادات و محاولات من جهات مختلفة لتشويه صورته من أجل و ضع حد لتطوره، فوجب على أهل التصوف أن يحدوا صفوفهم ويقفوا جنبا إلى جنب للدفاع عن الفكر الإسلامي الصوفي السني الذي برهن عبر التاريخ على انه أفضل منهج لتطبيق الإسلام السني الذي يقوم على أسس السلم والأخوة والمحبة وهو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تلاقاه من الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى: “بسم الله الرحمن الرحيم. ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حبيب” صدق الله العظيم.
وهو أيضا منهج أصحاب الرسول ومن جاء من بعد من الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيق ولا شك إنما تقوم به المملكة المغربية في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره من احتضان ودعم ومأزرة للإسلام ولطرق الصوفية في غرب إفريقيا أمر يستحق الإجلال والتعظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.