مداخلة د.أحمد بوجداد، رئيس شعبة القانون العام والعلوم السياسية بالرباط
السادة الحضور الكرام، مداخلتي تحت عنوان:” قضية الصحراء المغربية: الأبعاد الجديدة للدبلوماسية المغربية”، والكثير من الناس يخلط ما بين الدبلوماسية والسياسة الخارجية.
الدبلوماسية هي الآليات، وهي الأجهزة والإمكانيات التي توظف وتنفذ السياسة الخارجية لبلد من البلدان، فالدبلوماسية القوية يمكن أن تجعل البلد قويا وهو ضعيف، كما يمكن لدبلوماسية أن تكون ضعيفة وتضعف البلد والبلد قوي.
إذن الدبلوماسية، أصبحت هذا الجهاز الذي يوظف كل الإمكانيات الموضوعة الموجودة في بلد من البلدان رهن الإشارة والتطبيق، ونعرف جميعا بأن الدبلوماسية المغربية، كثر الحديث عنها خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية على الصعيد الدولي.
وأصبح تدبير هذا الملف على الصعيد الخارجي هو إحدى العوامل المتحكمة في مصير كثير من القضايا الدولية، ولهذا نلاحظ دائما في حديثنا عن الدبلوماسيات، أننا نصفها بأنها قوية وبأنها تتمتع بكفاءات عالية، وبأنه لا يمكن للدبلوماسية المغربية بالخصوص أن تجاريها.
الدبلوماسية المغربية كانت حكرا على المؤسسات، وكانت بالمقارنة مع دبلوماسية خصومنا ضعيفة، ودون المستوى، وكان بالإمكان أن تعكس القوة والإمكانيات التي يتوفر عليها هذا البلد.
إن الغرض من هذه المداخلة في الحقيقة هو دراسة ورصد المبادرة الملكية الأخيرة في إفريقيا، حيث تعتبر هذه المبادرة الأخيرة للملك محمد السادس، فتحا جديدا أو أسلوبا جديدا أو نموذجا يحتدى به في الدبلوماسية المغربية، لو كنا نتبين هذه المقاربة لهذه الدبلوماسية، أظن ماكان لخصومنا أن يحققوا ما حققوه، أو ينجزوا ما أنجزوه.
في هذه الزيارة الأخيرة لاحظنا ولأول مرة، زيارة دبلوماسية ملكية تجمع بين عدة أبعاد، تجمع مابين البعد الاقتصادي والبعد الأمني والاستراتيجي، والبعد الديني، وهو البعد الذي يهمنا لهذا لاحظنا أنه عبر كل الأزمات المغربية الإفريقية لعبت الزاوية والطرقية، دورا حاسما في تلاقي وتجاوز مجموعة من الأزمات خاصة الصراع أو النزاع بينها وبين السنغال، فقد لعبت فيه الزاوية التجانية دورا حاسما جدا، حيث استطاعت الدبلوماسية الدينية والصوفية أن تقوم به.
لاحظنا كذلك أن هذه الدبلوماسية الملكية أعطت نفسا جديدا للدبلوماسية المغربية، وأعطت درسا حتى للدول الإفريقية والدول العربية، وعلمتها كيف ينبغي أن تكون الدبلوماسية متكاملة ولتستطيع تحقيق ما لم يحقق.
عندما نعود إلى تاريخ العلاقات الخارجية المغربية، خاصة مع البلدان المجاورة، أو التي تنتمي إلى منطقتنا، نجد أن ما حدث ليس صدفة، بحيث عندما نقوم بإحصاء عدد الاتفاقيات التي أبرمها المغرب منذ 1956 م إلى الآن، نجد أن عدد الاتفاقيات التي أبرمت من 1956م إلى 1999م، ومن 1999م إلى 2014م، أي أن 45 سنة من العمل تعادل فترة العهد الجديد، بمعنى أن الزيادة التي حصلت في عدد الاتفاقيات، تعكس صورة العلاقات المغربية الإفريقية، وبأنها أصبحت ذات أهمية كبيرة جدا.
إذن نحن نريد أن نركز على الاستراتيجية الملكية في الدبلوماسية، حيث أعطاها هذه الأهمية الكبرى، وأعطاها دفعة جديدة، وأصبحت لها أهداف موسعة .
إذن قلت إننا أمام نموذج جديد في الدبلوماسية المغربية، هذه الدبلوماسية المغربية اعتمدت على عناصر أساسية، العنصر الأول، هو تبني المغرب للإسلام المعتدل، نجد جلالة الملك في خطاب إلى قمة إفريقية فرنسية في باريس يقول: بأن الحفاظ على السلم والاستقرار في المنطقة، رهين بصيانة الهوية الثقافية والحوزة الدينية التي مكنت شعوبها من العيش على تناغم على مدى قرون عديدة،…”.
كما نلاحظ كذلك أن مغرب الملك محمد السادس بالخصوص، تبنى إستراتيجية تعتمد على ثلاثة محطات:
• المحطة الأولى:ظهرت للمغرب دبلوماسية متميزة وهادفة، ويمكن أن نلاحظ هذا الأمر في التطورات الأخيرة، عندما نشب بيننا وبين موريتانيا خلاف أدى إلى قطع العلاقات مع طهران، حيث تأكد أن موريتانيا تساعد إيران في نشر مذهبها في المغرب إلى آخره، هذه كانت نقطة تحول نحو تحديد أهداف السياسة الدبلوماسية المغربية بكل وضوح.
المحطة الثانية: أن المغرب كان لا يتردد في التحالف مع أي قوة تناهض الإرهاب وتناهض التطرف، ولهدا لاحظنا أن المغرب انخرط في كل المحاولات الدولية، والأممية في هدا المجال، وكانت سابقة عندما قال الملك في خطابه بمناسبة تنصيب الرئيس المالي إبراهيم كيطا يوم 19 شتنبر ، بحيث إنه على غير العادة ، قال: بأنه يجب أن نواجه الإرهاب والتطرف نظرا لكونهما خطر خطير جدا، ويؤكده ما يقع في العالم، فهو بلاء كبير جدا.
• أما المحطة الثالثة فهي أن المغرب لا يتردد في أن ينخرط بقوته عمليا في أي مواجهة، وفي هذا الإطار نلاحظ كذلك إن اعتماد الدبلوماسية المغربية على الإسلام المعتدل دفع إلى إن يراجع المغرب سياسته ودبلوماسيته فيما يتعلق بدور الزوايا و الطرقية في هذا المجال، وبهذا الخصوص نلاحظ أن الزوايا والطرقية، أصبحت مؤسسات عصرية حديثة لا يقتصر دورها على مستوى واحد و معروف بل تتعدى مستواها وتتسع إلى مجال آخر .
إذن أصبح المغرب بكل وضوح، يعتبر نموذجا فريدا من نوعه فيما يتعلق بتدبير الحقل الديني، فالآن هناك العديد من البلدان الإفريقية والعربية تستعين وتطلب من المغرب أن يفيدها في تجربتها في مجال إعادة هيكلة الحقل الديني، وكذلك تجربة المغرب فيما يتعلق بتجربة الإنصاف والمصالحة، حيث تعتبر تجربة المغرب من بين 100 تجربة عالمية، أنها تجربة نموذجية وفريدة من نوعها وأعطت نتائج لم تكن متوقعة في البداية، وهناك كذلك تجربة الحكم الذاتي، هذه النقطة تعتبر ذات أهمية بالغة جدا .
نخلص إلى أن المغرب استطاع بدبلوماسيته الجديدة، وبهذه المبادرات الملكية الفريدة من نوعها المعقلنة الجامعة والشاملة، أن تحقق للمغرب فتحا لايمكن لكم أن تتصوروه .
إذن يمكن أن نقول بأن الدبلوماسية الملكية جمعت بين الأبعاد الثلاثة: البعد الاقتصادي، البعد الإستراتيجي والبعد الديني، وبهذا كنا نلاحظ أن الزيارة الملكية سنة 2013-2014 لكل من السنغال ومالي والكامرون والكابون ….، لاحظنا أنها كانت تجمع بين تدشين مشاريع اقتصادية، وبين تأمين الموقع الإستراتيجي للمغرب، وفي الوقت نفسه التأكيد على هذه الضوابط، وعلى هذا البعد الديني.
ما يهمنا في الخلاصة، وهذا شيء جديد، وكما لاحظنا ولاحظ عدد من المراقبين هو أن إمارة المؤمنين في المغرب ولأول مرة تمتد خارج التراب الوطني، وهذا ما لاحظناه في عدة دول هناك، كغنيا والسنغال و مالي ونيجريا ، وتونس مؤخرا تطلب من المغرب أن يكون لها أئمة دينيين، وهذا يعتبر إنجازا كبيرا جدا، بحيث لم يعد أمير المؤمنين يقتصر على المغرب وحده، بل أصبحت هذه الإمارة تتعدى هذا البلد إلى بلدان أخرى، وهو ما جعل الكثير من البلدان، حتى الدول الكبرى الحليفة تعترف وتقول بأن المغرب سيكتسب قوة كبيرة ومكانة كبيرة جدا بفضل إمارة المؤمنين، وستخوله هذه المكانة التدخل في أي مصير سياسي أو أي حل سياسي في هذه المنطقة
و السلام عليكم