مداخلة الدكتور هاشم أحمد الطيب الفاتح، أستاذ بجامعة أم درمان السودان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أشرف الأنام سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.
السيد والي صاحب الجلالة على جهة تادلة أزيلال الموقر.
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم ازيلال المحترم.
السادة رؤساء المجالس العلمية المحلية المحترمين.
السادة رؤساء المصالح الأمنية المحترمين.
السادة شيوخ وأعيان الصحراء المغربية الأفاضل.
مولاي إسماعيل بصير شيخ الطريقة البصيرية المحترم.
السادة الحضور كل باسمه ولقبه ومنصبه.
السلام عليكم ورحمة الله.
فيطيب لي المشاركة في هذا المحفل الدولي الذي تقيمه الطريقة البصيرية، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبتعاون مع شعبة القانون العام والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال جامعة محمد الخامس أكدال الرباط.
تحت عنوان: “انتفاضة سيدي محمد بصير تكريس للقيم الصوفية المغربية الصحراوية الأصيلة”.
الاتحاد المغاربي : المعيقات والتحديات.
أصبحت التجمعات الإقليمية والجهوية حقيقة ثابتة وسمة بارزة في القرن الواحد والعشرين، وباتت تشكل إحدى المظاهر الرئيسية في العلاقات الدولية، وذلك نظرا لاتساع رقعة المصالح المشتركة، وازدياد تداخل وترابط اقتصاديات دول العالم مع بعضها البعض، الأمر الذي جعل من الصعب على أية دولة مهما كانت مواردها الطبيعية والبشرية أن تدير سياساتها الاقتصادية بمعزل عن سياسات الدول الأخرى، خاصة الدول المتجاورة جغرافيا، فضلا عن عوامل أخرى سياسية وأمنية، بغية تسويق منتجاتها وتبادلاتها التجارية، مما يحتم عليها الانضمام إلى تكتلات اقتصادية وسياسية إقليمية لتحقيق تلك المصالح.
من هذا المنطلق يبرز إتحاد المغرب العربي كأداة من شأنها محاولة توحيد اقتصاديات دول المنطقة، وتبني التكامل فيما بينهما عن طريق الرؤية المشتركة للمستقبل النابعة عن المصير المشترك، نظرا لما تمثله منطقة المغرب العربي من موقع استراتيجي متميز على ساحل البحر الأبيض المتوسط (والمحيط الهادي)، حيث تعتبر جسرا بين أوروبا وإفريقيا والعالم العربي، فهي منطقة ذات أهمية جيدة إستراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بحيث تشكل دور المد والجزر على المستويين الاقتصادي والسياسي لبلدان المنطقة، وذلك لارتباطهما بالأمن القومي والسلام في العالم وانعكاساته على المنطقة وعلى المصالح الاقتصادية للدول العظمى.
هذه الأهمية الإستراتيجية لاتحاد المغرب العربي تستدعي الالتزام الدائم والطوعي بالعمل المشترك في جميع المجالات عن طريق:
أولا: تحقيق أهداف اقتصادية لكل بلد من بلدان اتحاد المغرب العربي بالتعاون والتنسيق، بغية الاستفادة من التفضيلات الجمركية والضريبية التي تساعد على الحركة التجارية الخارجية.
ثانيا: الاستفادة من المشاريع المشتركة في إطار التخصص في الموارد بين الدول الأعضاء في الاتحاد.
ثالثا: تسوية الخلافات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية والحوار الجاد بغية تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة.
رابعا: تدعيم دور الاتحاد في المحافل الدولية على المستويين العربي والإفريقي.
إلا أن هذه الرؤية المشتركة والطموحة قد تعثرت في مسارها، وعليه فإن هذه المداخلة سوف تحاول الوقوف على المعوقات التي تسببت في التعثر، وتعمل على طرح بعض الاقتراحات كسبل للخروج من هذا المأزق.
حيث يمكن إجمال تلك المعوقات في معوقات سياسية تتمثل في اختلاف الرؤى الوحدوية، وعدم إشراك المجتمع المدني، وأخرى قانونية تنصب على المعاهدة المنشئة للاتحاد وضرورة تحديث النصوص القانونية، وثالثة حول المعوقات الاقتصادية من مالية وتجارة بينية بين دول الاتحاد، والتحدي العلمي والتكنولوجي، وصولا في الأخير إلى طرح مقترحات بشأن تجاوز تلك المعوقات للوصول إلى تجسيد العمل المشترك المغاربي بغية إعادة بعث اتحاد المغرب العربي أمام تنامي التكتلات الاقتصادية والسياسية في محيطه المباشر في عالم جديد يسوده منطق المصالح المشتركة.
• المعوقات السياسية:
يمكن إجمال المعوقات السياسية التي تقف حجر عثرة في مسار اتحاد المغرب العربي في التالي:
أولا: اختلاف الرؤى الوحدوية، فقد طغى على المنطلقات الفكرية للاتحاد المغاربي منذ نشأته، حيث يتجاذبه تياران: الأول يدعو إلى الوحدة الاندماجية كمنطلق للوصول إلى تحقيق التجمع المغاربي، حيث كانت ليبيا المنادي الوحيد في منطقة المغرب العربي باتباع هذا التيار، فهي لا تتحمس لإمكانية تحقيق الوحدة على مراحل، أي ابتداء من التعاون الاقتصادي والتكامل على مستوى تنسيق المشاريع المشتركة وخطط التنمية ودعم التشاور الأمني والسياسي بهدف الاندماج التدرجي، وذلك على أساس أن الأحداث قد أثبتت أن هذه المراحل مهددة بالتوقف والجمود في أي وقت، ولذلك وجب التوجه منذ البداية “للوحدة الحقيقية” أي الوحدة الاندماجية، ولا مانع لديها من إتمام هذه الوحدة بين دولتين أو أكثر على أساس القول بأن تكتل من سبعة إلى ثمانية دول متحدة أفضل وأقوى من وجود أكثر من اثنين وعشرين دولة عربية مجزأة ومتفتتة.
أما التيار الثاني: فهو يرى أنه من الأفضل البدء بالعمل المغربي المشترك في مختلف المجالات، والذي يتدرج عبر مراحل: تهيئ الطريق لتحقيق اندماج دول المغرب العربي ووحدته، وهو تيار يغلب في منطقة المغرب العربي وتبناه اتحاد المغرب العربي.
وفي ظل ذلك نجد أن كل بلد من بلدان المغرب العربي، قد عمل على تدعيم اختباراته القطرية، وعلاقاته مع الاتحاد الأوروبي بدون أدنى تنسيق للمواقف، وفي هذا الإطار وقع تهميش المشروع المغاربي وتباعدت اللقاءات بين المسؤولين في البلدان المغاربية، هذا بالإضافة إلى الخوف من الاندماج في الكيان الجديد ” الاتحاد المغاربي” من فقدان هوية البلد، وهذا سببه الذاكرة التاريخية، حيث كانت إمبراطورية مغربية كبيرة بسطت نفوذها على جل المنطقة، وبالتالي محت الكيانات القطرية، هذا بالإضافة إلى التأثير الأجنبي الذي يغذي هذه المخاوف، ويدفع بالدول إلى الاستماتة في الدفاع عن قطريتها ولو كلفها ذلك أن تضحي بفكرة المشروع المغربي وفوائده.
• كانت قضية لوكربي من أهم القضايا التي انعكست على علاقات التعاون المغاربي سلبا في جوانبها الثنائية والجماعية، حيث عرقلت هذه القضية مسيرة اتحاد المغرب العربي، وقضت على انتعاش التعاون الثنائي بين هذه الدول، وكانت بمثابة الضربة القاضية على مناخ التعايش الذي بدأ يسود علاقات هذه الدول مع نهاية عقد الثمانينات.
فبعد إصدار القرار 747 في 21 مارس 1995م من قبل مجلس الأمن الذي قضى بفرض حظر جوي على ليبيا (إثر اتهام ليبيا بتفجير الطائرة الأمريكية فوق بلدة لوكربي باسكتلندا 1988م، واعتماد القرار 883 بتاريخ 11 نوفمبر 1992م القاضي بعقوبات جديدة على ليبيا، تم توسيع الحظر الجوي والعسكري والدبلوماسي عليها.
طالبت ليبيا الدول المغاربية بالوقوف إلى جانبها وعدم تطبيق قرارات مجلس الأمن مستندة إلى المادة 14 من معاهدة اتحاد المغرب العربي التي تنص على ” أن كل اعتداء تتعرض له دولة من الدول الأعضاء يعتبر اعتداء على الدول الأعضاء الأخرى”، إلا أن الدول المغاربية طبقت الحظر الجوي على ليبيا، ثم طالبت ليبيا مرة أخرى بالتضامن معها في مواجهة الدول الغربية، وأمام هذه الوضعية تعاملت ليبيا مع بلدان المغرب العربي بتحفظ، حيث لم تحضر قمة نواكشوط وتونس، وتوقفت عن تنفيذ بعض المشاريع المشتركة مثل مشروع الجامعة المغربية التي التزمت فيه ببنائها وتمويلها، وعدم استلامها لرئاسة الاتحاد من الجزائر سنة 1995م.
• ضعف المجتمع المدني:
يلاحظ أن المجتمع المدني بالدول المغاربية بجميع فئاته وجمعياته لايلعب الدور المنوط به، وذلك لاعتماده على النظام السياسي في كل دولة من دول المغرب العربي في تحركاته، حيث يعتمد على تمويل الدولة وبالتالي يجسد طموحاتها، ونتيجة لطغيان القطرية على التصورات الوحدوية، نجد أن المجتمع المدني بالدول المغاربية لم يعد عاملا حاسما في تحريك الجماهير المغاربية نحو الوحدة المنشودة.
• المعوقات القانونية:
تتمثل المعوقات القانونية في ثلاثة مسائل:
• محتوى المعاهدة. 2- تحديث (تعديل) النصوص القانونية. – قاعدة الإجماع.
• المعاهدة ومحتواها: يلاحظ الاقتضاب الشديد في نص إنشاء الاتحاد المغاربي، وفي محتواها وأغراضها مقارنة مع المعاهدات الدولية من هذا الصنف، فمثلا معاهدة روما المنشئة للسوق الأوروبية المشتركة 1957م احتوت على 248 مادة وبها 4 ملاحق و9 تصريحات، بينما نجد معاهدة الاتحاد المغاربي تقع في 19 مادة مع ترك التنظيمات والترتيبات التطبيقية إلى التنظيم الذي يأتي من بعد.
كما يلاحظ التعميم وعدم تخصيص أي هدف وربطه بآجال التنفيذ وآلياته، كما يلاحظ أيضا عدم وضوح العمل المغاربي المشترك، وتحديد المراحل الزمنية للوصول إلى الاندماج بين الدول الأعضاء.
• بالنظر إلى الفترة الزمنية التي أصدرت فيها النصوص القانونية لمعاهدة الاتحاد، والتي تعدت الخمسة وعشرين عاما، نجد أن الأوضاع قد تغيرت في كل دول المغرب، سواء من حيث النضج السياسي، والمعضلات الاقتصادية، وضغط المجتمع الدولي، والتكتلات الاقتصادية الكبرى، فقد حان الوقت لتعديل النصوص القانونية الضابطة للمعاهدة لتتماشى مع المستجدات المغاربية بعد ما يعرف بالربيع العربي وتغيير أنظمة الحكم في ليبيا وتونس.
• قاعدة الإجماع: إن الأخذ بقاعدة الإجماع فيما يخص القرارات التي تصدر بعد الحصول على موافقة جميع الدول الأعضاء، يرجع أساسا إلى مبدأ المسؤولية في السيادة بين الدول المغاربية، ولكن هذا الأمر يترتب عليه آثارا سلبية على العمل المغاربي المشترك، لأن الإجماع لايتحقق دوما، وذلك جعل مجلس الرئاسة يصدر قرارات يحاول فيها التوفيق بين اتحاد الدول الأعضاء وينتهي الأمر إلى إصدار قرار مطاط يخدم جميع الاتجاهات وجميع الأغراض، مما يفقده في حقيقة الأمر كل فعاليته وقيمته، ولا يجد طريقة إلى التنفيذ للتغلب على المعوقات القانونية السابقة.
ولذلك يمكن تقديم المقترحات التالية:
• إعادة النظر في النصوص القانونية المنشئة للاتحاد، وتعديلها عن طريق بروتوكولات للتطبيق وملاحق وآجال لتنفيذ الأهداف المبرمجة عبر فترات زمنية محددة، وذلك قصد تلافي النقائص والثغرات .
• النص في المواد المعدلة مستقبلا على أن القرارات المتخذة من قبل مجلس الرئاسة نافذة فور التصويت عليها من دون الرجوع لتشريعات الداخل.
وذلك لأن مجلس الرئاسة ممثل للدول الأعضاء، ويعتبر الهيئة العليا الغير وطنية، والتي يمكن أن تكون قراراتها ملزمة التنفيذ ما لم تتعارض مع القوانين الداخلية للدول الأعضاء، ومن هنا وجب تكييف القوانين الداخلية للدول الأعضاء بما يكفل الاستفادة القصوى من القرارات المصيرية والداعمة للتوجه الوحدوي المغاربي، وهناك العديد من المواد التي تحتاج إلى تعديل لتفعيل المعاهدة بصورة تحقق الهدف المنشود.
• المعوقات الاقتصادية:
تتمثل المعوقات الاقتصادية في جملة من الأمور، أبرزها التحدي التجاري والتكنولوجي والعلمي، ونقص البنية التحتية الأساسية والحواجز الجمركية، وهذا مرده إلى أن اقتصاديات دول المغرب العربي في فترة الاستعمار وغداة الاستقلال كانت تخضع إلى تبعية اقتصادية أوروبية، وعلى الأخص المستعمرات الفرنسية، وما زالت لحد الآن في جميع النواحي الفلاحية والصناعية والتجارية وحتى المالية، حيث اتسمت بالصناعات التحويلية الموجهة للخارج لسد الاحتياجات الأوروبية، وكذلك النشاطات المنجمية والاستخراجية، والتي وجهت نحو التصدير كمواد أولية ليتم معالجتها في الخارج وترجع كمواد مصنعة تباع بالدول المغاربية بأثمان مضاعفة، وحتى تطوير البنى التحتية من موانئ وطرق، سكة حديدية، مطارات، مدن، كانت تخدم في المقام الأول أهداف التصدير والاستيراد الأوروبي.
• التحدي التكنولوجي والعلمي:
تواجه دول المغرب العربي تحديات التطور العلمي والفني المترتب على الثورات الصناعية التي اجتاحت العالم، والتي ما زالت تؤثر فيه، ومنها ظهور ما يسمى بالبلدان الصناعية الجديدة أو النمور مثل كوريا الجنوبية وتايوان والبرازيل والهند بالإضافة إلى الدول الصناعية السابقة ( الدول الثمانية) G8، والتي أرسلت أسس صناعية متطورة تعتمد على الثقافة الحديثة، ولا سبيل للدول المغاربية أن تحذو حذوها إلا إذا تحولت إلى قطب صناعي واقتصادي متكامل، ولن يكون ذلك إلا من خلال استخدام الثقافة لخدمة التنمية المشتركة.
إلا أن هذا الطموح لا تزال تحول دونه مجموعة من العوامل منها:
• ضعف التنسيق في الميدان الصناعي على المستوى المغاربي.
• ضعف الاتفاق المغاربي في ميدان البحث العلمي.
• ضعف قاعدة المعلومات والبنيات في المراكز والمختبرات والمؤسسات الإنتاجية، وغياب القطاع الخاص عن المساهمة، حيث يعد القطاع الحكومي الممول الرئيس لنظم البحث العلمي، وهذا يرجع إلى عدم تقدير القطاع الخاص لقيمة البحث العلمي وجدواه.
• الخلاف حول منطقة الصحراء المغربية:
لقد كان لتخلي اسبانيا عن الإقليم بموجب اتفاقية مدريد عام 1975م وإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974م بحق شعب الصحراء في تقرير مصيره وظهور جبهة البوليساريو كقوة عسكرية، تلقى الدعم من الجزائر، قد جعل من إقليم الصحراء المغربية محورا مهما من محاور عدم الاستقرار في العلاقات المغربية عامة والعلاقات المغربية – الجزائرية، خاصة وأن إحاطة الإقليم بأقطار لكل منهما مشاكله مع الآخر قد عقد المشكلة وجعل منها منطقة تنازع بين كل من المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو.
ويعتبر هذا المشكل من الأسباب الرئيسية بل هو العائق الوحيد الذي يتجلى لحدود بدايات سنة 2001م خاصة مع تدويله، نظرا للصراعات المسلحة التي أقحمت فيها أنظمة المنطقة، ونخص بالذكر المغرب والجزائر بالإضافة لجبهة البوليساريو الانفصالية، خاصة إذا علمنا حجم الثروات الطبيعية والمعادن الهامة التي تزخر بها المنطقة، ولعل هذه الثروات الهامة هي التي شكلت مصدر إغراء متزايد لأعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وأدت أيضا إلى انتهاكات حقوق الإنسان في “مخيمات تندوف”، التي جعلت منطقة العفو الدولية تحمل جبهة البوليساريو مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان بمخيمات تندوف وإفلات المسؤولين عن هذه الانتهاكات من العقاب والمساءلة في التقرير السنوي للمنظمة، والذي تم تقديمه يوم الثلاثاء 8 يونيو 2010م بالرباط خلال ندوة صحفية عقدها فرع المنظمة بالمغرب لتقديم تقريرها السنوي.
إن جبهة البوليساريو لم تتخذ أي خطوة لمعالجة مسألة الحصانة التي يتمتع بها من اتهموا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في المعسكرات خلال عقدي السبعينيات والثمانينات من القرن العشرين، والتي تجعلهم بمنأى عن العقاب والمساءلة.
• التحدي التجاري:
تعتبر دول المغرب العربي من الدول المفتوحة على العالم الخارجي، وذلك بما تمثله التجارة الخارجية من مجمل ناتجها المحلي الإجمالي، فقطاع التجارة الخارجية من القطاعات المعول عليها لتمويل خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعامل مؤثر في موازين الاقتصاد الوطني، بحيث تتوقف حالة الموازنة العامة لدوله على سوق الصادرات لدول المغرب العربي، ونتيجة لمحدودية صادرات الاتحاد المغاربي أدت هذه العملية إلى ربط الاقتصاديات المغاربية بالخارج، في مقابل ضعف تكاملها على المستوى الإقليمي، الأمر الذي أدى إلى أن تتأثر بالمتغيرات التي تطرأ على أسعار تلك المواد في السوق العالمي، وبالتالي تفرض عليها نوعا من التبعية المستديمة تجاه الأسواق الأجنبية، خاصة الإتحاد الأوربي، وإلى حد ما اليابان والولايات المتحدة الأمريكية.
ومن أهم التحديات أمام قيام المغرب العربي، تنبيه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى الوضع السائد بمخيمات “تندوف” التي تديرها مليشيات البوليساريو الانفصالية، حيث يحرم المغاربة المحتجزون هناك من حقوقهم الأساسية.
من هنا يتبين لنا بوضوح مدى الإسهام الكبير لمشكل الصحراء في عدم اكتمال وحدة المغرب العربي، لتضاف إليه في العقد الأخير ظاهرة الجماعات الإسلامية المسلحة.
ونخص بالذكر في إطار الحديث عن هذه النقطة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والتي تركز نفوذها وبؤرة مسلحيها بجنوب الجزائر وشمال مالي، بالإضافة إلى مسلحي الطوارق أو ما أصبح يسمى مؤخرا بالحركة الوطنية لتحرير أزواد ومسلحي جبهة البوليساريو الانفصالية، كلها تنظيمات(إسلامية)سماها العالم الغربي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا بالجماعات الإرهابية، والتي أشتد عودها بالخصوص بعد أحداث 11 سبتمبر2001 التي ضربت برج التجارة العالمي بالولايات المتحدة، والتي راح ضحيتها قرابة 2000 مواطن أمريكي، بالإضافة لأعداد القتلى الذين راحوا ضحية عدة هجمات مسلحة بالجزائر منذ ذاك التاريخ، خاصة وأن الزعيم الليبي السابق (معمر القذافي) كان قد شكل فيلقا قويا سماه الفيلق الأخضر الليبي مشكل من عدد من الأفارقة المسلحين تسليحا قويا.
هذه كلها أسباب دعت مجلس الأمن الدولي، وتحت غطاء حماية شمال إفريقيا والعالم، وفي ظل منظومة القانون الدولي، إلى إصدار قراره رقم 2085 بتاريخ 20 ديسمبر 2012 ، وأيضا بطلب من مجموعة غرب إفريقيا ” أيكواس” التي تساعد القوات الفرنسية والغربية في مهمة ضرب نفوذ هذه الجماعة ومنعها عن التقدم نحو جنوب مالي.
كل هذه المشاكل السالفة الذكر تحول دون تحقيق رغبة الشعوب في تفعيل دور الاتحاد المغاربي.
الأمل بإحياء الاتحاد المغاربي:
وبعد فترة طويلة من الجمود الذي طال الاتحاد المغاربي، هنالك بوادر تلوح حول إنعاشه بعد هذا الإهمال الطويل، وهاهي تونس وعلى لسان رئيس (المنصف المرزوقي) وخلال تجواله على دول المغرب العربي دعا أثناء لقائه بجلالة الملك محمد السادس (نصره الله) إلى إحياء الاتحاد مؤكدا على ضرورة عقد قمة، وإنشاء برلمان مغربي، وفي كلمة له في الرباط أمام مجموعة من السياسيين ورجال الأعمال ونشطاء حقوقيين قال:” نحن أمام مستقبل واعد، ولقد انخرطنا فيه”.
وفي الفترة ذاتها وجه جلالة الملك محمد السادس “أعزه الله” رسالة تهنئة لقادة دول اتحاد المغرب بمناسبة ذكرى إنشاء الاتحاد ضمنها قوله: ” إن الاندماج المغاربي تطلع شعبي عميق، وضرورة إستراتيجية وأمنية ملحة وحتمية اقتصادية يفرضها عصر التكتلات والعولمة ” داعيا إلى نهوض مغربي جاد ومنظم، بينما علل عبد العزيز بالخادم وزير الدولة الجزائري والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية بقوله في تصريحه لجريدة الشرق الأوسط: ( لقد أضعنا وقتا طويلا لبناء اتحاد المغرب العربي، فالوقت وإن طال أمده لم يعد مهما للقادة العرب، بل أصبح مضيعة ليحول دون تحقيق الأمل السامي والعالي المتجسد في التطلع العميق والأصيل للشعب العربي)، وأشير أيضا إلى الكلمة التي ألقاها جلالة الملك محمد السادس في 21 مايو المنصرم أمام أعضاء المجلس الوطني التأسيس بتونس، والتي دعا من خلالها إلى إحياء الاتحاد المغاربي وتعزيز التعاون بين دوله، ووضع حد لحالة الجمود داخل المغرب الكبير) .
كما جدد فيها الدعوة إلى انبثاق نظام مغاربي جديد يستوحي أسسه من معاهدة (مراكش) المؤسسة للاتحاد المغاربي، مؤكدا على أن مسألة قيام الاتحاد المغاربي لم تعد اختيارا أو ترفا سياسيا، بل أصبحت مطلبا شعبيا ملحا وحتمية إقليمية إستراتيجية .
كما أبرز أن التجارب السابقة برهنت بشكل واضح على فشل المقاربات الاقصائية في مواجهة المخاطر الأمنية التي تهدد أمن وسلامة الدول المغاربية في ظل ما تشهده منطقة الساحل والصحراء من حالة عدم الاستقرار، وأضاف جلالته أن اندماج الدول الخمس في نظام مغاربي شامل من شأنه رفع مختلف التحديات التنموية والاقتصادية والأمنية من خلال مقاربة تشاركية شاملة، وفي السياق ذاته أوضح جلالته أن تحقيق التنمية الشاملة يحتم توفير وبناء بنية تحتية قوية لتسهيل عملية التبادل الاقتصادي والتجاري بين دول المغرب الكبير.
خاتمة:
بعد استعراضنا لمختلف المعوقات القانونية والسياسية والاقتصادية وشرح بعض المقترحات للحد من هذه المعوقات، تجب الإشارة إلى أن عملية التكامل الاقتصادي بين دول المغرب العربي تعتبر الوسيلة الفعالة للوحدة السياسية، وذلك عن طريق الاتفاق على المسائل الاقتصادية الأكثر يسرا وسهولة عن طريق توفير المعلومات التجارية والمالية الخاصة بالاستثمار في دول الاتحاد المغاربي، وذلك لأن المردودية في هذا المجال ستكون مباشرة في الأجلين القصير و المتوسط.
إن التكامل الاقتصادي عن طريق المشاريع المشتركة يفرض الرؤية الموحدة للنخب السياسية الحاكمة لبلدان المغرب العربي،والذي يعتبر الشرط الضروري والحاسم في مختلف التكتلات الإقليمية، وذلك بفضل تكثيف الحوار واللقاءات الثنائية والشاملة والجادة والمستمرة، وإن اقتضى الأمر تقديم التنازلات من جميع الأطراف إلى أن يتم التوصل إلى حل نهائي للخلافات السياسية الظرفية المعرقلة لمسيرة التكامل المغاربي.
هذه العملية بعث مشروع قومي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية بعيدا عن الخطب الإيديولوجية، حيث توضع في المقام الأول المصالح العليا المشتركة للمجتمع المغاربي ورسالته الحضارية، ويمكن تجسيد ذلك عبر تدعيم وإعادة بعث اتحاد المغرب العربي متحاشين قدر الإمكان معوقاته، وذلك بصفة تدريجية، منطلقين من المشاريع الاقتصادية المشتركة الثنائية والجماعية وصولا إلى الاتحاد الجمركي فالسوق المشتركة المغاربية.
أن الموقع الجغرافي والتاريخ المشترك والدين والحضارة العربية والإسلامية وكذلك ويلات الاستعمار، تشكل روابط تلاحم سياسية وثقافية واجتماعية وحتى عائلية في بعض الأحيان بين مختلف شعوب المنطقة، يمكن الارتكاز عليها لدفع مسار التعاون بين الدول المغاربية دون النظر إلى المفارقات الظرفية، بما يجعل للاتحاد المغاربي وزنا دوليا في المحافل الدولية، ويجعله يمثل حقيقة وزنه في منطقة البحر الأبيض المتوسط.