مداخلة الأستاذ نور الدين بلالي، أحد مؤسسي جبهة البوليزاريو
السيد الرئيس
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال،
السيد مولاي إسماعيل خادم الطريقة البصيرية،
السادة العلماء الأجلاء
السادة منتخبي إقليم ازيلال
السادة الشيوخ والأعيان المحترمين
اسمحوا لي سيادتكم إن أقدم الشكر الجزيل للسيد عامل صاحب الجلالة بأزيلال وسلطات أزيلال على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، ونهنئ عامل صاحب الجلالة على ما نعرف عنه نحن في الصحراء وما سمعناه هنا عن حسن أخلاقه ونبلها وحسن التدبير لشؤون رعايا صاحب لجلالة.
السادة الحضور الكرام
في البداية أقدم جزيل الشكر ووافر الاحترام والتقدير إلى السيد المحترم مولاي إسماعيل خادم الطريقة البصيرية، لدعوته الكريمة لي لحضور هده المناسبة التاريخية، ذكرى ثورة سكان الصحراء وقبائلها ضد الاستعمار الاسباني بقيادة الابن البار ابن هذه الزاوية الشيخ المناضل والصوفي المتواضع محمد سيدي إبراهيم بصير.
كما أشكر لكم منحي هذه المداخلة تحت عنوان: الاختفاء القسري للمناضل المقاوم سيدي محمد بصير ومسؤولية المجتمع الدولي، وهو عنوان سيحمّلني ويحمّلنا جميعا مسؤولية جسيمة لن نستطيع الوفاء بها والإحاطة بكافة جوانبها، مهما اجتهدنا وأخلصنا بكل صدق ووفاء لهذا القائد العظيم، الذي يجتمع فيه من الخصال الحميدة ما تفرق في غيره، فهو المجاهد والمناضل المقدام الذي جاد بنفسه، والجود بالنفس غاية الجود، وهو الشيخ الصوفي العارف بالله الممتثل لمقتضيات العبودية الحق لله عز وجل وهو الصوفي والمربي.
وقد اختارته الإرادة الإلهية ليكون رمزا للحرية ورمزا للإنسانية وللعطاء، من أجل حرية وطنه وقومه ورمزا من رموز وحدته الوطنية، وملهم الأجيال والوحدوي الذي ربط شمال المغرب بجنوبه، مفجر الشرارة الأولى ضد الاستعمار الإسباني، التي عجلت برحيله عن جزء غالي من أرض المغرب، فهو الشمعة التي أضاءت طريق التحرر والوحدة للأمة المغربية حتى أصبح من أبرز الأعلام المغربية المجتهدة.
لقد بدأ المجاهد سيدي محمد بصير إنشاء الخلايا الأولى لتنظيم الحركة الطليعية لتحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني منذ وطئت أقدامه أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب سنوات 1968- 1970 م، التي قامت بانتفاضتها المشهورة 17 يونيو 1970، ونحن نحي ذكرها 44 وهي المعروفة بأحداث الزملة، والتي استطاعت إفشال سياسة الاستعمار الإسباني الإدماجية رغم ما نتج عنها من ضحايا قتلى وجرحى ومعتقلين ومنفيين خارج الإقليم، وكان قائدنا مؤسس الحركة ومرشدها أول ضحايا هذه الإنتفاضة، لأنه لم يرض أن يفر بنفسه سالما ويتعرض الآخرين للموت والتعذيب، فأراد أن يكون المثل الأول في الصمود مهما كانت العواقب، فيقال لرفاقه حملتموني المسؤولية عن كل شيء لتنقدو أنفسكم فأنا أعرف كيف أواجه المستعمر أكثر منكم.
وكانت الأهداف الأساسية لهذه الحركة طرد: الاستعمار الاسباني البغيض عبر:
– تبني الحوار والنضال السياسي كأسلوب
– وتكثيف الجهود لإنضاج الظروف وتعميق الوعي الوطني.
وإذا كان الاستعمار الإسباني الفاشي أراد القضاء على الحركة وعلى الحلم، باختطاف سيدي محمد بصير وفرض اختفاءه القسري لهذه المدة الطويلة 44 سنة إلى حد الآن، فلا زال سيدي بصيري يعيش في قلوب الجماهير المغربية، ولا زالت أفكاره الوحدوية تنير طريق ملايين الشباب فهو القدوة وهو الغائب الحاضر دوما بيننا، فهو الخالد بما صنعه رغم المدة الوجيزة التي قضاها في الصحراء، لكنها كانت مفعمة بالعطاء الديني والوطني، وحسب بعض المصادر المؤكدة أن الأرشيف الإسباني يحتوي على أكثر من مليون وخمسمائة وثيقة تتكلم عن بصير.
ومن خلال الوقائع المادية الثابتة حول واقعة الاختطاف وإخفاء بصيري قسريا من طرف السلطات الاستعمارية الإسبانية، فمسؤولية إسبانيا ثابتة ولا يمكن أن تسقط بالتقادم ولا تعاقب الحكومات المختلفة من حكومة فرانكو الفاشية إلى حكومة روخي الحالية، ولا يمكن تبرئة الحكومة الحالية بمختلف سلطاتها التنفيذية والقضائية إلا إذا قدمت الأرشيف السري المتعلق بمصير سيدي محمد بصير، خصوصا أن الزمن القانوني لرفع السرية عن الوثائق الرسمية السرية قد حل بسبب التقادم.
وكذلك رد الاعتبار وجبر الضرر لعائلة بصير وتمكينها من رفات ابنها إذا مات أو قتل، لدفنه بطريقة لائقة، وتكريم عائلته والتخفيف من معاناتها بعد 44 سنة من تغييب ابنها قسريا.
إن المجتمع الدولي الإنساني تقع على كاهله مسؤولية أخلاقية وأدبية وإنسانية اتجاه اختفاء سيدي محمد بصير، من أجل ممارسة كل الضغوط الممكنة من أجل جلاء الحقيقة وضم جهوده إلى جهود عائلة بصير من أجل تقديم الحقائق عن اختفائه، فإن كان قد مات فأين رفاته؟ وأين هو إذا كان حيا؟ وإذا سلمته إسبانيا إلى أية جهة أخرى فمن هي الجهة التي سلم لها وما هو الدليل؟
فسيبقى بصير وصمة عار في جبين إسبانيا، وسيبقى اللوم والتقصير على المجتمع الإنساني حتى إظهار الحقيقة وإنصاف عائلة بصيري.
ومن هذا المنبر أطالب مقرر حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والهيئات المسؤولة عن الاختفاء القسري على مستوى العالم إلى بذل جهودها للوصول إلى نتيجة ملموسة مع الطرف الإسباني .
ونحن نقدم عرفاننا بجميل هذه الزاوية الكريمة التي أمدت الوطن بهذا المجاهد، الذي ولد في حضنها سنة 1942 وتربى على القيم الفاضلة، وكما يقول المثل: وما ذاك الشبل إلا من ذاك الأسد، فالولد سر أبيه، الزاوية البصيرية أمدت المقاومة في الصحراء بهذا البطل الوحدوي كما تمد الوطن الآن بعلماء أجلاء تقاة يتفانون في خدمة الوطن والعلم والدين، فلها جزيل الشكر على ما أسدت لهذا الوطن ولهذا الشعب.
واسمحوا لي إذا قصَّرت في الإحاطة بمختلف الملابسات المتعلقة بفقيدنا المجاهد سيدي محمد بصير .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.