مداخلة الدكتور عبد الحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وبعد :
أنا جد سعيد اليوم بتواجدي هنا،لأقدم لكم بعض الخلاصات حول الفكر الذي تحمله حركة البوليساريو، هذا الفكر الشاذ والذي وإن بدا في الوهلة الأولى أنه يخدم الصالح العام بالنسبة لمجموعة معينة، إلا أنه في الحقيقة لايخدم إلا مصالح أشخاص معينين  قليلين بالنسبة لسكان الصحراء.
لدي في البداية بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى: هي أن القيادات الحالية للجبهة الانفصالية هي في الأساس قيادات مبنية على حكم أقلية معينة، يتداخل فيها خليط من الولاء القبلي والشخصي لأعضائها، مع ولاء إيديولوجي للمرجعية الماركسية والعروبة في نسخها المصيرية، أو على الأقل في نسختها البعثية، مع توجه واضح نحو المركزة، مركزة السلطة  والشخصانية.
الملاحظة الثانية: هي هشاشة هذه المرجعية السياسية لهذه المجموعة، حيث يمكن أن نقرأ في الفصل السادس من دستور الجمهورية الصحراوية المزعومة: إن الشعب الصحراوي شعب عربي إفريقي مسلم، وهي الخصائص الهوياتية التي يتقاسمها الصحراويون مع كل سكان شمال إفريقيا، ومن تم هذا لا يسمح بتكوين هوية  سياسية وطنية تسمح بتشكيل دولة معينة .
الملاحظة الثالثة:هي أن الهوية الثقافية والحضارية الصحراوية، هي بالأساس هوية مشتركة بين أزيد من عشر دول إفريقية، يجب الاعتراف بهذا، وهي:  المغرب، الجزائر، تونس، موريتانيا، مالي، نيجر، تشاد، السنغال، السودان ومصر.
وبالتالي يمكن أن نقول بأنها هوية يمكن أن توحد هذه الدول رغم اختلافات لغاتها وأجناسها وهندساتها المؤسساتية .
الملاحظة الرابعة: هي أن جماعة البوليساريو تكيد للشعب الصحراوي ليس إلا، وتحاول مصادرة الهوية الصحراوية العابرة لدول وثقافات لأجل توظيفها في الصراع مع المغرب، وهو توظيف سياسي قد مضى عليه الوقت، والحال أن هوية الشعب الصحراوي لا يمكن لدولة واحدة أن تختزلها أو تحتكرها خصوصا إذا كانت لأهداف انفصالية .
الملاحظة الخامسة: يتأسس الخطاب السياسي الانفصالي  على ثنائية ثابتة عند اندلاع النزاع، وهي شيطنة المغرب بمعنى إظهاره أمام العالم على أنه دولة سلطوية لا تحترم حقوق الإنسان…إلخ
وكأن بناء الدولة الصحراوية والهوية الصحراوية لن يتأتى إلا عبر هدم الهوية والبناء المؤسساتي المغربي، فهكذا أنتم تلاحظون أن هذه النزعة الصدامية الغير السلمية في جوهرها. ثم محاولة بناء دولة مستقلة بأي ثمن كان وإن كانت هذه الدولة المزعومة أو المراد بناءها لا تمتلك أي مقومات لقيامها، وحتى إن كان قيام هذه الدولة ثمنه الدخول تحت حماية دولة أخرى جارة، إذن هو خروج من تحت السيادة المغربية للدخول تحت سيادة دولة أخرى في نهاية المطاف .
الملاحظة السادسة: نلاحظ أن هناك عجز خطير وبنيوي لدى قيادات البوليساريو في تملك وتقبل المرجعيات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتعددية الثقافية  والإثنية واللغوية، إذ يبدوا لنا جليا أن هذه القيادات وبعد مرور أزيد من أربعة  عقود من الصراع، أنها أعادت إنتاج نفس المشاكل ونفس القيم الصحراوية الضائعة والانتهاكات المتواصلة الفوارق، بمعنى إعادة نفس الفوارق الاجتماعية وإعادة إنتاج السلطوية والديمقراطية في مخيمات تندوف وإعادة القهر والقمع للموطنين.
من هذا نستخلص الخلاصات التالية :
الخلاصة الأولى: أن قيادات البوليساريو تسبح ضد حركية التاريخ التي تظهر لنا أن القيم الثقافية الصحراوية والهوية الصحراوية، كانت دائما وأبدا عاملا أساسيا في توحيد قبائل شمال إفريقيا وبناء دولها وخصوصا المغرب، فالمرابطون والموحدون والعلويين ليسوا إلا مثالا على قدرة هذه الثقافة والهوية على توحيد وبناء الأوطان بدلا من تفريقها .

الخلاصة الثانية: من الناحية السياسية يمكن القول أن قيادات البوليساريو الحالية قد عمدت إلى بناء عقيدة سياسية تجسيدية شوفينية لا يمكن لها أن تخدم الإنسان الصحراوي بأي حال من الأحوال، بالنظر إلى معاداتها لكل جهد وحدوي في منطقة شمال إفريقيا خصوصا في ظل العولمة وزحفها .
الخلاصة الثالثة: من الناحية الدينية الصرفة يمكن القول أن التوجه الانفصالي هو في حد ذاته خروج عن مبادئ الدين الإسلامي الذي يدعو في الأساس إلى توحيد الأمة الإسلامية مهما كان الثمن بدلا من تفريقها .
الخلاصة الرابعة: هي استحالة الوصول إلى نتائج سياسية واضحة مع هاته القيادات عن طريق المفاوضات، وقد علمتنا التجربة و بعد مسار عسير من المفاوضات لم نتزحزح قيد أنملة رغم تقديم المغرب لتنازلات مهمة من إجل إيجاد حل عادل وواضح لهذه المسألة، بالرغم من مشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، والذي قدم فيه ضمانات كبيرة لسكان الصحراء على مستوى تدبير شؤونهم الداخلية، يظهر أن قيادات البوليساريو لم تتراجع قيد أنملة عن مواقفها السابقة، لماذا؟ لأن الإيديولوجية التي تحملها هذه النخبة هي في أصلها إيديولوجية صراعية في الأصل لا تحتكم إلى التعاون .
وأخيرا لا يسعني هنا إلا أن استحضر مقولة علال الفاسي رحمه الله خلال خطاب ألقاه بمراكش في  13 يناير 1957 حين قال :” بأنه لولا الصحراء لما كان المغرب، ولما كان ملك المغرب، ولما كان دين الإسلام هو دين المغرب، إذ بفضل الصحراء أصبح المغرب دولة موحدة عبر القرون، والصحراء كانت دائما وأبدا عاملا أساسيا في توحيده وبناء كيانه وحضارته وثقافته وهويته الثقافية” .
كما لايسعني أيضا إلا أن أذكر بأن التجارب الدولية والحقائق التي توصل إليها علم السياسة تظهر لنا جليا أن بناء الدول هي عملية شاقة وتطول كثيرا،  لكن هدم الدول هي عملية يسيرة يمكن أن نقوم بها في أية لحظة، بمعنى أن  بناء الأوطان عملية تستدعي شحذ  الجهود وتعبئة الموارد، وهو الشيء الذي غالبا ما يكون معقدا، في حين أن عملية الهدم ليست عملية صعبة بقدر ما هي سهلة، تنبني بالأساس على ضرب دولة وهي ثقة المواطنين بالمؤسسات المالية .
إذن هذه هي الخلاصات التي توصلت إليها و شكرا

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *