الحقوق المشتركة بين المسلمين في جزئها السادس بعنوا “إجابة الدعوة ” في شطرها الثالث
الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده تعالى ونشكره ونستغفره، ونستعين به ونتوب إليه،
ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلاهادي له،
ونشهد لاإله إلا الله، وحده لا شريك له، القائل في محكم كتابه المبين: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، جمع الله به الكلمة ووحد به الأمة، أرسى دعائم أخوة المسلمين ببيان الحقوق المشتركة، في قوله صلى الله عليه وسلم: “حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتّبِعه”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به،
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، لا زلنا مع بيان الحقوق المشتركة بين المسلمين، التي جعلها الله تعالى ورسوله توطيدا لرابطة الأخوة الإنسانية التي تجمع بين الناس أجمعين، وسببا لدوام الأخوة والوحدة بين المسلمين، وقد ذكرنا منها في الجمعة الماضية حق إجابة الدعوة، وبيننا وجوبها، وبعض آدابها، وأنها تسهم في إدخال السرور على الداعي، واليوم إن شاء الها تعالى نختم الحديث بسرد بعض الآداب التي ينبغي مراعاتها في إجابة الدعوة فنقول وبالله التوفيق،
أيها الإخوة المؤمنون، ينبغي على من يريد أن يولم أن لا يميز في الدعوة لوليمته بين غني وفقير، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال في الحديث المتفق عليه الذي يرويه سيدنا أبو هُرَيْرَةَ (ض) كَانَ يَقُولُ: “شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ”، نقل ابن حجر (ح) عن ابن مسعود (ض) أنه قال “إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب”، وقد ذكر ابن بطال عن ابن عمر (ض) أنه أولم فميز بين الأغنياء والفقراء فأطعم كلا على حدة فلا يكون في ذلك بأس إذا لم يحرم الفقراء من حظهم في الوليمة خاصة ذوي القربى، فعلى الداعي أن يذيب الفوارق في المجتمع، فيمزج في دعوته بين الأقارب والإخوة والأصدقاء، فليدعهم جميعاً، ولا يجعل أساس الدعوة الغنى، ولا الوجاهة، وعلو المرتبة الاجتماعية،
وتروي لنا كتب سير الصالحين من سلفنا الصالح أن أحد العلماء في الشام كان إذا دعا كبراء القوم، ووجهاءهم قدَّم لهم طعاماً خشناً، وكان يقول: والله هذا الطعام يحبونه لأنهم لا يأكلونه أبداً، فإذا دعا الفقراء قدم لهم طعاماً نفيساً، ويقول: هذا الطعام يحبونه،
ومن آداب إجابة الدعوة عناية المدعو بهندامه ونظافته، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتجمل للقاء الأصحاب، فعن أمنا عائشة (ض) أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات يومٍ إلى إخوانه، فنظر في كوز الماء إلى جمَّته، أي إلى شعره وهيئته، وقال عليه الصلاة والسلام : “إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ” وعن عبد الله بن مسعود (ض) قال: “إذا خرج أحدكم إلى إخوانه فليتهيأ في نفسه”،
وهذه دعوة إلى الاعتناء بالمظهر، لأننا الآن بدأنا نرى بعض المدعوين يأتون إلى الدعوة ولهم من الملابس الجميلة التي تليق بمقام الدعوة يلبسون لباس الرياضة أو غيره، فهم لا يحترمون المجلس ولا يحترمون أنفسهم إذ لا عناية لهم بإخوانهم الذين يحضرون المجلس،
كما يدخل في آداب إجابة الدعوة احترام الوقت، فمما نلاحظه اليوم، أن أغلبية المدعويين لا يحضرون إلا وقت الطعام في حين يفوتون على أنفسهم فرصا للموعظة ولذكر الله وللتعارف بين إخوانهم المؤمنين، وربما يتسببون في ارتباك ترتيبات الداعي ، فأقول لهؤلاء سامحهم الله، إن هذا العمل يقل من قيمتهم عند إخوانهم، وينم عن عدم احترامهم للداعي وللحاضرين، فلنحرص على ضبط الوقت والحضور في الوقت احتراما ومسرة للداعي،
ومن آداب المدعو أن يجلس حيث انتهى به المجلس، أدبا مع الله ومع الحاضرين، وألا يحرج الداعي بفرض طقوس خاصة به، كما ينبغي للمدعو أن لا يجلس مقابل باب يمكن أن يرى منه النساء، أو يحرج أهل البيت في حريتهم داخل بيوتهم،
وأخيرا يستحب لمن دعي إلى طعام وانتهى منه أن لا يغادر بيت الداعي إلا بعد أن يدعو لصاحب الطعام، تأسيا برسول الله صلة الله عليه وسلم فعن عبد الله بن الزبير, قال: “أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ”، جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوق أخوة الإسلام، ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم ونبيهم، وأن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة، وعلى آله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله ، من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله،
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، أخرج الشيخان عن أبي مسعود رضي الله عنه “أن رجلاً من الأنصار، يقال له: أبو شعيب، كان له غلام لحام. فقال له أبو شعيب: اصنع لنا طعام خمسة، لعلي أدعو النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة -وأبصر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم الجوع-، فدعاه، فتبعهم رجل لم يدع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن هذا قد اتبعنا، أتأذن له؟ قال: نعم!”، وفي رواية عند البخاري : “وهذا رجل قد تبعنا، فإن شئت أذنت له، وإن شئت تركته”. قال: بل أذنت له”، وهذا من الأحاديث التي استأذن فيها رسول الله أصحابه، قال شراح الحديث، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الطعام، لأنه لم يعلم رضاه، أما من علم رضا صاحب الطعام، فلا حاجة إلى الاستئذان.
وتصرف أبي شعيب دليل على مكارم أخلاقه، فالرجل الكريم إذا دعا أناسًا لطعام، ثم جاء معهم بعض الضيوف، فعليه أن يرحب بهم جميعًا فاتقوا الله عباد الله، وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
الدعاء…