خطبة الجمعة: الحقوق المشتركة بين المسلمين 4 “إجابة الدعوة “

الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده تعالى ونشكره ونستغفره، ونستعين به ونتوب إليه،

ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلاهادي له،
ونشهد لاإله إلا الله، وحده لا شريك له، القائل في محكم كتابه المبين: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”،
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، جمع الله به الكلمة ووحد به الأمة، أرسى دعائم أخوة المسلمين ببيان الحقوق المشتركة، في قوله صلى الله عليه وسلم: “حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتّبِعه”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به،
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، لا زلنا مع بيان الحقوق المشتركة بين المسلمين، التي جعلها الله تعالى ورسوله توطيدا لرابطة الأخوة الإنسانية التي تجمع بين الناس أجمعين، وسببا لدوام الأخوة والوحدة بين المسلمين، وقد ذكرنا منها في الجمع الماضية حق رد السلام،
واليوم نقف مع الحق الثاني وهو “إجابة الدعوة”، التي حث عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، بل ترجح وجوب إجابة الدعوة عند أكثر أهل العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا دُعِي أحدُكُم إلى الوليمة فلْيأتِها”، وفي رواية مسلم قَالَ: “إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ”، وذلك لأنها تحقق معنى الأُخوة الدينية، المبينة في قوله تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ”، وتزيد في الود، وتصفِّي النفوس فيما بينها، وقد بين عليه الصلاة والسلام في أحاديث أخرى بأن التارك لإجابة الدعوة عاص لله ولرسوله، وبهذا بوب البخاري رحمه الله في صحيحه قائلاً: باب من تَرك الدعوة فقد عَصَى الله ورسوله، وأورد حديث أبي هريرةَ (ض)  أن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ يقول: “من ترك الدعوة فقد عَصى الله ورسوله” وعند مسلم بلفظ “فمن لَم يَأْت الدَّعْوَة فَقَدْ عَصَى اللّهَ وَرَسُولَه”،
قال ابن حجر (ح) عند شرحه لهذا الحديث: هذا دليل وجوب الإجابة، لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب، والذي جاء التصريح به في حديث أبي أيوب الأنصاري (ض) قال: “قال عليه الصلاة والسلام: “ست خصالٌ واجبةٌ للمسلم على المسلم، من ترك شيئاً منهن فقد ترك حقاً واجباً: يجيبه إذا دعاه، وإذا لقيه أن يسلِّم عليه، وإذا عطس أن يشمِّته، وإذا مرض أن يعوده، وإذا استنصحه أن ينصح له”،
وعليك أن تعلمي أختي المسلمة وأنت يا أخي المسلم، بأنك ما دعيت إلا لأن صاحب الدعوة اختارك، وخصك بالدعوة من بين كثير من معارفه وأقاربه إلا لأنك تحتل مكانة كبيرة في قلبه، وأنه يكن لك الحب والمودة، فعليك أن تجيب دعوته وتقبل طعامه، وترضى بما قدمه لك، عَنْ سيدنا جَابِرٍ بن عبد الله  (ض)  قَالَ: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَك”،
لأن المقصود ليس هو الطعام، وإنما هو إدخال السرور على الداعي، ومشاركته أفراحه ومسراته، وأحزانه وأتراحه، ما لم يكن في الدعوة إثم لا تستطيع تغييره، بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالكلمة الطيبة، وما لم تكن هناك أعذار توجب التخلف عن إجابة الدعوة، كالمرض، أو القيام بشأن مريض، أو كان يجهِّز ميتاً، أو يقوم بإطفاء حريق، أو يخاف ضياع ماله، أو في طريقه من يؤذيه، كما لا ينبغي على من لم تتم دعوته أن يقتحم على القوم مجالسهم، كما أصبح مشاعا عندنا، بمجرد أن يرى الإنسان علامة الحفل في الحي الذي يسكنه أو في غيره يسمح لنفسه أن يتطفل على المجالس، فعن سيدنا عَبْدُ اللَّهِ ابن عُمَرَ(ض)  قَال: قال رسول اللّه صلى اللَّه عليه وسلم: “مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا”، جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوق أخوة الإسلام، ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم  ونبيهم، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *