الحقوق المشتركة بين المسلمين (1)

الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده تعالى  ونشكره ونستغفره، ونستعين به ونتوب إليه،

ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلاهادي له،
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، جمع الله به الكلمة ووحد به الأمة، فكان خير رسول أرسل إلى الناس كافة، بشيرا ونذيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم لقائه،
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، إن أمتنا الإسلامية أمة واحدة بشهادة القرآن الذي يقول: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، أمة ذات تاريخ طويل عتيد، حافل بمواقف البطولات ومواطن الكفاح المجيد، بعد أن مر عليها حين من الدهر كانت فيه عبارة عن فرق وشيع وقبائل ممزقة الأشلاء، ضعيفة البناء، لا تجتمع على كلمة سواء ولا تربط بين أجزائها عقيدة رب الأرض والسماء، ولا غاية لها إلا التناحر واتباع الأهواء.
ثم هبت عليها نفحة من نفحات الله بواسطة بعثة خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان سببا في إخراجها من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، فجمع شتاتها، ووحد كلمتها، وألف بين قلوبها بإذن ربها، فجنت أطيب الثمرات بواسطة وحدتها واتحادها وتماسكها مع بعضها، وأدركت عمليا بعد أن آمنت بربها أن الوحدة سبيل الرشاد، وأن التماسك قوة تدرأ الفساد، وأن الفرقة ضعف وهوان وإبعاد، وأنه ما من شدة تعرضت لها إلا كان لها منفذ من بين الاختلاف والانقسام والإعراض عن ذكر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: “عليكم بالجماعة فإن الذئب لا يأكل من الشاة إلا القاصية”، ولذلك كان هم أعداء أمة الإسلام الدخلاء عليها أن يتبعوا معها سياسة “فرق تسد”، وما زال هؤلاء الأعداء المتنوعون المنبتون في أرجاء المعمور يتربصون بها الدوائر عن يمين وشمال، وهم لا يغيضهم ويقض مضاجعهم شيء إلا أن يروا هذه الأمة متآلفة متماسكة متناصحة متعاونة يشد بعضها بعضا كالبنيان المرصوص، ولا يسرهم ويطمئن قلوبهم شيء إلا أن يروها متفرقة متمزقة متنازعة متخاذلة قال تعالى: “إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها”،
لأنهم حين يرون ائتلافها واتحاد كلمتها لا يستطيعون أن ينالوا منها منالا، أو يكيدوا لها كيدا، ولكنهم حينما يتفرقون ويتمزقون ويخرج بعضهم عنهم، ويوالي بعضهم أعداء الله وأعداءهم الطامعين في اختلافهم، يجدون الثغرات التي ينفذون منها إلى مآربهم الخسيسة الخبيثة التي يسعون إليها بكل ما أوتوا من حيلة، والله تعالى يقول:”لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم”، كما يقول عز وجل: “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم”.
ومن أجل ذلك أرسل الله سيدنا محمدا عليه أفضل الصلاةوالسلام ليكون نبي الوحدة والتوحيد، فيثبت كلمة التوحيد، ويحقق توحيد الكلمة، وقال في محكم كتابه: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”، وقال: “وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين”.
كما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه أن يكونوا يدا واحدة وقلبا واحدا في كل مادياتهم ومعنوياتهم، وفي حركاتهم وسكناتهم، حتى لا يمكنوا أعداءهم منهم، ويفتحوا للشيطان بابا للسيطرة على الضعفاء بينهم، وجعل بينهم حقوقا مشتركة أمرهم بالمحافظة عليها لدوام أخوتهم، التي أرسى دعائمها بعد هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة لما آخَى بين المهاجرِين والأنصارِ أُخوّةً عامّة، ووثّق بينهم هذه الآصرةَ، وقوّى هذه الرابطة، ثمّ آخى بينهم أخوّةً خاصّة، فآخى بين كلِّ مهاجرٍ وأنصاريّ، فجعل كلَّ اثنين أخوين؛ يتعاونان ويتواسيان، حتى إنهما يتوارثان وراثةً مقدّمة على النسب، حتى نسخَ الله هذا الحكم بقوله: “وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”،
وبموجب حق الأخوة الإسلامية وجد المهاجرون من الأنصار الإيثار والمحبّةَ والمواساة، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال المهاجرون: يا رسول الله، ما رأينا مثلَ قومٍ قدمنا عليهم أحسنَ مواساةً في قليل، ولا أحسنَ بذلا من كثير، لقد كفَونا المؤونةَ، وأشركونا في المهنة، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كلِّه، قال: “لا؛ ما أثنيتُم عليهم ودَعَوتُمُ الله لهم”،
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن سعدَ بن الربيع قال لعبد الرحمن وقد آخى بينهما النبي صلى الله عليه وسلم:  يا أخي، إن لي مالا كثيرًا، وإنّ لي زوجتين، فخذ نصفَ مالي، واختَر أيَّ زوجتيَّ أنزِل لك عنها، فإذا حلّت من عدّتها فتزوّجها، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلّوني على السوق، فباع واشترى، فأثرى. جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوق أخوة الإسلام، ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم  ونبيهم، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة، وعلى آله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله ، من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله، أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون والمسلمات،
لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن بين المسلمين حقوقا مشتركة بنبغي إظهارها والعناية بها في قوله صلى الله عليه وسلم: “حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتّبِعه”.
وسنسعى في الجمع المقبلة إن شاء الله تعالى إلى بيانها وغيرها من الحقوق، لحاحتنا اليوم إليها، حفاظا على أخوتنا.
فاتقوا الله عباد الله، وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *