خطبة في موضوع: منهج الإسلام (2)
الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده تعالى ونشكره ونستغفره، ونستعين به ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمه للناس أجمعين، وقدوة للمؤمنين، وخاتما للمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين،
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الجمعة الماضية تكلمنا عن منهج الإسلام، الذي ارتضاه الله تعالى دينا للعالمين، ودعا إليه الأنبياء والمرسلون، والذي يرتكز على أسس أربعة، حقوق لله، وحقوق للنفس، وحقوق للعباد، وحقوق للأشياء، وتطرقنا للحقين الأوليين، وهما الأيمان بالله ربا، وما يقتضيه هذا الإيمان من الوقوف عند حدوده التي تضمنها القرآن وبينتها سنة النبي العدنان، ثم بعد ذلك المحافظة على حقوق النفس، وتزكيتها بالطاعات، وألوان القربات، وصونها عما يشينها من الخبائث والمحرمات التي تدسها في المهلكات، مصداقا لقول الله تعالى: “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها”،
واليوم نكمل الحديث عن الحق الثالث من الحقوق التي ارتكز عليها منهج الإسلام، وهو حق العباد الذي يقوم على أساس أن الناس كلهم عباد الله، وأن الكل مخلوقون من نفس واحدة، فبينهم صلة رحم إنسانية يجب عليهم أن يراعوها حق رعايتها، فلا بغي ولا عدوان على الآخرين، بل تعاون وحسن معاملة، وحب الخير للناس أجمعين، لقوله صلى الله عليه وسلم “خير الناس أنفعهم للناس”،
ومن حكمة الإسلام في هذا الحق أن جعل حق القريب أسبق من حق البعيد، وبالأخص الوالدين، فقال عز وجل: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحسانا”، وقال: “وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله”، وقال صلى الله عليه وسلم : “المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا”، ويقول أيضا في شأن الناس كلهم: “تصدقوا على أهل الإديان كلها”، ثم قال صلى الله عليه وسلم : “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.
ورابع الحقوق التي ارتكز عليها منهج الإسلام هو حق كل شيء مما خلق الله، إما حيوان أو نبات أو جماد مما يستفيد منه الإنسان، فيجب الإحسان على الإنسان رحمة ورفقا بالحيوان كيفما كان، وبالأشجار والنبات اهتماما وعناية في كل مكان، وبالماء الذي به حياة كل شيء فلا إسراف فيه ولا تبدير ولو كان المستعمل على ضفة النهر أو شاطئ البحر الكبير، اقتداء بسنة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وقول الله عز وجل: “ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين”.
جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوقهم ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم ونبيهم، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبوة والرسالة، وعلى آله وصحبه وكل من انتمى له، عباد الله ، من اتقى الله فاز برضى مولاه ومن جاءته موعظة من ربه فانتهى فأجره على الله،
أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون والمسلمات، قد علمنا أن الإسلام حدد للإنسان حقوقا تتعلق بربه، وحقوقا بنفسه، وحقوقا بالناس ، وحقوقا بما حوله من الأشياء الأخرى وما أكثرها، وجعل الإسلام بابه مفتوحا لكل من يومن به ويردد بلسانه وقلبه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ولا يعوقه عن الدخول في الإسلام لون أو جنس أو وطن أو نسب،
فالإسلام إذن هو الدين الإلهي العام الخالد الذي سيبقى ويدوم ليكون صالحا لكل زمان ومكان، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأنه لم يقم على أساس عنصري أو إقليمي أو زماني أو مكاني كما كانت الرسالات السابقة المحدودة التي عبر عنها نبينا محمد صلى الله عيله وسلم بقوله: “كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة”،
كما أن الإسلام قام على الفطرة الإلهية الدائمة التي فطر الله الناس عليها، قال عز وجل: “فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون”،
أيها الإخوة المؤمنون، هذا هو الإسلام الذي يجب أن نتمسك به، وندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة حتى يبقى وسيبقى نورا في الدنيا وسعادة في الآخرة، وتقويما لسلوك الإنسان حسا ومعنى، وتكريما للإنسان والإنسانية في الحياة وبعد الممات، وإذا كنا نعلم أنه الدين الحق الذي لا شك فيه، وأنه الطريق المستقيم الذي دعانا ربنا إلى إتباعه والالتزام به في قوله: “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون”، فلِم نصد عنه؟ ونعرض عن خطابه، ونقبل سبه ولعنه من أبنائنا؟ ولم نتقيد بقيوده وحدوده في معاملاتنا؟ ولم نأتمر بأوامره وننتهي بنواهيه في حياتنا؟، ولكنها الأهواء عمت فأعمت الإنسان وأضلته، وصدق من قال:
ونهج السبيل واضح لمن اتقى *** ولكنها الأهواء عمت فأعمت
وربنا الأكرم يقول: “يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون”،
فاتقوا الله عباد الله، وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
الدعاء…