الحلم من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، الممن على عباده ببعثة سيد المرسلين، سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، والقائل في كتابه الحكيم: “لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة”، نحمده ونشكره تعالى على فضله العميم.
ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمدا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في الجمعة الماضية تعرفنا على بعض الجوانب من أخلاق رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، التي ينبغي على المسلم أن يتصف و يتأسى بها، واليوم ننتقل بكم إلى سلوك وأخلاق رفيعة من أخلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خلق العفو الحلم الذين تميز بهما حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وضرب لنا من خلال سيرته وسلوكه أروع الأمثلة في ذلك.
والحلم أيها الإخوة المؤمنون حالة توقر وثبات عند الأسباب المحركات، والإحتمال حبس النفس عند الآلام والمؤذيات، والعفو يكون عند المقدرة بعد صدور ما يكره من الإنسان وبعد التمكن من الإقتصاص، وكل هذه المعاني خوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى مؤدبا إياه ومؤدبا لأمته من بعده: “خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين”، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية سأل جبريل عليه السلام عن تأويلها فقال له حتى أسأل العالم ثم ذهب فأتاه فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
أيها المؤمنون، حتى نكون عمليين في تعاملنا مع شمائل وأخلاق حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، تعالوا بنا نقلب صفحات سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ونختبر هذا الخلق، فعن أم المؤمنين عائشة الصديقية رضي الله عنه قالت: “ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها”.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقا شديدا، وقالوا له لو دعوت عليهم فقال صلى الله عليه وسلم: “إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة، الهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”، انظر أخي هل يستطيع أحدنا اليوم أن يفعل مثل النبي صلى الله عليه وسلم فيعفو عمن ظلمه وجهل عليه، بل ويدعو له بالخير عل الله أن يهديه لسواء السبيل؟، فإن كنت تستطيع ذلك فأنت حقا من أمة سيد المرسلين، وإلا فبادر أخي ولنبادر جميعا بدون استثناء لمجاهدة أنفسنا حتى تستقيم على هذا الخلق تأسيا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وإليك هذه النماذج من حلم وعفو النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: “كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية فجبذه أعرابي بردائه جبذة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، ثم قال : يا محمد احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مال أبيك، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: “المال مال الله، وأنا عبده”، ثم قال: ويقاد منك يا اعرابي ما فعلت بي” قال لا، قال لم؟ قال: لأنك لا تكافئ بالسيئة السيئة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر أن يحمل له على بعير شعير وعلى الآخر تمر”.
وجاءه زيد بن السعنة قبل إسلامه يتقاضاه دينا عليه، فجبذ ثوبه عن منكبه وأخذ بمجامع ثيابه وأغلظ له ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب مطل، فانتهره عمر وشدد له في القول والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر، تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن التقاضي”، ثم قال: “لقد بقي من أجله ثلاث”، وأمر عمر أن يقضيه ماله ويزيده عشرين صاعا لما روعه فكان حلم النبي صلى الله عليه وسلم سبب إسلامه، وذلك أنه كان يقول ما بقي من علامات النبوة شيئ إلا وقد عرفتها في وجه محمد إلا اثنتين لم أخبرهما: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل إلا حلما، فاختبرته بهذا فوجدته كما وصف. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
من خلال هذه الأحداث التي وقعت لحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم تجدون أن صفة العفو والحلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لها أثر كبير في نفوس الناس، بدويهم وجاهلهم، مسلمهم وكافرهم، بل إن مواقف الحلم التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم جعلت الكثير من الناس يدخلون في دين الإسلام رغبة وعن طواعية، لأن هذا الدين الذي يأمر بهذه الأخلاق السامية من الحلم والعفو أحق أن يتبع.
ولكن ما لنا اليوم نجد المسلمين هم أكثر الناس ابتعادا عن إشاعة هذا الخلق بينهم، لا يتسامحون، ولا يغفرون لإخوانهم أمورا هي من أبسط الأشياء، بل إذا نظرنا في كثير من الجرائم المعروضة على محاكمنا اليوم نجد أن سببها أمورا بسيطة لم يتخلق أصحابها بخلق التسامح والصفح وغض البصر وكف السمع عن كلمة أو حركة من أخ أو أخت لم يتشبع بعد بأخلاق الإسلام، وقديما قيل: لو تصالح الناس لاستراح القاضي.
إننا أيها الإخوة المؤمنون في أمس الحاجة اليوم لمراجعة سلوكنا وأخلاقنا والتأسي في معاملاتنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أحوجنا اليوم لنشر خلق العفو فيما بيننا، وما أحوجنا اليوم للحلم عن الجاهلين من إخواننا الذين لم يتشبعوا بأخلاق الإسلام، واعلموا إخواني، أننا جميعا سفراء الإسلام، وكل هفوة صغيرة أو كبيرة من أحدنا فإنها تثلم في الأمة ثلمة يتخذها أعداؤنا ذريعة ضدنا، ويلمزون من خلالها دين الإسلام وأتباعه، فإياك ثم إياك أخي المسلم وأختي المسلمة أن تكون أنت المطية التي يتخذها أعداء الإسلام للنيل من ديننا، انطلاقا من سلوكنا المخالف لنهج وسيرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الدعاء…