من أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم

الحمد لله القائل في محكم الذكر الحكيم: “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عندتم  حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”، نحمده تعالى ونشكره على ما أولانا من نعم وهو العلي العظيم،

ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو رب العرش الكريم، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الممدوح بقوله تعالى: “وإنك لعلى خلق عظيم”،  صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمومنات. إنه كلما هلت علينا ذكرى مولد النبي الأمين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، نجد أنفسنا في أمس الحاجة إلى الجلوس خاشعين، في ظلال السيرة النبوية العطرة، لنستمع في أدب وروية إلى جانب من الجوانب المتعددة من حياة نبينا الصادق الأمين المبعوث رحمة للناس أجمعين صلى الله عليه وسلم لنجدد العهد بسيرته، ونطهر النفس من كل شائبة تتعلق بالشك في نبوته، حتى نعيش في هذه الدنيا أعزاء كرماء، ونلقى الله تعالى في دار البقاء سعداء.
سنقتصر في خطبة اليوم على أهم الجوانب وأعظمها شأنا ألا وهو الجانب الخلقي الذي كان يتعامل به مع أهله ومع أصحابه ومع أعدائه، للتأسي به. فقد كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أهله تدل بحق وبصدق على الخلق الحسن الذي عبر عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه بقوله: “كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا”، فقد نشأ صلى الله عليه وسلم يتيما لم ير أباه، ومع ذلك ظل يذكر أباه عبد الله بن عبد المطلب، من كثرة ما كان يستمع إلى أمه حينما كانت تحدثه عن أبيه، وظل يذكر أمه آمنة بنت وهب التي ماتت بالأبواء عندما كانت عائدة به من زيارة قبر أبيه، وهو مازال صغيرا، ويرى في ذكرها شعورا يصل به إلى أرقى عواطف الرحمة والبر، وكان صلى الله عليه وسلم يزيد من ذكرها حينما كان مع حاضنته (أم أيمن) بركة الحبشية التي حلت محل أمه بعد وفاتها، حتى بلغ من أمره صلى الله عليه وسلم مع حاضنته أنه كان يقول عنها:”هي أمي بعد أمي”،
كما تجلى خلقه الكريم في صغره وكبره مع مرضعته وحاضنته حليمة السعدية التي كانت ترى دائما الخير بين يديه مما جعلها تعمل على بقائه عندها حتى يظل الخير وتبقى البركة في بيتها، وذلك أنه لما بعث بالرسالة المثلى جاءته حليمة السعدية مع وفد من قومها بني سعد لزيارته، فخلع لها رداءه وأجلسها عليه بجانبه، ووضع يده من تحت ثوبها على صدرها كما يفعل الصبيان دائما مع أمهاتهم، مستشعرا بذلك صلى الله عليه وسلم حنوها عليه وعطفها على جانبه،
وبعد وفاة أمه كفله جده عبد المطلب ثم لما مات كفله عمه أبو طالب الذي حافظ عليه وزاده من إكرامه مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم  يستشعر هذا الحنان، وهذه الرعاية التي أثرت في نفسه  تأثيرا عميقا، الشيء الذي جعله يعترف لصاحب الفضل بفضله ويحاول رده بأفضل منه، فحينما تزوج من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، واستقر به الحال معها ضم إليه ابنا من أبناء عمه أبي طالب وهو علي كرم الله وجهه، وبلغ من معاملة الرسول له مبلغا عظيما حتى كان أول من أسلم من الصبيان.  ولم يكن صلى الله عليه وسلم يميل إلى ما يميل إليه الشباب من اللهو واللعب، بل كان من خلقه الكريم يحب العمل صغيرا وكبيرا، وقال صلى الله عليه وسلم “بعث أخي موسى وهو راعي الغنم، وبعثت وأنا راعي الغنم، وما من نبي نبي إلا ورعى الغنم”.
وعمل كذلك في التجارة وكان نجاحه فيها كبيرا، وكان صلى الله عليه وسلم أنعم الزوج لزوجاته، وذلك بسبب حسن معاشرته وبره بأهله، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”، فكان يساعد أهله في عمل البيت لما روته أمنا عائشة الصديقية عندما سئلت عن ذلك فقالت رضي الله عنه:”كان بشرا من البشر، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب شاته، ويعمل ما يعمل الرجال في بيته، فإذا حضرت الصلاة خرج”، وكان صلى الله عليه وسلم إذا غضب مع زوجاته لم يخرجه غضبه عن الخلق الكريم الذي تحلى به، فعن أمنا عائشة رضي الله عنه أنها قالت: “أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها له، وهي لحم يقطع قطعا صغيرة ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق، وقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها، كلي فأبت فقلت لها: لتأكلن أو لأطلخن به وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة فلطخت بها وجهها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم”،
هكذا ظل صاحب الخلق العظيم يعامل أهله بالخلق الكريم إلى النهاية.  أما خلقه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه  فلا يستطيع أن يصفه الواصفون مما نتج عن ذلك الحب المكين، والنجاح الباهر المشرف للدعوة الإسلامية، وهذه بعض النماذج الطيبة من معاملته لأصحابه صلى الله عليه وسلم ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك أحاسيس أصحابه، وكأنه يقرأ ما في قلوبهم بمجرد النظر إليهم، فمن ذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول: “والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمر ولم يفعل، ثم مر أبو القاسم  صلى الله عليه وسلم فعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال: أبا هريرة قلت لبيك يارسول الله فقال ألحق، ومضى فتبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي فدخلت فوجد لبنا في قدح فقال: من أين لكم هذا اللبن؟ فقالوا أهداه لنا فلان أو آل فلان، قال: أبا هر، قلت لبيك يا رسول الله، قال: انطلق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لم يأووا إلى أهل ولا مال، إذا جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية أصاب منها وبعث إليهم منها، وإذا جاءته صدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها، قال: وأحزنني ذلك وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة، أتقوى بها بقية يومي وليلتي، وقلت، أنا الرسول، فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم وقلت: ما يبقى لي في هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بد، فانطلقت فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فأخذوا مجالسهم  من البيت ثم قال: أبا هر خذ فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيهم فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد على صاحبه حتى أتيت على آخرهم، ودفعت القدح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه وقد بقي فيه فضلة، ثم رفع رأسه ونظر إلي وابتسم، وقال: أبا هر بقيت أنا وأنت فقلت: صدقت يا رسول الله، قال: أقعد فاشرب، قال: فشربت ثم قال لي اشرب، فشربت فما زال يقول لي اشرب وأنا أشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له في مسلكا، فقال صلى الله عليه وسلم فناولني القدح فرددته إليه فشرب من الفضلة. وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يرفض أن يتميز على أصحابه، ومن ذلك أنه كان مرة في سفر مع جماعة من أصحابه، ، فلما حان موعد الطعام عزموا على إعداد شاة يأكلونها، فقال أحدهم علي ذبحها، وقال الآخر علي سلخها، وقال الثالث: علي طبخها، فقال صلى الله عليه وسلم: وأنا علي بجمع الحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك العمل، فقال صلى الله عليه وسلم علمت أنكم تكفونني ولكنني أكره أن أتميز عليكم، وإن الله يكره عبده أن يراه متميزا بين أصحابه.
لقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الأخلاق، والنموذج الحي الذي يجب أن يتبع ، قال الله تعالى: “لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة”.
فاللهم ألهمنا رشدنا واهدنا إلى اقتفاء أثر رسولنا، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبــة الثانـيـة
اعلموا أن من أهم عوامل نجاح الدعوة الإسلامية حسن المعاملة، تلك المعاملة الحسنة التي كان يعامل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداءه وأصدقاءه على السواء، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما شرع يدعو الناس إلى الإسلام لقي من الأعداء ما لا يستطيع تحمله إنسان غيره، ولكنه صبر وصابر وثابر حتى بلغ رسالة ربه وأدى أمانة خالقه، الملقاة على عاتقه، فكان لا يقابل السيء بالسيء، ولكن كان يقابل السيء بالحسن، ويعفو ويصفح، ويقول: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون”، هذه إخواني لمحة من اللمحات سريعة عن الجانب الخلقي العظيم، لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سقناها لكم بهذه المناسبة للعظة والإعتبار، والعمل على تطبيق ما جاء به خير البشر من دين قيم يهدي إلى الرشد وإلى العمل الصالح لخيري الدنيا والآخرة، والله يوفقنا وإياكم إلى التمسك بشريعته، واتباع سنته، والتحلي بأخلاقه، وأكثروا إخواني من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد المرسلين.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *