خطبة عيد الأضحى 1435
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ،
الله أكبر ما ازدلف الحجيج إلى بيت الله الحرام، وجددوا البيعة عند الزمزم والمقام،
واستغفروا مولاهم الكريم التواب الرحيم الرحمان.
الله أكبر ما أحدقوا بالبيت الحرام طائفين لائذين ملتجئين.
الله أكبر ما ارتفعت أكف الذّل والافتقار إلى سماء الرحمة الإلهية، الله أكبر ما هطلت الدموع من مآقيها الداخلية.
الله أكبر من عصيان العاصين، الله أكبر من إعراض المعرضين عن مولاهم القوي المتين.
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد: فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:”إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر”، أي إنا أعطيناك الخير الكثير، ومنه نهر في الجنة، فداوم على الصلاة المفروضة وكذا صلاة العيد، شكرا لله على نعمه، وانحر ذبيحتك باسم الله ولله، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم نحر وضحى في حجة الوداع بمائة بدنة، ثلاثا وستين بيده الكريمة، وأمر سيدنا علي رضي الله عنه فنحر الباقي من تمام المائة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أهل السنن:” أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر”، ويوم القر هو يوم الحادي عشر، لأن الحجاج يستقرون في منى.
أيها الإخوة الكرام، هذا يوم عظيم من أيام الإسلام، يوم عيد الأضحى المبارك، يوم تهليل وتكبير وتحميد، يوم إظهار الشعائر بذبح الأضاحي تعظيما لشعائر الله، هذه الأيام أيام تواصل وحب وعطاء، والعيد يذكرنا في لفظه ومعناه بالعائدة، والعائدة هي المعروف والإحسان، ومن صفات الله تبارك وتعالى: أنه المبدئ المعيد، أي الذي يبدأ بالفضل ثم يعيده، والأعياد أيام معلومة تمر على الأمة فتتلقاها لقاء خاصا لارتباطها بما تحبه وتجله من ذكريات عزيزة أو عقائد كريمة، ويوم العيد يوم ملحوظ في السنة، مذكور على الألسنة مجموع له الناس، يتلاقون فيه على فرحة وبهجة، ويتبادلون فيه تحية وتهنئة، ولا عيب على المسلم إذا أخذ حظه من الفرح في مواطن البهجة، أو أبدى سروره في مقامات السرور، ولكن يحسن به أن يكون مقتصدا معتدلا في فرحه وسروره، فلا يسرف ولا يشتط بل يتوسط ويقارب، فهذه الأيام أيها الإخوة والأخوات، أيام تضحية ومودة أسرية، فيها توصل الأرحام، ويتبدل الخصام إخاء بين المسلمين، وهو يوم الأرحام يجمعها على البر والتقوى، ويوم الأصدقاء يجدد فيهم أواصر القرب ودواعي الحب، ويوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها وأحقادها وخصوماتها، فتجتمع بعد افتراق وتتصافى بعد كدر وتتصافح بعد انقباض، فلا تشرق شمس العيد إلا والبسمة تعلو كل الشفاه والبهجة تغمر كل الأفئدة، ولا معنى لفرحة العيد، ولا يمكن أن ندرك أفضال العيد إذا كان يوجد فينا من يقاطع أهله وذويه وأرحامه والمسلمين، لأي سبب من الأسباب، والجدير بالمسلم أن يحسن المزج في الأعياد بين اللهو الطيب والتعبد الحميد، وبين الإقبال على الراحة، وعدم الغفلة عن واهب النعم ومصدر الكرم جل جلاله، فكيف شرع لنا هذا العيد؟ وماهي باختصار أهم العبر المستخلصة من قصة الذبيح إسماعيل مع والده إبراهيم عليه السلام؟ وماهي أحكام الأضحية؟ وماهي بعض أولوياتنا في هذه الأيام؟.
أيها الإخوة الكرام، تذكر كتب التاريخ والسير أن سيدنا إبراهيم عليه السلام، عندما أعياه الأمر ولم يجد فائدة من دعوته لقومه، قال فيما يحكيه عنه الله عز وجل:” وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ”، أي ذاهب لنصرة دينه، وإلا فربُّه موجود معه وفي كل مكان، ومقصوده الذهاب حيث يجد مَنْ يسمعه ويستجيب لدعوته، وما دام ذاهباً إلى ربه سَيَهْدِيه لا محالة إلى المقام الطيب المناسب لدعوته، ثم بعد ذلك قال سيدنا إبراهيم يدعو ربه:” رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ”، أي: هَبْ لي ذريةً صالحةً مؤمنة، ونبيُّ الله أيها الإخوة والأخوات، حين يتمنى الذرية لا يتمناها لتكون ذِكْرى أو عزوة أو امتداداً ينتقل إليه الميراث، فالأنبياء يريدون الولد ليَحمل رسالتهم، وليكون نموذجاً إيمانياً يرثهم في دعوتهم، وتمعنوا جيدا في الآية، فهو لم يقل: رب هَبْ لي الصالحين، فأراد من ذريته مَنْ هو صالح من ضمن صلاح غيره، فهو يريد الصلاحَ لذريته وللآخرين؛ لذلك أجابه ربه مباشرة بعد ذلك بقوله:” فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ”، وكان له من العمر ست وثمانين سنة، والحليم هو الذي لا يستفزه غضب، ويتحمل الأمور على مقدار ما تطيب به أخلاقه، وتمعنوا ودققوا أيضا في قوله سبحانه: “فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ”، فالبُشْرى بالشيء تكون قبل وجوده، فوصفه الله بأنه سيكون حليماً وهو ما يزال غلاماً، وذلك يعني بأنه سيجمع الوصفين معاً، لأن الحِلْم عادة ما يتكوَّن لدى الرجل الواعي الذي يستطيع تقدير الأمور، فالميزة هنا أن يتصفَ الغلامُ بالحِلْم في صغَره، وفعلاً ظهر حِلْم هذا الغلام في أول اختبار يتعرَّض له، حين قال له أبوه: “يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَى”، تأملوا ماذا قال الغلام، وأبوه يريد أنْ يذبحه، “قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ” ،هذا هو الحِلْم، يتجلَّى منه وهو غلام، ثم قال عز وجل:” فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ”، أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه، فبلوغه السَّعْي دلَّ على أن البشارة تحققتْ، فلما بلغ الغلامُ هذا المبلغَ، قَالَ سيدنا إبراهيم عليه السلام :” يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ” والمعنى: أرى في المنام أنه مطلوب مني أنْ أذبحَكَ، لا أنَّ الذبح تَمَّ في المنام وانتهت المسألة، بدليل رَدِّ إسماعيل: “قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ”، وتأمَّلَوا هنا الحلم على حقيقته، وعظمة الرد في هذا الامتحان الصعب، “قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ”، ولم يقُلْ: افعل ما تريد، لأن طاعته لأبيه هنا من باطن طاعته لله تعالى وامتثاله لأمر ربه، فهو يدرك تماماً أن أباه مُتلَقٍّ الأمر من الله، وإنْ جاء هذا الأمر في شكل رؤيا، فهو يعلم إذن رغم صِغَره أن رؤيا الأنبياء وَحْيٌ حَقٌّ، وتأملوا أيضا في مناداة سيدنا إبراهيم عليه السلام لولده : ” يٰبُنَيَّ ” هكذا بالتصغير، فلم يقل يا ابني، فقد أوثقه الحنان الأبوي، وعرض عليه هذا الابتلاء، وهو مشحون بعاطفة الحب لولده والشفقة عليه، لأنه ما يزال صغيراً، ومعلوم أن حنان الوالد يكون على قَدْر حاجة الولد، وقول سيدنا إبراهيم: “فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ”، يعني فكِّر وتدبَّر في هذه الرؤيا، فكأن الصغير في هذه المسألة مطلوب منه أمران: بر بأبيه، وبرُّ بربِّ أبيه، فماذا قال؟، “قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ”، فقوله: ٱفْعَلْ، برّ بأبيه، وقوله: مَا تُؤمَرُ، برٌّ بربِّ أبيه، ثم يؤكد سيدنا إسماعيل رغم صغَره فهمه لهذه القضية، وإدراكه لهذا الابتلاء، فيقول: “سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ” ،” فَلَمَّا أَسْلَمَا” أي استسلما معا لأمر الله وأذعنَا لحكمه وسلَّم كلٌّ منهما زمام حركته في الفعل لربِّه، فإبراهيم همَّ بالذبح، وإسماعيل انقاد، وقال لأبيه سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ، والابتلاء في حَقِّ سيدنا إبراهيم عليه السلام كما ترون أيها الإخوة والأخوات ابتلاءٌ مركَّب هذه المرة، فقد ابتُلِيَ في شبابه حين أُلْقي في النار فنجح في الابتلاء، أما هذه المرة فالابتلاء وهو شيخ كبير، جاءه الولد على كِبَر، فهو أحبُّ إليه من نفسه ويُؤمَر بقتله، والابتلاء ليس بأن يموت الولد، إنما أنْ يذبحه أبوه بيده لا بشخص آخر، ويذبحه بناءً على رؤيا لا بأمر صريح، فقد اجتاز إبراهيم وولده هذا الابتلاء بنجاح، واستحق عليه السلام أن يقول الله في حقه في آية أخرى :”إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّة”.
ثم قال تعالى بعد ذلك: وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ” يعني: ألقاه على وجهه، أو على جنبه، قالوا: كان ذلك بمشورة الولد، حتى لا يرى أبوه وجهه ساعةَ يذبحه، فتأخذه الشفقة به فلا يذبح، وكأن الولد يُعين والده ويساعده على إتمام الأمر، وهكذا ظهر الاستسلام واضحاً، فالولد مُلقىً على الأرض، والوالد في يده السكين يحاول بالفعل ذَبْح ولده، وأيّ ولد؟ ولده الوحيد الذي رُزِق به على كِبَر، واحتضن إبراهيم إسماعيل وهما يبكيان وقال له: نعم العون أنت يا بني على أمر الله، وشد وثاقه وأمر بالسكين على حلقه، ولكن السكين لم تذبح ولم ترق دما ولم تفعل شيئا، ولما وصل إبراهيم وولده إلى هذه الدرجة من الاستسلام لله، ناداه الله وقد جاء الفرج:” وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ”، يعني ارفع يدك يا إبراهيم عن ذبح ولدك الوحيد، فما كان الأمرُ إلا بلاءً مبيناً واضحا قاسيا عليك أنت وولدك،” وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ”، وهو الكبش الذي أنزله الله، فِداءً لإسماعيل، كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا، فذبحه بالسكين نفسها، تأملوا أيها الإخوة الكرام، إن السكين ذبحت الكبش ولم تذبح إسماعيل، كما لم تحرق النار إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، إن السكين لا تقتل إلا بأمر الله، وإن النار لا تحرق إلا بأمر الله، ولو شاء الله لذبحت السكين إسماعيل، ولأحرقت النار إبراهيم عليهما السلام، وبذلكم استحقَّ سيدنا إبراهيم هذه المنزلة في جميع الأمم من بعده أنْ يُسلِّموا عليه كلما ذُكِر، فقال تعالى:” سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ”، فلو ذبح إبراهيم ولده لَصارتْ سنةً من بعده أنْ يتقرَّب الإنسان إلى الله بذبح ولده، لكن لما صبر سيدنا إبراهيم واستسلم لأمر ربه جاءه الفرج من الله وعُوفي وولده من هذا البلاء، وعُوفينا جميعاً معه من هذه المسألة، فكلما ذُكِر قلنا: عليه السلام، لأنه حمانا من هذا الموقف الصعب، وقوله:” كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ “، وكذلك كما فعلنا مع إبراهيم نجزي كل مُحسن، والمحسن هو الذي لا يقف عند حَدِّ الواجب المطلوب منه، إنما يتعدَّاه إلى الزيادة من جنس ما فُرِض عليه وكُلِّف به، فماذا كان الجزاء؟ كان الجزاء أن أفدى الله إسماعيل من الذبح فعاش، ثم زاده الله فأعطاه إسحاق،” وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ”، فهو أيضاً نبي، وفي آية أخرى قال سبحانه:” وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ”، ويعقوب أيضاً نبي. إذن: كلُّ هذا الخير جاء ثمرة الاستسلام لله تعالى والرضا بحكمه، فاستسلموا لله عباد الله وارضوا بحكمه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر ما تحركت المخلوقات وسكنت، ولبت الحجيج وعجت،
الله أكبر ما عظمت لله الشعائر، وطاف بالبيت العتيق حاج ومعتمر وزائر،
الله أكبر ما وقف الحجيج بعرفات وتنزلت عليهم من الله الرحمات،
الله أكبر في كل زمان ومكان، وفي كل حال وآن.
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى:”والبدن جعلناها لكم من شعائر الله”،أي من أعلام الدين.
أيها الإخوة الكرام، إن مما يستحسن التذكير به في مثل هذا اليوم العظيم بعض الأحكام المتعلقة بالأضحية خصوصا تلكم التي سنحتاج إليها في هذا اليوم وأيام العيد الثلاثة القادمة، فالأضحية في مذهبنا المالكي سنة واجبة أي مؤكدة، ويكره تركها للقادر عليها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والحاكم:”من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا”، والقادر عليها أيها الإخوة والأخوات هو الذي لا يحتاج إلى ثمنها لأمر ضروري في عامه، ولو استطاع أن يستدين استدان ولكن بالطرق الحلال، والحكمة من تشريعها أيها الإخوة الكرام هو شكر الله على نعمه المتعددة، وعلى بقاء الإنسان من عام لعام، ولتكفير السيئات عنا.
والأضحية بهذا قربة إلى الله وعبادة تحتاج إلى الإخلاص لله تعالى، وتصحيح النية، إذ لا يجوز أن تكون مباهاةً وافتخارا على الناس والجيران، فكل مضح ينبغي أن ينوي التقرب إلى الله تعالى بذبح أضحيته، وحتى عندما يختار السمينة الحسنة ينبغي أن يكون اختياره نابعا من نية التقرب بالأفضل الأحسن إلى مولاه وخالقه، والسمينة أفضل من غير السمينة، لقول الله عز وجل: “ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه الأضاحي؟ قال: “سنة أبيكم إبراهيم” قالوا: مالنا منها؟ قال: “بكل شعرة حسنة”، قالوا: فالصوف؟ قال: “بكل شعرة من الصوف حسنة”، واعلموا أن وقت ذبح الأضاحي بعد الانتهاء من صلاة العيد، ويمتد إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، ومن ذبح قبل الصلاة فهي شاة لحم وليست بأضحية، ولم يصب سنة المسلمين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :” من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح”، ومن السنة أن يذبح المسلم أضحيته بيده، فإن كان لا يحسن جاز له أن ينيب عنه، ولكن عليه أن يشاهدها، روى الإمام البزار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها أن يُغفر لك ما سلف من ذنوبك ـ قالت: يا رسول الله ! ألنا خاصة أهلَ البيت أو لنا وللمسلمين! قال: بل لنا وللمسلمين”، ويستحب في مذهبنا المالكي أن يجمع المضحي بين الأكل من الأضحية والتصدق والإهداء، وليس في الجمع بين الأمور الثلاثة في المشهور عند المالكية حد مقدر في ذلك بثلث ولا بغيره، يقول صلى الله عليه وسلم في المتفق عليه: “كلوا وأطعموا واذخروا” وفي رواية: “كلوا واذخروا وتصدقوا”.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
أيها الإخوة الكرام، إن مما نلاحظه في مناسبة عيد الأضحى ويحسن التنبيه عليه أن بعض الناس يلقون بالأزبال وبقايا الطعام، سواء منه الذي كان يقدم قبل العيد لأضحياتهم، أو تلك البقايا الناجمة عن آثار الذبح وشواء رؤوس الأضاحي وغيرها، في الشوارع والأزقة وقارعة الطريق، دون التفضل بوضعها في الأكياس وصناديق جمع الأزبال الموضوعة رهن إشارة السكان، مما يسيء إلى الساكنة وجمالية المدينة ويرهق كاهل إخواننا الشرفاء المكلفين بجمع النفايات،
وإن الواجب علينا تدينا واجتماعيا وإنسانيا وذوقا العمل على العناية ببيئتنا ورعايتها، والحفاظ عليها وصيانتها من كل ما يلوثها ويضر بها، أو يسيء إليها بكيفية أو بأخرى، حتى يتمكن الجميع من الانتفاع بها انتفاعا سليما كما أراده الله عز وجل لعباده، وهذه أمور ينبغي أن تكون أصيلة فينا يتعاون الجميع على أدائها،
وإن التعاون على نظافة بيئتنا في هذه الأيام المباركة وفي غيرها من الأيام، يعتبر من البر الذي أوصانا الله تعالى بالتعاون عليه في قوله سبحانه:” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ومعصية الرسول”، ويعد من شعب الإيمان التي ندبنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التحلي بها في قوله: “الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق”، وهنا كذلك يحسن التنبيه على ضرورة تنظيف مكان الذبح والأدوات المستعملة بواسطة المواد المنظفة الضرورية، وواجب دفن كبد ورئة الأضحية المصابة بمرض حتى تبقى بعيدة عن متناول الحيوانات الأليفة،
ولا أنسى أن أذكركم جميعا آباء وأمهات بواجبنا اتجاه فلذات الأكباد وهم في بداية الموسم الدراسي الجديد، وهم كما تعلمون عمادُ الأمة وسبيلُ نهضتها، وذلك بأن نحثهم بحكمة على العلم والتعلم والانصراف إلى النهل من العلوم النافعة التي تعود عليهم وعلى بلادهم بالخير والنماء، ونتابعهم بالتزام في كل ذلك، وليعرف كل واحد منا واجباته في المساهمة في إنجاح العملية التعليمية، سواء كان تلميذا أو والدا أو والدة أو مدرسا ومربيا أو مشرفا على إحدى المدارس والمؤسسات التعليمية، ولنحرص أن يتحلى أبناؤنا التلاميذ بالخصال المهمة التي يحتاجونها في تحصيلهم للعلم، وتتمثل في مجموعها في الصبر وعلو الهمة والجلد والمثابرة والبذل والتقوى، واحترام وتقدير هيئة التعليم والتكوين، فلا معنى ولا مبرر لنا وقد دخلنا في الشهر العاشر والموسم المدرسي لازال لم ينطلق بعد بأكثر مدارسنا التعليمية، كما أنبه الجميع إلى أهمية إنجاح برنامج محاربة الأمية، الذي يشكّل حقاً من حقوق الإنسان وأداة لتعزيز القدرات الشخصية وتحقيق التنمية البشرية والاجتماعية في بلادنا، وهو عامل ضروري للقضاء على الفقر والهشاشة ومواجهة كافة التحديات الضاغطة على مستوى التنمية، فليحرص كل واحد منا على حث من تحت مسؤوليته من الأميين على ضرورة الانخراط الجاد في هذه العملية الهادفة، والحمد لله رب العالمين، وأكثروا من الصلاة والتسليم على ملاذ الورى وخير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وامتثلوا قول ربنا عز وجل :”إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد،
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة رسول الله أجمعين، وعن آل بيت رسول الله أجمعين، اللهم أكرمنا بمحبتهم واقتفاء نهجهم، واجزهم عنا وعن الإسلام أحسن الجزاء،
اللهم انصر مولانا أمير المؤمنين محمد السادس، اللهم يارب وفقه لكل خير واحفظه من كل شر، وكلل يارب أعماله التنموية بالنجاح، وارزقه السلامة في الحل والترحال، واجزه عن المغرب والمغاربة كل خير، وهيأ له بطانة الخير التي تعينه على صلاح البلاد والعباد، ومتعه يارب بالصحة والسلامة والعافية، وأعد عليه مناسبة عيد الأضحى أعواما عديدة باليمن والخير والهناء، واحفظه اللهم في ولي عهده مولاي الحسن، وشد أزره بأخيه مولاي رشيد، واحفظ يارب سائر أسرته الملكية الشريفة، إنك سميع قريب مجيب،
اللهم آمننا في أوطاننا، واجعل اللهم كيد الأعداء والأشرار والحاقدين في نحورهم، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم ،اللهم ارزقنا عاما مباركا تنبت لنا فيه الزرع وتصلح لنا فيه الضرع، اللهم أغث عبادك وبلادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحيي بلك الميت، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم ارزقنا خيرات الأمطار وبراكاتها واحفظنا من شرورها وأضرارها،
اللهم تقبل منا هذه النسك والقربات والأضاحي على التمام والكمال، وتقبل منا صوفها ودمها واجعله يارب في الميزان المقبول عندك، اللهم آمن حجاجنا في المناسك كلها وردهم إلينا سالمين غانمين، اللهم يا رب كن لضعفاء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها،
اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم إنك تعلم حاجاتنا فاقضها، وتعلم ذنوبنا فاغفرها، وتعلم عيوبنا فاسترها، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،
اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.