كيف ينبغي أن يتعامل الشباب مع الشهوة؟
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (والذين لا يدعون مع الله إلاها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهان).
أيها الإخوة الكرام، تتمة لما بدأناه في الخطب الماضية، حيث تطرقنا لمواضيع تتعلق بملامسة بعض قضايا الشباب، فإننا في خطبة هذا اليوم المبارك سنتابع الكلام عن بعض الإشكاليات المؤرقة لهذه الفئة، حيث سنتناول أربعة قضايا ذات قاسم مشترك واحد وهو كيفية التعامل مع الشهوة في فترة الشباب، وبذلك سنعرف جزاء المنساق وراء شهوته ومختلف المخاطر التي تنتظر من انساق وراء شهوته، ومفهوم الحرية في الإسلام، وإشكالية الجمع بين طاعة الله وحب الشهوات، وتقليد الآخر في المجاهرة بالفواحش.
بداية وفيما يتعلق بجزاء المنساق وراء شهوته أقول: إن المنساق وراء شهوته ينتظره عذاب في الدنيا وعذاب في القبر وعذاب في الآخرة، وثمة أحاديث كثيرة صحيحة تؤكد ذلك، والخطر كل الخطر في اتباع خطوات الشيطان، حيث يحاول الكثير من الشباب جهدهم في الابتعاد عن الشهوات لكن سرعان ما يجدون أنفسهم منجرين لتلبية داعي الشهوة، فما السبيل إلى ردع الشهوات؟ الملفت للنظر أيها الإخوة والأخوات أن الآيات الكريمة التي تنهى عن الفاحشة تنهى عن الاقتراب من الفاحشة، لأن طبيعة هذه الشهوة متميزة، فعندما يبدأ الإنسان بأول الخطوات، فلابد أن يقاد إلى النهاية الحتمية، لذلك قال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا)، ويقول أيضا: (إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا).
شيء آخر ينبغي أن يعلمه الشباب، وهو أن الشيطان يجعل من المرأة أهمّ حبائله، وقد ورد أن النساء حبائل الشيطان، وأنه واثق من هذا الفخ الذي ينصبه للمؤمن، روى الإمام البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ).
أيها الإخوة الكرام، وبخصوص مفهوم الحرية في الإسلام أقول باختصار: يخطئ الكثيرون عندما يظنون أن الإسلام عندما حرم هذه الشهوات المحببة إلى نفوسنا، يكون قد حد من حريتنا التي جبلنا عليها، ولكي يتوضح هذا الأمر أكثر أحب أن أضرب المثال التالي: أنت أيها الشاب حينما تمشي في مكان مفتوح، وتقرأ لوحة مكتوب عليها: ممنوع التقدم، هنا يوجد حقل ألغام، فإنك حتما لاتجد حقداً في نفسك على من وضع هذه اللوحة، بل لعلك تشكره عليها، وهذه اللوحة لم تحد من حريتك، بل ضمنت سلامتك، وفرق كبير بين من يفهم حدود الشرع حدوداً لحريته ومن يفهمها ضماناً لسلامته.
أيها الإخوة الكرام، وفيما يتصل بإشكالية الجمع بين طاعة الله وحب الشهوات، أقول: إن قلب العبد وعاء لايخلو من محبوب يرجى ويخاف فواته، والضدان لايجتمعان، قال تعالى:”ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه”، هذه حقيقة ثابتة، فإذا امتلأ القلب بحب الشهوات فليس فيه مكان للطاعات، وإذا امتلأ القلب بحب خالق الأرض والسماوات فليس فيه مكان للشهوات، والذي ينبغي أن يعرف هنا أن الإنسان مسموح له بممارسة الشهوة التي سمح الله بها في حدود الضوابط الشرعية، وأنه ليس في الإسلام حرمان، يقول عز وجل:”فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى “، ويقول سبحانه: “ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله”، والمعنى المخالف: أنه من يتبع هواه وفق منهج الله عز وجل فلا شيء عليه.
بقي أن أشير إلى مسألة تقليد الشباب للآخر في المجاهرة بالفواحش في الشارع وأمام الملأ أحيانا، يقول عليه الصلاة والسلام ، وكأنه حاضر معنا في زماننا هذا، وهذا الذي يخبرنا عنه من علم الغيب، وعن المستقبل، وعن آخر الزمان، وعن أشراط الساعة مما أعلمه الله به، فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يعلن بذاته إلا أن يعلمه الله، روى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا…” وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي زمان ستظهر فيه الفاحشة المعلنة، فاحذروا أن تقلدوا أصحاب الشذوذ الجنسي والمثليين، والذين يتفاخرون واللائي يتفاخرن بالزنا، والذين تأخذهم العزة بالإثم، فالفاحشة قد ترتكب، أما حينما تصل إلى درجة الإعلان عنها، وأن يفتخر بها، كأن توضع إشارة في أذن الشاب على أنه منحرف، ولكن للأسف أن الكثير من شبابنا لا يعلمون ذلك، لا يعلمون أن ثقب الأذن أو الأنف أو الشفة أو حلق الرأس بطريقة معينة كل ذلك عند الغربيين يشير إلى مظهر معين من مظاهر الانحراف. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد فيا عباد الله، روى ابن ماجه بسنده عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا . ..”، بقي أن أجيب عن التساؤل الآتي: ماهي العواقب الوخيمة لارتكاب الفاحشة؟
أيها الإخوة الكرام، ألا ترون أن زماننا اليوم يصدق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السالف ذكره، فها نحن نسمع كل يوم بأمراض لم تكن معروفة عند أسلافنا، أصبحنا نعيش مع مرضى بمرض الزهري ومرض السيلان ومرض الهيلبس التناسلي وغيرها، التي تجاوز عدد المصابين بها الثلاثمائة مليون في العالم، وأخيراً المرض الذي ابتلي به العصر، والذي يمكن الاصطلاح عليه “بطاعون العصر”، وهو مرض الإيدز، الذي انتشر بشكل رهيب، ويبلغ الذين ينقل إليهم المرض يومياً على مستوى العالم عشرة آلاف إنسان، وفي كل دقيقة يصاب ستة أشخاص دون الخامسة بعدوى الإيدز، وقد تسبب الإيدز في إضافة ثلاثة عشر مليوناً من الأطفال إلى قائمة الأيتام، وكل هذه عقوبات عاجلة في الدنيا، أحب أن تدققوا في قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)، وطاعون هذا العصر هو بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون، والحقيقة الرائعة أن العالم الإسلامي بسبب تمسكه بأهداب الدين يعد الحزام الآمن الأخضر لهذا المرض.
أيها الإخوة الكرام، يقول الإمام علي رضي الله عنه: “يا بني العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق”، وأختم بهذه القصة المؤثرة، رجل ثري ذهب إلى إحدى الدول الغربية ونزل في أحد فنادقها، وسمح لنفسه أن يلتقي بامرأة غريبة لبضعة دقائق، فكتبت له رسالة على المرآة: مرحباً بك في نادي الإيدز، فما كان منه إلا أن انتحر.فاحذر أيها الشاب أن تقودك شهوتك وتلبيتك لداعيها أن تنال سخط ربك وتصاب بمثل هذه الأمراض الخطيرة، ففي الاعتصام والتمسك بالدين خير ضامن للسكينة والطمأنينة والسعادة الأبدية والحمد لله رب العالمين.