ثمرات العفة في مرحلة الشباب
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك،
اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك؛
وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، روى الإمام البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأحمد ومالك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ”.
أما بعد فيا أيها الإخوة الإكرام، تطرقنا في الجمعة الماضية لظاهرة سلبية تعكس حجم التفلت الأخلاقي والفراغ الروحي الذي يعيشه الكثير من الشباب في مجتمعنا، هذه الظاهرة التي طفت على السطح وانشغل بهمها الجميع وتخفي تحتها هموما نفسية ومشاكل روحية وأخلاقا ذميمة يعيشها الشباب ووجب الوقوف عندها، لذلكم ففي خطبة هذا اليوم وغيرها من الخطب اللاحقة بحول الله، سوف ألقي الضوء على واقع الشباب وبعض مشكلاتهم لننظر كيف عالجها الدين الإسلامي الحنيف.
أيها الإخوة الكرام، كلمة (شــباب) تعنى في أصلها اللغوي النماء والقوة، ونجد أن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث جعل بداية الشباب بلوغ الإنسان، وعلى هذا الأساس فإن مرحلة الشباب تبدأ بالبلوغ، والتحديد المختار لمرحلة الشباب هو: من البلوغ حتى سن الأربعين.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف للشباب قيمته وأهميته، فكان يرعاه رعاية خاصة، ويهتم لشؤونهم أيما اهتمام، ومن هذا الباب يجيء اهتمامنا بملامسة مشاكل الشباب وبعض قضاياه، فعند التمحيص والنظر في أحوال الشباب في مجتمعنا، نجد فيهم الشاب والشابة اللذان يعيشان سن المراهقة، ويسعيان لإعفاف نفسيهما ويدركان خطورة الشهوة، ونجد فيهم الشاب والشابة اللذان أطلقا لشهواتهما العنان، ويبحثان اليوم عن مخرج، ونجد فيهم الشاب والشابة الغافلين اللذان لازالا لم يستفيقا بعد من وحل الشهوة.
وإزاء أحوال الشباب هذه، نجد الأب والأم اللذان لديها أبناء في فترة الشباب ويدركان مسؤولية تربية الأولاد، ونجد المربي والمربية اللذان لديهما تلاميذ وتلميذات في عمر الشباب ويعنيهما واقع هذا الجيل، ولكنهم قد يحسنون وقد يسيئون في التعامل مع شباب لا يدرك ما الأحسن؟ الشباب العفيف أم الشباب المتهور؟ شباب لا يدرك ما هي ثمار العفة؟ شباب لا يعرف جزاء المنساق وراء شهوته، شباب جاهل بمفهوم الحرية في الإسلام، شباب يعيش إشكالية الجمع بين طاعة الله وحب الشهوات، شباب يجهل عاقبة المجاهرة بالفواحش والعواقب الوخيمة لارتكاب الفاحشة، شباب يحقرون صغائر الذنوب فيقعون في الكبائر، وآباء وأمهات ومربون يجهلون أسباب انسياق الشباب وراء هذه الإباحية التي عمت، ولم يسألوا أنفسهم عن الدواء الناجع لحالة الشباب هذه، هذه كلها أسئلة مؤرقة سنجيب عنها في سلسلة من الخطب.
أيها الإخوة الكرام، بداية يجهل الكثير من الشباب ثمرات العفة وتجدهم يتساءلون ويقولون: إننا عندما نتابع الرضوخ لشهواتنا ومسايرتها لا نشعر بالراحة وتجدنا في قلق دائم وعصبية مفرطة فما المخرج؟
الجواب: ثمار العفة لا تحصى ولا تقدر بثمن، فمن ثمراتها أن صاحب العفة يشعر بالفلاح ويحقق النجاح تلو النجاح، ويسمع ثناء الله عليه، فالناس عادة يفرحون بثناء البشر والمخلوقين، ويعتزون بهذا الثناء، فالطالب أحياناً يفرح بثناء معلمه عليه، وحينما يكون الثناء والتزكية ممن لهم شهرة بين الناس تعلو قيمة الثناء، فكيف إذا كان هذا الثناء من خالق البشر رب العالمين؟ يقول عز وجل: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)، وفي الحديث روى الإمام أحمد في المسند عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ” شاب مستقيم، وما من شيء أكرم على الله من شاب تائب.
أيها الإخوة الكرام، إن ثناء الله عز وجل لا يعدله ثناء، إنه شهادة من الله عز وجل، فالله عز وجل في وعده لعبادة المؤمنين بالجنة قال: (والحافظين فروجهم والحافظات)، ثم يقول: (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)، والنبي عليه الصلاة والسلام، وهو الذي لا ينطق عن الهوى يقول فيما رواه الإمام البخاري والترمذي عن أحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: “مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ” الإنسان الذي يضبط لسانه، ويضبط طعامه، يأكله من حلال، ويضبط فرجه، فله الجنة، فحينما يعف الشاب عن محارم الله، وحينما يحفظ جوارحه ينطبق عليه وعد الله بالجنة.
أيها الإخوة الكرام، أسألوا أي عالم أمضى وقته وحياته في طلب العلم وتعليم العلم، واسألوا أي عابد تحمل متاعب العبادة ومشاقها، واسألوا أي داعية واصلَ سهر الليل بكد النهار، وهو يحمل كدّ الدعوة، واسألوا أي غني يتصدق بأمواله في سبيل الله، واسألوا هؤلاء جميعاً: لم تصنعون ذلك؟ إنهم سيجيبونكم إجابةً واحدة: نريد الجنة ووجه الله عز وجل، والشاب الذي يعف نفسه عن محارم الله، والشاب الذي يغض بصره عن محارم الله، والشابة التي تتحجب فلا تؤذي عباد الله، هؤلاء جميعاً في نص القرآن الكريم، ونص السنة النبوية الصحيحة لهم الجنة، وماذا نبتغي غير الجنة ووجه الله؟.أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فيا عباد الله، قال الله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)، وقال عز وجل: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى).
أيها الإخوة الكرام، هناك ثمرة ثالثة للعفة: إنها الطمأنينة وراحة البال، راحة البال لا يعرفها إلا من فقدها، فالذي يسير وراء شهوته المحرمة يعاني عذاباً وجحيماً لا يطاق، وإن الهم الذي يشغل سائر الناس لا يشغل المؤمن، وإن القلق الذي يعتري سائر الناس لا يعتري المؤمن، وإن الخوف من المجهول الذي هو ديدن الناس لا يصيب المؤمن.
أيها الإخوة الكرام، ومن ثمار العفة والاستقامة وغض البصر وضبط الجوارح لذة الانتصار على النفس، ولئن كان اللاهون العابثون يجدون لذة في ممارسة الحرام، فالشاب العفيف والشابة العفيفة يجدان من لذة الانتصار على النفس أعظم مما يجده أصحاب الشهوات، أصحاب الشهوات في الوحل، وأصحاب الطاعات في جنات القربات، وفرق كبير بين أن تكون في جنة القرب، وأن تكون في وحل الشهوة، فالإنسان حينما يعف نفسه، وحين يستقيم يشعر بالأمن الحقيقي، قال تعالى: (فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في الحديث السالف ذكره: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وذكر منهم: وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ”،و لماذا خصّ النبي عليه الصلاة والسلام الشباب بالذكر؟ لأن الشاب مظنة غلبة الشهوة، لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى، وهذا الكلام يشمل الشباب والشابات، ويقول بعض العلماء في شرح هذا الحديث: المتمسكون بأهداب الشرع في آخر الزمان كأن أحدهم يقبض على الجمر، وهو نفس المعنى الذي عبر عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: “يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر”، والحمد لله رب العالمين.