الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحمد لله حق حمده، نحمده تعالى ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن  يضلل فلا هادي له،

ونشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له “بعث في الأميين رسولا منهم”،
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل: “من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة”، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يكثرون الصلاة عليه والجلوس بين يديه، والتضحية في سبيله وفي سبيل تبليغ رسالته، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات. ختاما لسلسلة الخطب التي ألقيناها في هذا المسجد العامر بمناسبة احتفال المسلمين في هذين الشهرين الكريمين بمولد نبي الرحمة ومنقذ الإنسانية من الضلالة، وهادي البشرية إلى الطريق المستقيم، صاحب الخلق العظيم، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، نجعل مسك الختام الحديث عن معنى الصلاة والسلام على هذا النبي الهمام، وما هو الثواب الذي يحصل للإنسان من وراء ذلك؟ فنقول وبالله التوفيق:
إن الله عز وجل يقول في كتابه المكنون: “إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، فصلاة الله على نبيه معناها الثناء الطيب من الله على نبيه عند ملائكته، أما صلاة الملائكة فهي دعاء واستغفار، ومن الأمة دعاء وتعظيم وإكبار كما جاء توضيحه في كتب التفاسير، وقد ورد أن بني إسرائيل قالوا لسيدنا موسى عليه السلام: هل يصلي ربك؟ فناداه ربه عز وجل: “يا موسى سألوك هل يصلي ربك؟ فقل نعم، أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي”.
وإذا كانت صلاة الله على نبيه تشريفا وزيادة تكريم له، فإن من صلى من البشر على رسول الله صلى الله عليه وسلم له أجر كريم، وثواب عظيم، تصلي عليه الملائكة، أي تدعو له بالمغفرة، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي، فليقلل عبد من ذلك أو ليكثر”، وكذلك ورد أن الله تبارك وتعالى أخبر نبيه أن من صلى عليه، صلى الله عليه، ومن سلم على رسوله، سلم الله عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات”.
وبما أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لها فضل كبير، وثواب كثير، لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، شرف الله قدره، وأعلى منزلته، وجعل الله دعاءنا موقوفا بين السماء والأرض لا يصعد حتى يقترن بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد حتى يصلى علي، فلا تجعلوني كغمر الراكب، -أي آخر ما يأخذ من متاعه- صلوا علي أول الدعاء وآخره ووسطه”، فلهذا يجدر بالمؤمن أن يكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة في حالة الدعاء، لأن الرجل يكثر الدعاء والتضرع إلى الله والتوسل إليه ليخفف كربه، ويذهب همه، ويرفع قدره، ويتقبل عمله، ويشرح صدره، وييسر أمره، ويغفر ذنبه، فكان ينبغي أن يجعل من دعائه صلاة وسلاما على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رواه أحمد قال: قال رجل: “يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: إذا يكفيك  الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك”.
أيها المؤمنون، اعلموا أنه يستحب الإكثار من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يوم الجمعة لأنه أفضل الأيام،  لقوله صلى الله عليه وسلم: “أكثروا علي من الصلاة كل يوم جمعة، فإنه مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها، قال أبو الدرداء: وبعد الموت، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام”. والذي يسمع اسم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولا يصلي عليه فهو البخيل، ومع ذلك يضل طريق الجنة في الآخرة، قال أبو ذر الغفاري: “خرجت ذات يوم  فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أخبركم بأبخل الناس؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: من ذكرت عنده ولم يصل علي فذلك أبخل الناس”، ثم إن من فضائل الصلاة على حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها سبب لغفران الذنوب وتفريج الكروب وشفاء الأسقام، ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره: “أن أعرابيا جاء الضريح النبوي الشريف وقال: السلام عليك يا رسول الله، فلقد قال الله: “ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما”، وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:

 

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه  ** فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ** فيه العفاف وفيه الجود والكرم،

ثم انصرف الأعرابي، وكان يجلس بجوار الروضة الشريفة أحد الصالحين يسمع كلامه، فأخذته سنة من النوم فرآى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له: “الحق بالأعرابي وبشره بأن الله قد غفر له”. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: “قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل ذكرت عنده ولم يصل علي “. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبــة الثانـيـة
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قَالَ : “إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونِي فَأَقُولُ أَنَا لَهَا فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الْآنَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ” فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَنَا فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: هِيهْ ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ : هِيهْ فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا فَقَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا ، قُلْنَا : يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا ، فَضَحِكَ وَقَالَ : خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولا مَا ذَكَرْتُهُ إِلا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ قَالَ : ( ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَيَقُولُ وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ “.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *