كيف أستمر على طريق التوبة؟

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى يصف عباده الصالحين: “‏‏وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ‏يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا”، وقال سبحانه‏: ‏”‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏‏”.
أيها الإخوة الكرام، إن من الإشكاليات العويصة التي تواجهنا كل يوم في تأدية العبادة لله عز وجل هي الاستمرار في طريق الطاعة والعبادة والاستقامة لله عز وجل دون نقض التوبة، فعندما نتأمل في أمرنا نجد أنفسنا نقترف المعاصي والذنوب بين الحين والآخر، وهذه حال الأكثرين منا، فنتساءل غالبا كيف نقبل على العبادة ونشتغل بها ونحن مصرون على المعصية متلطخون بها؟ فحال الغالبية منا ونحن نؤدي العبادة لله، أننا أيضا نقوم ببعض المعاصي ونندم عليها ندماً شديداً، ونشعر بأن قلوبنا ستتقطع من شدة الندم، فنهرع إلى التوبة إلى الله، ولكن بعد مدة نعود لنفس الذنب،
ويصدق فينا من سمى هذا النوع من التوبة توبة الكذابين، وقد يستدرجنا الشيطان الرجيم إلى القول: لماذا نتوب ونحن سنعود لنفس الذنب؟ ولماذا لم يتقبل الله دعاءنا ويجعلنا من عباده الطائعين؟ ولماذا بعد الإيمان به نعود إلى الفسق والفجور؟ ولماذا لم نعد نشعر بالخشوع في الصلاة ولم نعد إلى تلاوة القرآن منذ مدة؟ ولماذا نسمع آذان الفجر ولا نستجيب؟ وهكذا والحالة هذه نستسلم ونرجع إلى الوراء ونكون مترددين في الثبات على عقبة التوبة التي تستقبلنا كل مرة،
هذا الأمر أيها الإخوة والأخوات يؤرق الكثير من النفوس، حيث يستلزم مجاهدة النفس في الطاعات وترك الذنوب المهلكات مطلقا، قال الحسن: هي والله عقبة شديدة مجاهدة نفسه وهواه وعداوة الشيطان، فماهي التوبة الصادقة؟ وماهي الأمور التي تساعدنا على الثبات على طريق التوبة وعدم العودة إلى المعصية؟.
أيها الإخوة الكرام، التوبة لغة مطلق الرجوع، واصطلاحا الرجوع عما كان مذموما في الشرع إلى ما هو محمود فيه، ولها بداية ونهاية، فبدايتها التوبة من الكبائر، ثم الصغائر، ثم المكروهات، ثم من رؤية الحسنات، ثم من رؤية أننا صرنا معدودين في العباد والربانيين، ثم من رؤية أننا صادقين في التوبة، ثم من الخواطر التي تجول في خاطرنا في غير مرضاة الله عز وجل، وأما نهايتها فكلما غفلنا عن مراقبة ربنا طرفة عين، نبدأ بالتوبة لأنها أساس لكل درجة أو شعبة يرتقي إليها العبد المؤمن حتى يموت، فكما أن من لا أرض له لا بناء له، فكذلك من لا توبة له فلا عبادة له ولا درجة له، ومن كلام الربانيين: من أحكم مقام توبته حفظه الله تعالى من سائر الشوائب في الأعمال.
والذي ينبغي أن يعلم أن باب التوبة النصوح مفتوح لكل عاص حتى تطلع الشمس من مغربها أو حالة الاحتضار ومعالجة سكرات الموت‏، وشرطها الندم والتصميم على عدم العود لمثلها، ثم الإكثار من الاستغفار والعمل الصالح، وإذا كان فيها حق آدمي فلا بد من طلب السماح منه أو توفيته حقه ونظن بالله خيرا ونرجو رحمته، وإذا كانت ذنوبنا من أكبر الذنوب فيجب أن نعتقد أن رحمته سبحانه أوسع، ومغفرته أشمل،
وعلينا أن نستتر بستر الله رجاء أن يسترنا الله ولا يفضحنا ونقضي الفوائت بما نقدر عليه من صلاة وصيام وغيرها، ونرجع في الباقي إلى الله سبحانه و تعالى بالابتهال والتضرع والتذلل في رحابه ليكفينا ذلك، ونقض التوبة النصوح لا يفسدها ما دام العزم على عدم العود إلى الذنب قد وجد مسبقا، فإذا تورطنا وعدنا فعلينا أن نتوب من جديد ولا نتوقف،
قيل للحسن البصري: إلى متى نذنب ثم نتوب، ثم نذنب ثم نتوب، ثم نذنب ثم نتوب، إلى متى يا إمام؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المخذول حتى يأتي اليوم الذي نخالف فيه الشيطان فيكون هو المخذول، وفي هذا المقام يقول أحد الربانيين وهو يصور هذا الحوار الذي يدور غالبا بيننا وبين أنفسنا ونحن نعيش هذه الحالة:   فإن قلت إنما يمنعني من التوبة أني أعلم من نفسي أني أعود إلى الذنب ولا أثبت على التوبة، فلا فائدة في ذلك، فاعلم أن هذا من غرور الشيطان ومن أين لك هذا العلم؟ فعسى أن تموت تائباً قبل أن تعود إلى الذنب، وأما الخوف من العود فعليك العزم والصدق في ذلك، وعليه الإتمام، فإن أتم فذلك من فضل الله، وإن لم يتم فقد غفرت ذنوبك السالفة كلها، وتخلصت منها وتطهرت، وليس عليك إلا هذا الذنب الذي أحدثته الآن، وهذا هو الربح العظيم والفائدة الكبيرة العظيمة، ولا يمنعك خوف العودة عن التوبة، فإنك من التوبة أبداً بين إحدى الحسنيين، والله ولي التوفيق والهداية،
وقل لنفسك دائما: لعلي أموت قبل أن أعود إلى الذنب هذه المرة، وكما اتخذت الذنب والعود إليه حرفة فاتخذ التوبة والعودة إليها حرفة، ولا تكن في التوبة أعجز منك في الذنب، ولا تيأس، ولا يمنعك الشيطان بسبب ذلك، وتذكر قوله سبحانه وتعالى: “ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً”، فصل وابك وتضرع وابتهل بدمع جار وقلب حزين وصوت عال ونداء خفي، وتذكر ذنوبك واحداً واحداً ما أمكنك، وتلوم نفسك العاصية على فعلها وتوبخها وتقول: يا نفس، أما تستحين أما آن لك أن تتوبي وترجعي؟ ألك طاقة بعذاب الله سبحانه؟
وتذكر من هذا كثيراً وابك على خطيئتك، ثم ترفع يديك إلى الرب الرحيم سبحانه وتعالى وتقول: إلهي، عبدك الآبق رجع إلى بابك، عبدك المذنب أتاك بالعذر، فاعف عني بودك وتقبلني بفضلك، وانظر إلي برحمتك، اللهم اغفر لي ما سلف من الذنوب، واعصمني فيما بقي من الأجل، فإن الخير كله بيدك وأنت بنا رؤوف رحيم، وتستغفر لجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، وترجع إلى طاعة الله جل وعلا، وتلجأ إليه وتتعوذ بالله من هذه الوساوس وتعلم أن الشيطان دائما يقف في طريق الذين يسلكون طريق الخير، فهو لا يذهب إلى السكارى والحيارى، ولكنه يأتي ليشوش على الإنسان المطيع لله تعالى، فالإنسان ما ينبغي أن ييأس من تكرار التوبة والرجوع إلى الله تعالى، فإن الله سمى نفسه توابا ليتوب علينا وسمى نفسه رحيما ليرحمنا وسمه نفسه غفورا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، فلا تحرموا أنفسكم من اللجوء إلى الله تعالى الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء سبحانه وتعالى.أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فياعباد الله، يقول الله تبارك وتعالى: “إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين”.
أيها الإخوة الكرام، إن من عوامل الاستقامة التي تعينك على الثبات على التوبة البيئة الصالحة، فاحرص على تبديل بيئتك التي كنت تعمل فيها السيئات ببيئة خير منها وأفضل وأصلح،
وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أمرنا باختيار الأصحاب والجلساء، وقصَّ علينا صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي قتل مائة نفس ثم جاء تائبًا فأمره العالِم أن ينتقل إلى قرية غير قريته وسيجد فيها أناسًا يعبدون الله تعالى فيعبد الله معهم، فهذا منهج إصلاح ينبغي أن نتبعه، وهو أن نستبدل الرُّفقة السيئة برفقة صالحة، ونحرص على جلساء يكونون خيرين، يعلموننا إذا جهلنا، ويذكّروننا إذا نسينا، وينبهوننا إذا غفلنا،
وبالنسبة للشباب ينبغي أن يحاولوا إشراك أنفسهم في برامج الشباب الصالحين، فإنهم سيجدون فيها عونًا لهم على طاعة الله وملء وقتهم بالشيء النافع، ويصونهم على الوقوع في معاصي الله، ويتم تطبيق ذلك عملياً بالبعد عن أسباب المعصية ذاتها، ثم الانشغال بطاعة الله سبحانه تعالى ومراقبته وكثرة الذكر له، والتذكر الدائم للموت، ثم الانشغال بعمل علمي أو مهني وعدم ترك الفراغ والحمد لله رب العالمين.
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *