لماذا لا نعظم سيدنا رسول الله؟
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك،
وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: “لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ظلال مبين”.
أيها الإخوة الكرام يجدر بنا ونحن نعيش أجواء شهر ربيع الأول النبوي، أن نطلع على نبذة من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والسيرة النبوية الشريفة تبين تعظيم الخالق عز وجل لسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم الصحابة الكرام رضي الله عنهم له، لأنه يلاحظ بشكل عام أن الكثير منا لا يقدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة العظيمة، ويعتبره مجرد رسول كلف برسالة ومات وانتهت مهمته، وانعكس هذا الأمر على سلوكياتنا الحياتية اتجاه رسول الله، فأصبح البعض منا لا يذكره بالسيادة وأثناء ذكره لا يكلف نفسه الصلاة والسلام عليه، وكأنه شخص عادي كسائر البشر، ومنا من يبدع كل من اجتمع للاحتفال به وهو لا يميز بين احتفال واحتفال،
فواجبنا أولا معرفته، فعلى قدر المعرفة يكون الحب، وعلى قدر الحب يكون الاتباع، وعلى قدر الاتباع يكون الاستمساك بسنته، وعلى قدر الاستمساك بسنته يحصل التعظيم للجناب النبوي وتقديره قدره، قال العلماء: والمقصود بتعظيمه استشعار هيبته عليه الصلاة والسلام، وجلالة قدره، وعظيم شأنه، واستحضار محاسنه ونحو ذلك ثم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم باللسان، وذلك بحسن ذكره، وبدوام الصلاة عليه، والثناء عليه عليه الصلاة والسلام ثم تعظيم الجوارح، وأعظمه العمل بشريعته، واتباع سنته، والتزام أوامره ظاهراً وباطناً.
أيها الإخوة الكرام، يقول عز وجل: “لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا”، بعض الناس يقول: محمد بن عبد الله، وكأنه يتحدث عن محمد من أبنائه، أو صديق من أصدقائه فإنه لا ينبغي ذلك، لا ينبغي أن يذكر النبي عليه الصلاة والسلام إلا بذكر نبوته ورسالته، لا ينبغي أن يذكر إلا بذكر ما ينبغي له من التوقير والتعزير والتعظيم والتبجيل، لا يذكر إلا بذكر فضله عليه الصلاة والسلام،
قال العلماء في تفسير الآية الآنفة الذكر: هذا نهي من الله أن يدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلظ وجفاء، وأمر لهم أن يدعوه بلين وتواضع وألا يقولوا: يا محمد؛ لأن بعض الأعراب أجلاف كانوا إذا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم دعوه وهو في حجراته في عز الظهيرة في وقت الراحة: يا محمد! يا محمد! اخرج إلينا، فنزلت الآيات: “لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا”.
أيها الإخوة الكرام، إن من حقوق نبينا صلى الله عليه وسلم علينا، وجوب احترامه وتوقيره ونصرته، قال تعالى: “إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتومنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا”، ومعنى كلمة تعزروه أي تعظموه وتكبروه، واحترام النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته وتوقيره بعد موته واجب كوجوبه حال حياته،
وقد جعل العلماء من نواقض الشهادتين التنقيص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم والاستهزاء بسنته،
تمعنوا في الكثير من الآيات القرآنية، فإنكم ستجدون أن الله عز وجل احتفى به في كتابه وكرمه وأعظم تكريمه، وفضله تفضيلا ومنحه ما لم يمنح أحدا من العالمين، فقد زكى الله تعالى عقله فقال: “ما ضل صاحبكم وما غوى”، وزكى جل وعلا صدقه، فقال: “وما ينطق عن الهوى”، وزكى سبحانه صدره فقال: “ألم نشرح لك صدرك”، وزكى سبحانه وتعالى حلمه فقال: “بالمومنين رؤوف رحيم”، وزكى جل وعلى علمه فقال: “علمه شديد القوى”، وزكى عز وجل منهاج دعوته فقال: “وإنك لتهدي إلى صرط مستقيم”، وزكى سبحانه وتعالى خلقه فقال: “وإنك لعلى خلق عظيم”، وجعله جل وعلا القدوة الحسنة بقوله: “لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا”، وحذر سبحانه وتعالى مخالفة أمره بقوله جل وعلا: “فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم”،
وقد تولى الله الدفاع عن نبيه في كتابه، فلما قال له عمه أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا، قال الله: “تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ”، ولما قال له قومه: أنت كاهن قال الله: “وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ”، ولما قالوا: أنت شاعر، قال الله: “وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ”، وقال: “وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُومِنُونَ”، ولما قالوا: أنت ضال، قال الله: “مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى”، ولما قالوا: إنه مجنون، قال: “مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ”، ولما قالوا: إن ربه قلاه، قال: “وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى” ولما قالوا: إنه لا ينجب، لما قالوا إنه صار أبتر، قال الله: “إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ”، وجعل ذريته إلى يوم الدين، وذريته ذلك الشانئ مقطوعة، ولما استهزئوا به قال: “إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ”.
بالله عليكم أيها الإخوة والأخوات، بعد هذا التعظيم الإلهي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ألا يستحق أن نعظمه ونبجله وننزله مكانته التي يستحقها؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد فيا عباد الله، إن تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نجده شيئا كان حاضرا بقوة في سلوكيات الصحابة في معاملتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليكم بعض من مواقفهم رضي الله عنهم في تعظيمهم لشخص المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إنه لم يكن شخص أبغض إلي منه، فلما أسلمت لم يكن شخص أحب إلي منه ولا أجل في عيني منه، قال: ولو سئلت أن أصفه إليكم لما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه إجلالا له، وقال عروة بن مسعود رضي الله عنه لقريش: يا قوم، والله لقد وفدت إلى كسرى وقيصر والملوك، فما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وسلم، والله ما يحدون النظر إليه تعظيما له، وما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فيدلك بها وجهه وصدره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه”، وقد روى ابن اسحاق أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا خيرا، هو بحمد الله كما تحبين، فقالت: أرونيه أنظر إليه، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعد جلل- أي صغيرة-
أيها الإخوة الكرام، جاء اثنان من أهل الطائف إلى المدينة في عهد سينا عمر رضي الله عنه، ورفعا أصواتهما عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بهما عمر فجيء بهما قال: من أين أنتما؟ قالا: من الطائف، قال لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً؛ ترفعان أصواتكما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ألم تسمعا قول الله جل وعلا:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ”.
وقد كان ثابت بن قيس خطيب النبي عليه الصلاة والسلام جهوري الصوت، ولما نزلت هذه الآية اعتزل مجلس النبي عليه الصلاة والسلام، فسأله عن ذلك فقال: إني جهوري الصوت أخشى أن أتكلم فيعلو صوتي على صوتك فيحبط عملي فأهلك، فكانوا يراعون مقام وقدر وعظمة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلكم الذي ينبغي أن يكون في حياتنا العملية، وذلكم ما ينبغي أن نلقنه لأولادنا وناشئتنا لتنشأ على معرفته وحبه واتباعه وتعظيمه والاستمساك بسنته والدفاع عنه، فليراجع كل واحد منا علاقته بخير خلق الله وخير رسل الله، الذي امتن الله علينا بنبوته ورسالته، وجعلنا دون اختيار سابق منا من أمته، والحمد لله رب العالمين.
الدعاء