جليس السوء 2
الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم كتابه المبين: “الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين”، نحمده تعالى ونشكره على أن هدانا بفضله إلى صراطه المستقيم، وهيأ لنا أصحابا وجلساء صالحين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
يحفظ عباده المؤمنين من قرناء السوء والجهالة ويدعوهم إلى ملازمة جلساء الخير والصلاح والهداية القائل: “واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناكم عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا”،
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، القائل في توجيهاته لأتباعه من أمته: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وسلم تسليما كثيراإلى يوم اللقاء به، أما بعد،
فيا أيها الإخوة المؤمنون، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري (ض) : “إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة”، أيها الأحبة في الله، كنا في الأسابيع الماضية قد تكلمنا عن هذا الحديث مجزءا، واليوم بحول الله أذكر لكم ما يستفيده المرء من مجالسته لكل نوع من هذه الأصناف فنقول وبالله التوفيق: أخي الصالح، مجالستك للصالحين تثمر فيك أشياءا أولها: بسببها تشملك بركة مجالسهم ويعمك الخير الحاصل لهم وإن لم تعمل عملهم، قال بعض الحكماء: من جالس خيرا أصابته بركته فجليس أولياء الله لا يشقى وإن كان كلبا ككلب أصحاب الكهف، مجالستك للصالحين تجبلك على الاقتداء بجليسك والتأثر بعلمه وعمله وسلوكه ومنهجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”، جليسك الصالح يبصرك بعيوبك ويدلك على أوجه الضعف عندك، قال الحسن البصري (ح): المؤمن مرآة أخيه إن رأى فيه مالا يعجبـه سـدده وقومه وحاطه وحفظه في السر والعلانية”، جليسـك الصالح يعرفك أخطاءك من خلال مقارنتك أعمالك السلوكية والتعبدية بما هو عليه، جليسك الصالح يجعلك تكف عن المعاصي، ويتخولك بالنصيحة ويرشدك ويدلك على أمور من أمور الخير ينفعك العلم بها، بمجالستك للصالحين تحفظ وقتك الذي هو الحياة وهو الوعاء لكل الأعمال، جليسك الصالح يحفظك في حضرتك وغيبتك فلا يفشي لك سرا ولا ينتهك لك حرمة، جليسك الصالح تذكرك بالله تعالى رؤيته فعن ابن عباس (ض) قال: قيل يا رسول الله من أولياء الله، قال صلى الله عليه وسلم: “الذين إذا رأوا ذكر الله تعالى، قال أحد العارفين: “إني كنت لألقى الأخ من إخواني فلأكون بلقيه عاقلا أياما”، مجالستك للصالحين زين وأنس لك في الرخاء وعدة في البلاء، وخير معين لتخفيف همومك وحل مشكلاتك، خرج بن مسعود (ض) مرة على أصحابه فقال: “أنتم جلاء حزني”، وقال عمر بن الخطاب (ض): “عليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم فانهم زين في الرخاء وعدة في البلاء”، جليسـك الصالح سبب في دخولك في زمرة الذين لا خوف عليهم يوم القيامة ولاهم يحزنون قال تعالى: “الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، يا عبادي لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون”، جليسـك الصالح ينفعك دعاءه لك بظهر الغيب في حياتك وبعد مماتك ففي الصحيح عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل”، مجالس الصالحين تهابها شياطين الأنس والجن قال صلى الله عليه وسلم: ” عليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الشاة القاصية”، مجالستك للصالحين والتزاور معهم في الله سبب لمحبة الله تعالى لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: “وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتبادلين في”، مجالس الصالحين منحة ربانية لعباده قال صلى الله عليه وسلم: “لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده”، فالهم ارزقنا الصحبة الصالحة، واجعل رفقاءنا حاملين للمسك هادين إلى سواء السبيل، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أما بعد، أخي المسلم أختي المسلمة، جليس السوء مضرة على صاحبه من كل وجه وشؤم عليه في الدنيا والآخرة، جليس السوء يدعو جليسه إلى مماثلته في الوقوع في المحرمات والمنكرات، جلس السوء قد يشكك في معتقداتك الصحيحة ويصرفك عنها، وقد قيل: إياك ومجالسة الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه وأنت لا تدري”، جليس السوء رؤيته تذكرك بالمعصية سواء كانت ظاهرة عليه أو خفية وكنت تعرف ذلك منه فتخطر المعصية في بالك بعدما كنت غافلا أو متشاغلا عنها، جليس السوء يصلك بأناس سيئين يضرك الارتباط بهم وقد يكونون أشد انحرافا وفسادا ، جليس السوء يخفي عنك عيوبك ويسترها عنك ويحسن لك خطاياك ويخفف وقع المعصية في قلبك ويهون عليك التقصير في الطاعة، بسبب جليس السوء تحرم من مجالسة الصالحين وأهل الخير لانهماكك معه في الشهوات والملذات ويفوت عيك فرص الخير والصلاح بإبعادك عنهم، إن الذي يجالس أهل السوء يقارن أفعاله السيئة بأفعالهم فيستقل سيئاته بجنب سيئاتهم فيكون ذلك سببا في زيادة طغيانه وانحرافه وتقصيره في الأعمال الصالحة وعلى الأقل يصاب بالعجب بما هو عليه والعجب مرض مهلك، جليس السوء مضرة على صاحبه من كل وجه وشؤم عليه في الدنيا والآخرة، إن مصاحبة جليس السوء ومؤاخاته عرضة للزوال عند وجود أدنى خلاف أو تغيير مصلحة بل وتحصل البغضاء بدون ذلك قال عبدالله بن المعتز (ح): “إخوان السوء ينصرفون عند النكبة ويقبلون مع النعمة: ” مجالسة أهل السوء لا تخلو من المحرمات والمعاصي كالغيبة والنميمة والكذب واللعن ونحو ذلك فربما يوافقهم جليسهم فيما هم فيه أو ينكرعليهم لكن لا يفارق مجلسهم فيقع في الإثم، جاليس السوء لو دامت مودته لك في الدنيا فإنها سرعان ما تنقشع في الدار الآخرة وتنقلب إلى عداوة وبغضاء، قال بعض الصالحين: “وبالجملة فمصاحبة الأشرار مضرة من جميع الوجوه على من صاحبهم وشر على من خالطهم فكم هلك بسببهم أقوام وكم أقادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون”، وقال أبو الأسود الدؤلي (ح): “ما خلق الله خلقا أضر من الصاحب السوء”، عن ابن أبي حسين قال بلغني أن لقمان الحكيم كان يقول: “يا بني اختر المجالس على عينك فإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم فإنك إن تك عالما ينفعك علمك، وإن تك جاهلا يعلموك، ولعل الله أن يطلع عليهم برحمة فتصيبك معهم، وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنك إن تك عالما لا ينفعك علمك، وإن تك جاهلا يزيدوك غيا، ولعل الله أن يطلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم. الدعاء