خطبة عيد الفطر 1434/2013م
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.
الله أكبر ما وفقنا لصيام شهر رمضان مجيبين وملبين وصابرين
الله أكبر ما وفقنا لقراءة القرآن وبتنا لربنا سجدا وقياما ساهرين.
الله أكبر ما ازدحمت بنا المساجد مصلين وذاكرين.
الله أكبر ما ذكرنا الله قياما وقعودا وعلى جنوبنا ولفضله سائلين.
الله أكبر ما تصدق متصدق على الفقير والأرملة وأعان معين المعوز والمسكين.
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله،
يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى)، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كان غداة الفطر بعث الله عز وجل الملائكة في كل بلاد، فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه الطرق فينادون بصوت يسمع من خلق الله عز وجل إلا الإنس والجن فيقولون: يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل، ويعفو عن العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم، يقول الله عز وجل للملائكة: ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟فتقول الملائكة: إلهنا سيدنا جزاؤه أن توفيه أجره، فيقول: فإني أشهدكم ياملائكتي أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضائي ومغفرتي، ويقول:ياعبادي سلوني، فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئا في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم، فوعزتي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزتي وجلالي لاأخزيكم، ولا أفضحكم بين أصحاب الحدود، وانصرفوا مغفورا لكم قد أرضيتموني ورضيت عنكم فتفرح الملائكة وتستبشر بما يعطي الله عز وجل هذه الأمة إذا أفطروا عن شهر رمضان”.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
أيها الإخوة الكرام، يقول عز وجل: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)، والمعنى يريد الله أن تكملوا العدة وأن تكبروا الله، أنعم به وأكرم من شعار يعلن العبودية لله تعالى والعظمة له سبحانه، والكبرياء لجلاله، فنختم الشهر بهذا التعظيم والتوحيد والإجلال للمولى بترديد” الله أكبر”، وما ختم الشهر بذلك إلا كان حريا بالقبول، فالإكثار من التكبير في مثل هذا اليوم فيه شكر لله على ما هدانا إليه من الصيام وما وفقنا إليه من ألوان الطاعات وما أقدرنا عليه من قيام لأداء العبادات، وما خلقه فينا من نشاط للتسابق في الخيرات.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
هاهو ذا شهر رمضان المبارك قد اكتملت أيامه، شهر هفت أنفسنا لاستقباله، وتطلعت أفئدتنا للقائه وبلوغه، واشرأبت أعناقنا للتعرض لنفحاته واغتنام فضائله، شهر وفقنا الله فيه للتصالح معه والتوبة إليه، فأنبنا إليه وعمرنا المساجد، وختمنا القرآن الكريم، وتصدقنا على الأرملة والسائل والمسكين، وملأنا أوقاتنا بالذكر والدعاء والتضرع والابتهال والقيام، فنسألك ياالله ياالله ياالله كما بلغتنا شهر رمضان فتقبله منا على التمام والكمال، فقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.
أيها الإخوة الكرام إنه ليس للطاعات موسما معينا، ثم إذا انقضى هذا الموسم، عاد الإنسان إلى المعاصي وما كان عليه من عوائد الغفلة عن الله، بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها، ولا ينقضي حتى ينزل كل واحد منا في قبره، ولله ذر العبد الصالح بشر الحافي الذي ذكر في مجلسه أقوام يتعبدون الله ويجتهدون في رمضان، فقال لهم: “بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقا إلا في شهر رمضان”، إن المسلم الصادق والإنسان الصالح أيها الإخوة الكرام هو الذي يجعل شعاره على الدوام قول الله عز وجل: (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب).
الله أكبر الله أكبر الله أكبر،
أيها الإخوة الكرام، ولئن غادرنا شهر رمضان المبارك، ذلكم الشهر العزيز المحبب لدى عباد الله الصالحين، فإن لله في أيام دهرنا لنفحات، ألا فلنتعرض لها، ومن هذه النفحات الطيبة التي يستحب ويندب لنا أن نتعرض لها في شهر شوال، هي أن نصوم ستة أيام منه، فإنه ثبت في فضل صيامها أجرا عظيما، روى الإمام مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر”، قال العلماء: وإنما كان كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فشهر رمضان بعشرة أشهر، والستة أيام من شوال بشهرين، فيكون المجموع اثنا عشرة شهرا”، فصوموا هذه الست في أول الشهر أو في وسطه أو في آخره، متتابعة أو متفرقة ولا تعتقدوا أنها مؤكدة أو واجبة، وإنما هي مستحبة لا غير كما مر، فمن صامها فله الأجر، ومن لم يصمها فلا شيء عليه، وعلى من ترتب عليه قضاء أيام من رمضان أن يصوم الفرض قبل النافلة، وصيام الستة أيام من شوال بعد رمضان تعد فرصة من الفرص السانحة، بحيث يقف الصائم على عتبة طاعة أخرى بعد أن فرغ من صيام رمضان، وفي صيامها دليل على شكر الصائم لربه تعالى على حسن توفيقه لصيام رمضان ودليل على حب الطاعات والرغبة في المواصلة على درب الصالحات وجني الخيرات.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
أيها الإخوة الصالحون، في مثل هذا اليوم السعيد، نؤمر جميعا بإخراج زكاة الفطر، وهي شعيرة صغيرة في حجمها، كبيرة في مدلولها وآثارها، هذه الزكاة ذات حجم بسيط جدا جدا، لا يعجز رب أسرة مهما كانت حاله عن التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بها، فقد شرعت هذه الزكاة طهرة للصائم من اللغو (وهو الكلام اللاغي الذي لا ثمرة فيه) والرفث (وهو الفحش في الكلام)، روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث وطعمةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، وهي دين على من وجبت عليه حتى يؤديها، فهنيئا لمن أداها في وقتها، وشرعت هذه الزكاة لأجل إطعام المساكين لتكون لهم قوتا في يوم العيد وليكون الغني والفقير متساويين في وجدان القوت في يوم العيد، وتجب على الذكر والأنثى والكبير والصغير والغني والفقير، وقدرها صاع من بر أو قمح أو شعير من غالب قوت أهل البلد، وإنما تتعلق سنيتها أو وجوبها على المشهور بمن فضل عنده قوت يومه مع صاع إن كان وحده، أو قوته وقوت عياله مع صاع إن كان له عيال، ويجوز إخراج قيمتها نقدا، وحددها المجلس العلمي المحلي لإقليم برشيد هذه السنة في عشرة دراهم، هذا بالنسبة للفقراء، أما الأغنياء فأذكرهم بقول الله سبحانه: (فلينفق ذو سعة من سعته)، وقوله: (فمن تطوع خيرا فهو خير له)، ومن حكم إخراج زكاة الفطر أيها الإحوة الكرام أن يذوق المسلم طعم الإنفاق حتى الفقراء منهم، ولكي يتدرب المسلم على الإنفاق بالعسر واليسر ولكي تكون يده هي العليا.
أسأل الله عز وجل الحنان المنان أن يثبت قلوبنا على الإيمان، وأن يكتبنا من المغفور لهم في شهر رمضان ومن المرحومين ومن العتقاء من النار ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.
الله أكبر ما كان الله ولم يكن شيء قبله.
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فيا عباد الله، إن يومكم هذا يوم عظيم، وعيد كريم ختم الله به شهر رمضان الفضيل واستقبل به شهور الحج إلى بيت الله الحرام، إنه يوم عبادة واستغفار وتسبيح وتهليل وتكبير وتعظيم وتحميد لله عز وجل، ويوم فرح وابتهاج ومحبة، وبر وتراحم وإحسان للأهل والعيال والأقارب والجيران، وإن هذه الخصال مأمور بها في كل الأيام والأوقات، ولكنها في هذا اليوم أخص وآكد، إنه يوم غفران وتسامح، وكيف يقضي العيد من في قلبه غش وغل وتحامل على الناس وحقد وأضغان؟،
روى البزار والطبراني والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثٌ من كن فيه حاسبه الله حساباً يسيراً وأدخله الجنة برحمته قالوا وما هي يا رسول الله بأبي أنت وأمي فقال: تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفوا عن من ظلمك، فإذا فعلت ذلك يدخلك الله الجنة” وروى الطبراني في الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر”.
ومما يسن فعله في هذا اليوم المبارك إظهار السرور والفرح والابتهاج، وذلك يعد من شعار الدين، ولا بأس باللعب المباح، ومن السنن الثابتة التوسعة على العيال بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس زيادة عن عادتهم لإغنائهم عن السؤال وترويح البدن من كلف العبادة، ومما يعد من آداب هذا اليوم تهنئة المسلمين بعضهم لبعض.
وبالجملة أيها الإخوة الكرام يسن الإكثار من ذكر الله تعالى والعطف والشفقة على الفقراء والمحتاجين، ولبس الجديد من الثياب وزيارة الأقارب والأرحام ومعايدتهم، وهذا كله مظنة لتأليف القلوب وجلب المحبة وتأكيد الخلق الكريم
ولاتنسوا استثمار ما تبقى من أيام العطلة الصيفية في الخير وفيما يعود عليكم وعلى أهليكم وأبنائكم بكل نفع وخير، فليس في حياة المسلم عطلة، وإنما ينبغي أن يكون سعيه دائم وعمله مستمر حتى الموت، يقول الحق تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيه) كما لا ينبغي استغلال العطلة والإجازة في المعاصي والمنكرات، فلابد لنا من معرفة قيمة الوقت؛ ولابد من وضع أهداف لهذه الإجازة بالتخطيط المسبق.
وأذكركم وأذكر نفسي باحترام قانون السير في مختلف الطرقات تجنبا لمخاطر حوادث السير وما تخلفه من خسائر نفسية وجسمية ومادية على المجتمع بمختلف مكوناته، والحمد لله رب العالمين
وأكثروا من الصلاة والتسليم على ملاذ الورى وخير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وامتثلوا قول ربنا عز وجل : (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة رسول الله أجمعين، وعن آل بيت رسول الله أجمعين، اللهم أكرمنا بمحبتهم واقتفاء نهجهم، واجزهم عنا وعن الإسلام أحسن الجزاء،
اللهم انصر مولانا أمير المؤمنين محمد السادس، اللهم يارب وفقه إلى كل خير واحفظه من كل شر، وكلل يارب أعماله بالنجاح، وارزقه السلامة في الحل والترحال، وبارك اللهم في تحركاته وأعماله التنموية، وهيأ له بطانة الخير التي تعينه على صلاح البلاد والعباد، ومتعه يارب بالصحة والسلامة والعافية، وأعاد عليه أمثال أمثال هذه المناسبة أعواما عديدة باليمن والخير والهناء، اللهم اجزه عن المغرب والمغاربة وعن مواقفه الإنسانية وعواطفه النبيلة التي يكنها لشعبه الوفي كل خير، واحفظه اللهم في ولي عهده مولاي الحسن، وشد أزره بأخيه مولاي رشيد، واحفظ يارب سائر أسرته الملكية الشريفة، إنك سميع قريب مجيب،
اللهم آمننا في أوطاننا، وأدم علينا نعمة الأمن والأمان والوحدة والتعاون والتآزر والتكافل وعرفنا نعمك بدوامها علينا ولا تعرفنا إياها بزوالها،اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.