الحقوق المشتركة بين المسلمين (10) النصيحة -1-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحقوق المشتركة بين المسلمين (10) النصيحة -1-
الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده تعالى ونشكره ونستغفره، ونستعين به ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلاهادي له، ونشهد لاإله إلا الله، وحده لا شريك له، القائل في محكم كتابه المبين: “إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله، جمع الله به الكلمة ووحد به الأمة، أرسى أخوة المسلمين ببيان الحقوق المشتركة، في قوله صلى الله عليه وسلم: “حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمّته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتّبِعه”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، نواصل اليوم سلسلتنا من الخطب المتعلقة ببيان الحقوق المشتركة بين المسلمين، التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على إشاعة التخلق بها بين المسلمين لغاية توطيد رابطة الأخوة الإنسانية التي تجمع بين الناس أجمعين، وسببا لدوام الأخوة والوحدة بين المسلمين، واليوم إن شاء الله تعالى نتكلم عن ببيان الحق الثالث في الترتيب الذي جاء به الحديث والمتعلق بالنصيحة فنقول وبالله التوفيق، أيها الإخوة المؤمنون، لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن أخوة الإسلام تفرض عليك الإخلاص في النصيحة لمن طلبها منك، بحيث ينبغي عليك إذا طلب منك أخوك استشارة في أمر من الأمور، أن تشير عليه بما تحب أن تفعله لو كنت مكانه، وتخلص له في إبداء الرأي السديد، سواء بالإيجاب أم بالرفض، بناء على ما تعلمه من عواقب تصرفه تجاهه، فإن كان العمل الذي يريد الإقبال عليه نافعا وجهته إليه، وإن كان مضرا بحاله وإيمانه وسلوكه وعلاقته مع ربه ومجتمعه حذرته منه وبينت له العواقب الوخيمة التي يجنيها على نفسه وعلى مجتمعه إذا قام بها، وإن كان الأمر يتراوح بين جلب المنافع والوقوع في المهالك في نفس الوقت فعليك أن تبين له ذلك، وتعينه على الموازنة بين الأمرين، وهذا هو المطلوب من البحث عن الناصح والمستشار الذي يلجأ إليه الإخوة عندما تلتبس عليهم الأمور، ويمدون يدهم لمن يشير عليهم بالرأي السديد، وعلى هذا العمل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ البيعة على أصحابه، فعن سيدنا جرير بن عبد الله (ض)قال: “بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكلِّ مسلم”، قال العيني، وهو أحد شراح الصحيح، وقال الخطابي: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّصِيحَة للمسلمين شرطًا في الذي يبايع عليه كالصلاة، والزكاة، فلذلك تراه قرنها بهما، وقال الفضيل بن عياض: “ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة”، والنصيحة في اللغة هي الإخلاص وتخليص الشيء من الشوائب وإصلاح الخلل وهي في الشرع كلمة جامعة جعلها النبي صلى الله عليه وسلم ترادف الدين فإذا ضاعت النصيحة ضاع الدين، روى الإمام مسلم عن سيدنا تميم الداري (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة” قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”، فهذا الحديث الجليل عده بعض السلف رُبع الدين أي أحد أركان الدين الأربعة التي ينبني عليها دين الإسلام، والنصيحة في اللغة لها معان كثيرة، أجملها في معنى سد الخلل وإصلاح ما فسد ليكون أمر أخيك المسلم حسنا ومنهجه سويا إذ جاءت بمعنى “الترقيع” لما انفتق من الثوب، وتكون أيضا بمعنى الصفاء والتصفية ليحصل لك أخي المؤمن بنصيحتك لأخيك تزكية نفسه وعمله من الشوائب التي يلثم بها خلقه وتنخرم بها مروءته، وهي عمل الأنبياء والمرسلين، فقد ذكر المولى جل وعلا على لسان سيدنا نوح أنه قال: ” أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”، وكان سيدنا هود يقول لقومه: “أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ”، وقال تعالى عن سيدنا صالح عليه السلام أنه قال لقومه: “ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين”، أيها الإخوة المؤمنون، للنصيحة آداب لابد من مراعاتها، وهي: أولا، الإخلاص لله تعالى فيها وألا يكون الغرض منها الشماتة في المنصوح والحطَّ من قدره والفرح بأنك ظفرت له بعيب فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، وأن لايقصد بنصيحته الأغراض الدنيوية من رياء، وسمعة، وحب شهرة وغيرها، قال تعالى: “الا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ” وقال سبحانه: “وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ”، ولا يجوز للمسلم أن يشمت في أخيه المسلم بل يحب له ما يحب لنفسه، ثانيا، ينبغي على الناصح أن يكون عالما بما ينصح به، فالذي يقوم بالنَّصِيحَة لا ينصح في أمر يجهله، بل لا بد أن يكون عالـمًا بما ينصح به، قال تعالى:”وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم”، ثالثا،أن تكون النصيحة سراً إلا إذا كان المنصوح مجاهراً بالفسق أوالبدعة يدعو الناس إليها أو تقتدي به الناس في بدعته أو فسقه فحينئذ يمكن أن ينصح علناً من باب تحذير المسلمين قال بعض السلف: “من نصح أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن نصحه علانية فقد فضحه وشانه”، فينبغي عليك أخي الناصح أن تسرَّ بنصيحتك للمنصوح له، فلا تنصحه أمام الملأ، قال الإمام الشافعي رحمه الله: تَعَمَّدْنِي بِنُصْحِكَ فِي انْفِرَادٍ *** وَجَنِّبْنِي النَّصِيحَةَ فِي الْجَمَاعَهْ *** فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ *** مِنَ التَّوْبِيخِ لا أَرْضَى اسْتِمَاعَهْ *** فَإِنْ خَالَفْتَنِي وَعَصَيْتَ أَمْرِي *** فَلا تَجْزَعْ إِذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَهْ، وقال أيضًا: “من وعظ أخاه سرًّا، فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية، فقد فضحه وشانه” وعن سليمان الخواص (ح) قال: “من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما فضحه”، وقال ابن رجب (ح): كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرًّا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه، وقال ابن حزم: إذا نصحت فانصح سرًّا لا جهرًا، أو بتعريض لا بتصريح، إلا لمن لا يفهم، فلا بدَّ من التصريح له”، جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوق أخوة الإسلام، ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم ونبيهم، وأن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، رابعا من آداب النصيحة: مراعاة اللين والرفق في النَّصِيحَة: فينبغي أن تكون النَّصِيحَة بالرفق واللين، والأسلوب الحسن، مع انتقاء الألفاظ المحبَّبة، وعدم استخدام الأساليب المنفِّرة، قال الله تعالى: “ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”، وقال جل وعلا: “وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُم”، خامسا: أن لا تكون النَّصِيحَة على شرط القبول، قال ابن حزم: “لا تنصح على شرط القبول منك، فإن تعديت هذه الوجوه، فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة لا مؤدي حق ديانة وأخوة، وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة، ولكن حكم الأمير مع رعيته والسيد مع عبيده”، سادسا: مراعاة الوقت والمكان المناسب، ولنا في الجمعة المقبلة عودة لهذا الموضوع، فاتقوا الله عباد الله، وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. الدعاء