خطر التبرج -1-

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، الحمد لله  الذي أوجد الخليقة من العدم، وأنشأها وقام بأرزاقها وكفاها مناها، وأظهر لها طريق رشدها وهداها، ولقربه وخدمته وطاعته اصطفاها، فهي في رضاه تسير، وبطاعته تتباها، نحمده تعالى على نعمه التي لا تتناهى، ونشكره شكر من عرف نعمة ربه فرعاها، ونشهد أن  لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من عرف معناها، وعمل ظاهرا وباطنا بمقتضاها، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الأمة فهداها، وبالقرآن العظيم علمها ورباها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير الأمة وأزكاها وأتقاها، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، ما إن يخرج فصل الشتاء البارد، وتبدأ حرارة الجو في الإرتفاع حتى نلاحظ جميعا أن شيئا ملفتا للنظر قد أخذ في الإنتشار في مجتمعنا، بمدنه الكبرى والصغرى، بل وحتى في بعض القرى، إنه العري الفاضح الذي أصبح سمة من سمات بنات مجتمعنا إلا من أخذ الله بيدها، وسبقت لها العناية من ربها، وبارك الله في تربية والديها، وكل ذلك انسياقا من المرأة وراء شعارات التحرر، وممارسة حريتها كما تشاء، وكنا في خطب سابقة بمناسبة تخليد المرأة لعيدها العالمي، تكلمنا عن الحقوق التي ضمنها الإسلام للمرأة باعتبارها أما وأختا وزوجة وبنتا وقريبة من الأقارب ومسلمة، وبيننا كيف أن الإسلام هو الذي منح المرأة من الحقوق ما لم يضمنه لها قانون أو تشريع إنساني، واليوم أريد أن أقف مع أخواتي النساء وقفة صغيرة بين يدي آية كريمة، يقول فيها المولى عز وجل في كتابه المكنون: “يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة، إن الله كان لطيفا خبيرا”، أيها الإخوة المسلمون، أيتها الأخوات المسلمات، إن الإسلام يحرص كل الحرص على تكوين المجتمع المسلم المثالي الخالي من العيوب والشدود، البعيد عن الفسوق عن أمر ربه والخارج عن الحدود، فالقرآن الكريم الذي يهدي الخلائق إلى الصراط المستقيم يخاطب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن العفيفات التقيات المستقيمات، ويأمرهن بالإستقرار في البيوت وينهاهن عن التبرج وإظهار الزينة للرجال الأجانب، كتبرج النساء في الجاهلية قبل الإسلام، ليزيل عنهن ما يدنس العرض فيجعلهن عرضة للكلام. فنساء المسلمين بهدا الأمر الحكيم أحق وأولى، لأن من أقبح المنكرات وأكبر البلايا التي أصيبت بها المجتمعات، وأصبحت خطرا على الذكور والإناث، تبرج المرأة وإظهار مفاتنها وزينتها للرجال في الأسواق ومحلات التجارة وأماكن اللهو والفسوق وفي الطرقات والإدارات وعلى الشواطئ والغابات، فيراها الكبير والصغير والغني والفقير والمسلم والكافر ومن لا خلاق له ولا دين يردعه عن النظر والنطق بالكلمات الفاحشات التي يندى منهن الجبين. والتبرج هو إظهار المرأة من جسدها ما يجب إخفاؤه وستره، وقد ذكره القرآن في سورة النور فقال عز وجل: “والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة، وأن يستعففن خير لهن، والله سميع عليم”، وذكر بصيغة النهي عنه والتشنيع عليه في سورة الأحزاب، فقال تعالى: “ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة”. فالمرأة اليوم تزداد في تبرجها، وتتفنن في أشكال ملابسها، وتحاول مزاحمة الرجال في مجالات الحياة كلها غير محتشمة وبلباس يدفع إلى الإفتتان بها، خصوصا في فترة الصيف، وفي الأماكن التي ترتادها الأسر للإستجمام والتمتع بما أوجده الله تعالى لنا في بلدنا هذا من جمال طبيعي على الشواطئ والصحارى والجبال، فيتحول الإستجمام وذكر الله وتسبيحه على نعمه إلى وبال خطير على إيمان المرء بسبب الفجور الذي هو نتيجة حتمية لتبرج النساء، وهذا أمر من البدع الخطيرة التي لا يجوز لمسلم التغاضي عنها، ولا ينبغي لذوي الغيرة والقدرة السكوت عليها، وقد بين الله عز وجل خطرها، وحذر رسول الله  صلى الله عليه وسلم من مغبة الوقوع فيها، فقال عز وجل: “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب”، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة(ض): “صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخث المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا”. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية

أيها المسلمون، أتدرون أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات ما معنى الجاهلية الأولى التي حذر الله نساءنا من الوقوع فيها؟ ذكر أهل التفسير أن تبرج النساء في الجاهلية الأولى كان بمشيهن بتكسر وتغنج وتبختر أو تلقي المرأة خمارها على رأسها ولا تشده فلا يواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها،  قال ابن حيان: “كانت تُلقي الخمار على رأسها ولا تشده، فتظهر قلائدها وقرطها، ويظهر قرطُها وعنقها، هذا التبرج الذي كان في الجاهلية الأولى”،  وقال ابن كثير: “ربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها، وأقرطة أذنيها”، فإذا كان ما وصفناه يعتبر من الجاهلية الأولى فكيف نصف ما نحن عليه اليوم؟؟؟؟ أي جاهلية نعيشها، وبأي وصف نصف به أخلاقنا ذكورا وإناثا؟؟، ولتعلم أختي المؤمنة أن سفورها وتبرجها يبعد الملائكة من مصاحبتها، فقد جاء في السيرة النبوية أن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد أرادت أن تكتشف هل ما يجده النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي أم ما هو إلا تهيئات وتخيلات، فطلبت منه صلى الله عليه وسلم أن يخبرها إذا ظهر له الملك، فلما أخبرها بأنه صلى الله عليه وسلم يراه أزالت الخمار عن رأسها ثم اختفى جبريل، فلما أعادت وضع الخمار على رأسها ظهر من جديد، وهذه القصة دونها أصحاب السنن والسير، وعبر عنها الإمام البوصيري (ح) بقوله في الهمزية: وأتاهُ في بيتها جبرَئيلُ ** ولذي اللبِ في الأمور ارتياءُ ** فأماطَتْ عنها الخِمارَ لتدري ** أهو الوحيُ أم هو الإغماءُ ** فاختفى عند كشفِها الرأسَ جبريلُ ** فما عاد أو أعيدَ الغطاءُ، ولنا عودة إلى الموضوع في الجمعة المقبلة إن شاء الله تعالى، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين،  وأكثروا من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد لمرسلين.  الدعاء.

 

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *