وسائل لابد منها لاكتساب محاسن الأخلا ق
وسائل لابد منها لاكتساب محاسن الأخلا ق
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، روى الإمامان أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”.فالمرء على دين خليله وعلى أخلاق جليسه وصديقه ومن يقضي جل أوقاته معه.
أيها الإخوة الكرام، في إحدى الخطب السابقة تطرقنا لموضوع الأخلاق، وحسسنا بأهميتها لتزكية نفسية الفرد وأهميتها للارتقاء بالمجتمع، كما نبهنا على وسائل اكتساب الأخلاق في زمان نعيش فيه أزمة الأخلاق بامتياز، وتطرقنا لدور كل واحد منا في ذلك، وبقيت بعض الوسائل الأخرى التي لاتقل أهمية عن سابقاتها، سنتعرض لها في خطبة هذا اليوم.
أيها الإخوة الكرام، إن من وسائل اكتساب الأخلاق الهامة، أن يتخذ الواحد منا الناس مرآة لنفسه، فالعاقل منا ينبغي أن ينظر لغيره، ويجعلهم مرآة لنفسه، فكلُّ ما كرهه ونفر عنه من قول، أو فعل، أو خلق فليتجنبه، وما أحبه من ذلك واستحسنه، فليفعله.
ومن الوسائل أيضا، القدوة الحسنة، ونعني بالقدوة هنا أن يحرص الواحد منا على أن يكون مثالًا يحتذى به في أفعاله وتصرفاته، وقد أشاد القرآن الكريم بهذه الوسيلة، فقال عزَّ من قائل:”قَدْ كَانَتْ لَكُمْ إسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِين مَعَهُ”، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم -ولا يزال- قدوة للمسلمين جميعًا، والقدوة الحسنة التي يحققها المسلم بسيرته الطيبة هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام بكلِّ ما يحمله من مبادئ وقيم تدعو إلى الخير وتحث على الفضيلة، روى الإمامان البخاري ومسلم عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:” لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لايضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك”، فلا يخلو عصر من عصور الأمة المحمدية من طائفة صالحة، تصلح لأن تكون في عصرها قدوة حسنة للأفراد، فكم وكم من تصرفات مثلى تمثل بها بعض المسلمين والمسلمات، وكانت سببا في هداية الناس إلى دين الإسلام. فلنحرص كل الحرص على أن نقتدي بهؤلاء نؤثر بأخلاقنا قبل أقوالنا.
أيها الإخوة الكرام، إن من أهم وسائل اكتساب الأخلاق أيضا، مصاحبة الأخيار، وأهل الأخلاق الفاضلة، فالمرء مولع بمحاكاة من حوله، شديد التأثر بمن يصاحبه، ومجالستهم تكسب المرء الصلاح والتقوى، والاستنكاف عنهم تورث أرذل الأخلاق، روى الإمام البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” مثل الجليس الصالح والجليس السوء؛ كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك: إما تشتريه، أو تجد ريحه، وكير الحداد: يحرق بدنك أو ثوبك، أو تجد منه ريحًا خبيثة”. قال ابن الجوزي رحمه الله: “ما رأيت أكثر أذى للمؤمن من مخالطة من لا يصلح، فإنَّ الطبع يسرق؛ فإن لم يتشبه بهم ولم يسرق منهم فتر عن عمله”. ولله در من قال في حكمه:
أنت في الناس تقاس | بالذي اخترت خليلا | |
فاصحب الأخيار تعلو | وتنل ذكرًا جميلا |
وذلك لأن من طبيعة الإنسان أن يكتسب من البيئة التي ينغمس فيها ويتعايش معها، ما لديها من أخلاق وعادات وتقاليد وأنواع سلوك، عن طريق المحاكاة والتقليد، وبذلك تتم العدوى النافعة أو الضارة. فالمجتمع الإسلامي السوي له سلطة معنوية فعالة ومؤثرة على نفوس الأفراد، تجعل الواحد منا يشعر بحاجته إلى التقدير، وحاجته إلى المحافظة على كرامة نفسه بين الناس على الدوام.
ومن وسائل اكتساب الأخلاق، الاختلاف إلى أهل الحلم والفضل وذوي المروءات، فإذا اختلف المرء إلى هؤلاء، وأكثر من لقائهم وزيارتهم؛ تخلق بأخلاقهم، وقبس من سمتهم ونورهم، يُروى أنَّ الأحنف بن قيس قال: “كنا نختلف إلى قيس بن عاصم نتعلم منه الحلم، كما نتعلم الفقه”، وكان أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرحلون إليه، فينظرون إلى سمته، وهديه، وذله، قال: فيتشبهون به
أيها الإخوة الكرام، ومن وسائل اكتساب الأخلاق، إدامة النظر في السيرة النبوية، فالسيرة النبوية تضع بين يدي قارئها أعظم صورة عرفتها الإنسانية، وأكمل هدي وخلق في حياة البشرية، قال تعالى:”لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”. وللأسف الشديد ننتمي لأمة نبيها ورسولها هو سيد الخلق أجمعين، سيدنا محمد عليه ألف صلاة وتسليم، ولم نكلف أنفسنا متعة الاطلاع على سيرته، علاوة على كوننا لا نحمل هم معرفته والتأسي به، واهتماماتنا امتلأت بأمور أخرى كثيرة قد تكون مهمة وقد تكون تافهة، لذا أحرضكم وأحرض نفسي على الاهتمام بسيرة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، خاصة ونحن نعيش أول أيام الشهر الذي ولد فيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. شهر ربيع الأنور، فلنجعل هذا الشهر العظيم شهر التعرف على رسول الله، عيب وعار علينا أن نرحل من دار الدنيا ونحن لا نعرف نبينا، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فياعباد الله، قال تعالى:” مِنَ الْمُومِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً”.
أيها الإخوة الكرام، ومن أهم وسائل اكتساب الأخلاق، النظر في سير الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وأهل الفضل والحلم، فالسلف الصالح أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، وهم الذين ورثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه، وسمته، وخلقه، فالنظر في سيرهم، والاطلاع على أحوالهم يبعث على التأسي بهم، والاقتداء بهديهم
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم | إنَّ التشبه بالكرام فلاح |
وكذلك قراءة سير التابعين رحمة الله عليهم ومن جاء بعدهم، لأن في تراجمهم ما يحرك العزيمة على اكتساب المعالي ومكارم الأخلاق؛ ذلك أنَّ حياة أولئك تتمثل أمام القارئ، وتوحي إليه بالاقتداء بهم، والسير على منوالهم.
وإنه لجدير بمن لازم العلماء العاملين أصحاب الإجازة والسند، بالفعل أو العلم، أن يتصف بما اتصفوا به من كريم الأخلاق، وهكذا من أمعن النظر في سيرتهم أفاد منهم، فهكذا كان شأن الصحابة رضي الله عنهم في ملازمتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذهم بأقواله وأفعاله، واعتمادهم على ما يرد منه.
واعلموا أنه لا يحصل الانتفاع والترقي في درجات الكمال ونيل الأخلاق العلية المثالية إلا بكثرة الملازمة، وشدة المثابرة، نسأل الله تعالى أن يحسن أخلاقنا، وأن يأخذ بأيدينا إلى الخير أمين والحمد لله رب العالمين.
خطبة ليوم الجمعة 1 ربيع الأول 1440هـ الموافق ل 9 نونبر 2018 ، الدكتور مولاي عبد المغيث بصير