وسائل اكتساب الأخلاق

وسائل اكتساب الأخلاق

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما:”أكمل المؤمنين أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البزار:” إنَّ أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وإنَّ حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة”

أيها الإخوة الكرام، الأخلاق كما تعلمون هي أساس بناء المجتمعات الإنسانية، إسلامية كانت أو غير إسلامية، فالعمل الصالح المدعم بالتواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبر في مواجهة المغريات والتحديات من شأنه أن يبني مجتمعًا محصنًا لاتنال منه عوامل التردي والانحطاط، وليس ابتلاء الأمم والحضارات كامنًا في ضعف إمكاناتها المادية أو منجزاتها العلميَّة، إنما في قيمتها الخلقية التي تسودها وتتحلى بها.

انظروا إلى الأمم الغربية من حولنا، بماذا تفوقت علينا؟ وما الذي يجعلها تصنف كونها متقدمة ومجتمعنا يصنف كونه متخلفا أو في طور النمو؟ رغم أننا بحمد الله تعالى لدينا من الثروات الطبيعية والإمكانات المتنوعة ما يمكننا من التفوق عليها أكثر بكثير، أتعرفون لماذا؟ إنهم استثمروا في الإنسان نفسه، إنهم عملوا على تعليمه، وعملوا على تخليقه، يهتمون بتدريس الأخلاق أيما اهتمام، أما نحن فلسنا فالحين سوى في الإكثار من سواد الأمة وتركه بدون تعليم أو تربية أو أخلاق، انتبهوا أيها الإخوة والأخوات هناك مخططات قديمة لأعداء الدين، ولازالت تطبق، وفي كل فترة تظهر في شكل ولون مغاير، وذلك من خلال اتخاذ وسائل عملية تطبيقية لإفساد أخلاق الأمم، وأهمها الغمس في بيئات موبوءة بالأخلاق الفاسدة، لتكون الانحرافات عادات مستطابات. ليكون سوء الخلق عادة مألوفة. فمتى فقدت الأخلاق التي هي الوسيط الذي لابد منه، لانسجام الإنسان مع أخيه الإنسان، تفكك أفراد المجتمع، وتصارعوا، وتناهبوا مصالحهم، ثم أدى بهم ذلك إلى الانهيار .

نعم أيها الإخوة الكرام هذا الانحطاط الأخلاقي أصبحنا نشاهد مثيلا لها في مجتمعنا وفي واقعنا في أيامنا هذه، فمثلا عندما تجد فينا من يسمح لنفسه بالاسترزاق من وراء أعراض ساكنة مجتمعه دون مبالاة ودون تأنيب ضمير، يسمح لنفسه بتسجيل ذلك بالصوت والصورة وعرضه على العموم في وسائل التواصل الاجتماعي دون حياء، وعندما مثلا تنزل بالبعض منا كارثة أو حادثة مؤلمة، ويتطلب ذلك من الجميع رحمة ومد يد العون لمن نزلت بهم هذه الابتلاءات، فعوض ذلك تجد فينا ومنا من يكون همه هو سرقة هؤلاء المبتلين ونهبهم دون رحمة ولاشفقة وهم في هذه الحالة، فأي إنسان هذا؟ وأي ضمير هذا؟ وهل فعلا وصلنا إلى هذا المستوى؟ من سهر على تربية هؤلاء؟ أمثال هؤلاء هم من يشكلون الإعاقة الحقيقية لنهضة المجتمع. وسيضلون إعاقة مستمرة في وجهه ماوجدوا، أمام كل هذا لابد من الوقوف وقفة مع النفس لنعرف مكامن الخلل أين يوجد؟ لابد أن ننتبه لأن هذه الأمور تنذر بخطر وشيك على قيم المجتمع، بل بوبال على المجتمع نفسه؟ بعد هذا كله، ألا يحق لنا أن نتساءل بم تكتسب الأخلاق؟ وكيف تكتسب؟ وماهي وسائلها؟

أقول في الجواب، أول شيء تكتسب به الأخلاق هي أداء العبادات التي افترضها علينا الحق سبحانه، فالفرائض التي ألزم الإسلام بها كل منتسب إليه من صلاة وصيام وزكاة وحج، هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة، وأن يظل مستمسكًا بهذه الأخلاق، مهما تغيرت أمامه الحياة
ثانيا، بالارتباط بالقرآن الكريم قراءة وتدبرا وعملا بما جاء فيه من أحكام، ومدارسة لما ورد فيه من أمثال قرآنية وقصص قرآني، ثالثا بالتدريب العملي والرياضة النفسية والممارسة التطبيقية ولو مع التكلف في أول الأمر، وقسر النفس على غير ما تهوى، فحين تتمكن هذه الأخلاق في النفس تكون بمثابة الأخلاق الفطرية، وحين تصل العادة إلى هذه المرحلة تكون أخلاقًا مكتسبة، ولو لم تكن في الأصل الفطري أمرًا موجودًا، رابعا، النظر في عواقب سوء الخلق، وذلك بتأمل ما يجلبه سوء الخلق من الأسف الدائم، والهمِّ الملازم، والحسرة والندامة، والبغض في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرء إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، وينبعث إلى محاسنها، تأملوا عاقبة تلك المرأة التي كانت تصوم النهار وتقوم الليل، ولكنها سيئة الخلق في معاملتها مع جيرانها، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله إنَّ فلانة تقوم الليل وتصوم النَّهار، وتفعل وتصَّدَّق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاخير فيها، هي من أهل النار. قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة وتَصَّدَّق بأثوار (قطع من الأقط، وهو لبن جامد) ولا تؤذي أحدًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي من أهل الجنة”.

ومن سائل اكتساب الأخلاق، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق، وفي طريقة التواصي دعوة كل مسلم إلى أن يكون مربيًا يعلم أخاه المسلم، والتذكير بالخير والحق، والدعوة إليهما، والتنبيه إلى الشر والضرر والنهي عنهما. فاعملوا عباد الله على تأديب أولادكم وأهليكم وكل من كان تحت مسؤوليتكم وحسن تربيتهم وتخليقهم، فهذا الأمر يتطلب عملا دؤوبا مستمرا، ومن جد وجد ومن زرع حصد، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد فيا عباد الله، ومن وسائل اكتساب الأخلاق علو الهمة، فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها، وأفضلها، وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات، وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار؛ فالنفوس العلية لا ترضى بالظلم، ولا بالفواحش، ولا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالفسق والمجون؛ لأنها أكبر من ذلك وأجل، والنفوس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك.

ومن وسائل اكتساب الأخلاق، الصبر، قال العلامة ابن قيم الجوزية رحمه لله: “حسن الخلق يقوم على أربعة أركان، لا يتصور قيام ساقه إلا عليها: الصبر، والعفة، والشَّجَاعَة، والعدل”، وقال الماوردي: “وليس لمن قلَّ صبره على طاعة الله تعالى حظ من برٍّ، ولا نصيب من صلاح، ومن لم ير لنفسه صبرًا، يكسبها ثوابًا، ويدفع عنها عقابًا، كان مع سوء الاختيار بعيدًا من الرشاد، حقيقًا بالضلال”، ومن الوسائل أيضا التواصي بحسن الخلق، والربح الحقيقي للمسلم أن يكون له ناصحون ينصحونه، ويوصونه بالخير والاستقامة، فإذا حسنت أخلاق المسلم، كثر مصافوه، وأحبه الناس، روى أبو داوود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:” المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه”، قال الإمام المناوي: “فأنت مرآة أخيك يبصر حاله فيك، وهو مرآة لك تبصر حالك فيه”.

خطبة الجمعة 9 صفر 1440 هـ الموافق ل 19 أكتوبر 2018، للدكتور مولاي عبد المغيث بصير

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *