وجوب الرجوع إلى الله لغيث العباد
وجوب الرجوع إلى الله لغيث العباد
الأستاذ مولاي يوسف بصير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، مجزل النعم على جميع المخلوقين، فارج همِّ المهمومين، ومجيب دعوات عباده الصالحين، المؤمل لكشف الكربات وإغاثة عباده الملهوفين، نحمده تعالى على توالي نعمه وأفضاله رحمة بخلقه، لا تنفعه طاعة المطيعين، ولا تضره معصية المجاهرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر عباده بفعل الطاعات، ونهاهم عن ارتكاب الذنوب والمعاصي والموبقات، وهو القائل: “أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، القائل: “لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسم”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المتمسكين بسنته السائرين على نهجه الشاكرين لنعمائه، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد،
فيا أيها الإخوة المؤمنون، في الجمعة الماضية تناولنا الحديث عن موضوع يهم الأمة بأجمعها، وتهتم له الخلائق من بشر وحيوانات ونبات، إنه موضوع انحباس المطر وتأخر نزوله في هذا الزمان الذي عودنا الله تعالى فيه أن يغيثنا بأمطار الخير، ولكن لله في تدبيره شؤون، وله الخلق والأمر، وبيده النفع والضر، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وهو القائل جل وعلا: “وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو”، يعطي لحكمة ويمنع لحكمة وهو اللطيف الخبير، أيها المؤمنون، لابد أن نقف اليوم وقفة تأمل في ما نعيشه هذه الأيام من توالي وانتشار هذا البلاء والوباء وتفشي الأمراض الموسمية التي لها ارتباط وثيق بعدم نزول الأمطار ، وبالتالي انعكاس ذلك على السدود والأنهار التي لوحظ أن مياهها غارت، وما ذلك إلا بسبب طغياننا وتكبرنا على الله عز وجل وتمادينا في الظلم لأنفسنا أولا، ولأمتنا ثانيا، بسبب المعاصي والذنوب التي نقترفها، ونجاهر بها، ولا نبالي أن الله تعالى يغار على حرماته أن تنتهك، وأن للمعاصي شؤمها، والله تعالى يقول: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ”، أيها المؤمنون، علينا أن نعترف جميعا أننا جاهرنا الله بالمعاصي والمنكرات، وكشفنا الغطاء عن المحرمات، فوقع في مجتمعنا الضرب والجرح والغصب ظلما وعدوانا، وفشت فينا الأمراض القلبية من غيبة ونميمة وتعامل بالكذب، وشهادة الزور، والزنا، والتعامل بالربا، وعشش الغش في تعاملنا ومعاملاتنا، وساد فينا الكبر والحسدوالرياء وعقوق الوالدين، وكلها فواحش فاشية ترتكب في أوساطنا جهارا، ناهيكم عن تضييع الزكوات وارتكاب المنهيات، وهذه لعمري من أعظم البلايا والمنكرات الموجبة لحبس نزول المطر، وموجبة لغضب الله وإنتقامه من العصاة غيرة على حرماته التي تنتهك جهارا، وهو القائل سبحانه: “فلما آسفونا انتقمنا منهم”، وقوله جل وعلا: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”. قال سيدنا ابن عباس (ض) في تفسير هذه الآية: “لا يغير ما بهم من النعمة حتى يعملوا بالمعاصي”، لقد أعذرنا ربنا عز وجل حينما قص علينا في القرآن نبأ أقوام تحولت النعم فيهم إلى نقم بسبب المعاصي، فما أخرج الله آدم وحواء من نعيم الجنة إلى جحيم الشقاء إلا للمعصية التي وقعا فيها بقرب الشجرة، وما طرد إبليس من ملكوت السماء إلى ساحة اللعنة إلا لأنه خالف أمر الله، وما أهلك الله قوم عاد وثمود إلا بظلمهم، وما أغرق الله فرعون، وخسف الأرض بقارون إلا بسبب الكبر والطغيان، وما مسخ الله بني إسرائيل قردة وخنازير وسلط عليهم العذاب إلى يوم القيامة إلا بسبب الذنوب التي اقترفوها، والمعاصي التي ارتكبوها دونما توبة ولا استغفار، فحق عليهم العذاب، قال تعالى: “فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنۢبِهِۦ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”، أيها المؤمنون، ألا فتعجّلوا الإنابة، وبادروا بالتوبة، وألحوا في المسألة، فبالتوبة النصوح تغسل الخطايا بطهور الاستغفار، وتستمطر السماء وتستدر الخيرات وتستنزل البركات. وتقربوا إلى الله بصالح العمل لديه، وأظهروا رقّة القلوب، وافتقار النفوس، والذل بين يدي العزيز الغفار، واستكينوا لربكم، وارفعوا أكف الضراعة إليه مستشعرين فقركم إلى ما عنده، وابتهلوا وادعوا وتضرعوا واستغفروا، فالاستغفار مربوطٌ بما في السماء من استدرار، قال الله تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام:” فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مدرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً “، وقال على لسان نبيه هود عليه وعلى رسولنا أزكى الصلاة والسلام: “وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ”، فاللهم اهدنا الصراط المستقيم، واحشرنا في زمرة النبيئين والصديقين، ووفقنا لطاعتك في كل وقت وحين، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، أمام هذه الوضعية التي نعيشها هذه الأيام، من قلة الأمطار، وانتشار الأوبئة في الحواضر والقرى، لا ينفعنا سوى الرجوع إلى أنفسنا لنسائلها عن عباداتنا، وعن أعمالنا ثانيا، وعن معاملاتنا، وعن طرق كسبنا في وظائفنا وتجاراتنا، ولا نزكي على الله أنفسنا، فهل أخلصنا لله في عباداتنا؟ وأديناها على النحو المطلوب منا؟، وهل أقمنا الصلاة وأديناها في أوقاتها طاعة لربنا؟، وهل أخرج أصحاب الأموال زكاة أموالهم وأدوها لأصحابها كما بينها نبينا ﷺ؟ وهل أقمنا الحدود ووقفنا عندها لا تنجاوزها؟، كيف حالنا مع بر الوالدين؟، وكيف حالنا في معاملاتنا لأزواجنا وتربيتنا لآبنائنا؟، وكيف حال كسبنا الذي نسعى لجلبه جادين، أسلكنا فيه طرق الحلال، أم تحايلنا عليه بالرشوة والمحسوبية، والنصب على الآخرين؟، وهل أقمنا أعمالنا الوظيفية كما ينبغي وكما هو مطلوب منا طاعة لله وخدمة للوطن والمواطنين؟، وكيف حالنا مع المعاصي فهل تركناها رجاء الفوز برضى رب العالمين؟، ونعلن التوبة من كل حوبة ونبكي على الله ضارعين أن لا يؤاخذنا بذنوبنا ولا بذنوب غيرنا، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله والتوجه إليه بقلوبنا، وإحسان الظن به في نفوسنا. ولنحفظ للناس حقوقهم، ونستذر رضا الرحمان وغيثه بالإكثار من الصدقات، وبتجديد صلة ذوي القربى والأرحام، ومواساة الأرامل واليتامى، ولنرفع أيادينا بالدعاء ضارعين، ولرحمته ومغفرته طالبين، متبرئين إليه من كل حول وقوة، ونسأله جميعا أن لا يرد أيادينا صفرا خائبين، وأن يعمنا برحمته، وينزل علينا أمطار الخير، فإننا قانطين، وهو القائل: “وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد”. متوسلين إليه برسوله العطوف الرحيم. الدعاء