هل حصل المرء بعد رمضان؟

هل حصل المرء بعد رمضان؟

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لاأحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، بالأمس القريب غادرنا شهر عظيم، يصعب على المسلم والمؤمن الصادق في إيمانه بالله عز وجل أن ينساه، أو أن يفارقه دون حسرة وأن تذرف عيناه، اللهم إلا إذا أخذنا قرارا في حياتنا أن نعبد الله، ولا شيء سوى الله، متحققين بقوله عز وجل:” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون”.

عباد الله، إذا تأملتم في قوله سبحانه:”ياأيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”، ستجدون بأن التقوى هي غاية ماينبغي أن يحصله كل فرد منا بصيامه لهذا الشهر العظيم، والمفروض عند وصول هذا الشهر إلى النهاية، أن تتغير سلوكياتنا وتصل إلى المقصود والغاية، فالسؤال إذن وقد غادرنا هذا الشهر الكريم، هل حصل كل واحد منا هذه التقوى التي تحدث عنها الحق سبحانه وتعالى؟ وهل عزم كل واحد منا على اعتمادها منهجا في حياته إلى أن يلقى الله؟ وهل حصلنا الخشية والخوف من الله؟ وهل اتخذنا قرارا لنتغير نحو الأحسن في علاقتنا بربنا وفي علاقتنا بالخلق؟ وهل عزمنا على الفرار إلى الله والتقرب منه أكثر فأكثر؟ وهل عزمنا على التوبة الصادقة النصوح؟ أم أننا بمجرد انتهاء الشهر الفضيل عدنا إلى اقتراف الذنوب والمعاصي، وعدنا وبدون لوم نفسإلى التفكير في ذلك بشكل عادي.

عباد الله، اعلموا أنه إذا لم نحصل التقوى والخشية من الله تعالى، ولم نتحقق ببقية شعب الإيمان الأخرى، فاعلموا بأننا صمنا رمضانا شكليا صوريا، ولم نستفد منه أية استفادة، وأننا في هذه الدنيا نعيش بلا هدف ولاغاية، فالعبرة بالمداومة والاستمرار على الطاعات، فلا نبات لشجرة الإيمان دون ثبات عليها، وفي الأثر:”من استوى يوماه فهو مغبون”،أي من استوى يومه مع أمسه في قُرْبه من الله فهو خاسر، لماذا عباد الله؟ لأنه ينبغي للمؤمن أنْ يزيد في قُرْبه وفي مودته، وعلاقته بالله يوماً بعد يوم؛ لأن نِعَم الله عليه متوالية تستوجب شكراً متوالياً، وحمداً دائماً؛ ولأن مراقي القبول من الله لا تنتهي، كما أن كمالات العطاء في الله لا تنتهي.

عباد الله، إن معنى أن تعيش عبدا لله في الأرض بشكل دائم إلى أن تلقى مولاك، معناه أن تبقى ملازما للتوبة النصوح،والتوبة كما تعلمون هي الرجوع عما كان مذموما في الشرع إلى ما هو محمود فيه، ولها بداية ونهاية، فبدايتها التوبة من الكبائر، ثم التوبة من الصغائر، ثم التوبة من المكروهات، ثم التوبة من رؤية الحسنات، ثم التوبة من رؤية أننا صرنا معدودين في العباد والربانيين، ثم التوبة من رؤية أننا صادقين في التوبة، ثم التوبة من الخواطر التي تجول في خاطرنا في غير مرضاة الله عز وجل، وأما نهاية التوبة فكلما غفلنا عن مراقبة ربنا طرفة عين، نبدأ بالتوبة لأنها أساس لكل درجة أو شعبة يرتقي إليها العبد المؤمن حتى يموت، فكما أن من لا أرض له لا بناء له، فكذلك من لاتوبة له فلا عبادة له ولا درجة له، ومن كلام الربانيين رحمة الله عليهم: “من أحكم مقام توبته حفظه الله تعالى من سائر الشوائب في الأعمال”، وهكذا نستمر في طريق الطاعة تائبين إلى أن نصل إلى التقوى التي هي الغاية.

سأل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُبي بن كعب رضي الله عنه عن التقوى، فأجابه أُبي: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقاً فيه شوك؟ فقال: نعم،  قال له فماذا فعلت؟ قال عمر: أُشمر عن ساقي، وأنظر مواضع قدمي، وأُقدم قدماً وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة، فقال ابن كعب: تلك التقوى”، وقال سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه في تعريفها:”أن يطاع الله فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر”، وقال طلق بن حبيب رحمه الله: “التقوى أن تعمل بطاعة اللّه، على نور من اللّه، ترجو ثواب اللّه، وأن تترك معصية اللّه، على نور من اللّه، مخافة عذاب اللّه”،وبالجملة، التقوى هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، واجتناب النواهي كما قال العلماء أشد على النفس من امتثال الأوامر الذي يفعله جل الناس، ولا يجتنب النواهي إلا الصديقون. أسأل الله تعالى أن يوفقنا لامتثال الأوامر واجتناب النواهي أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد، فياعباد الله، فما هي العقبات المنغصة التي تحول دون أن يلتزم أحدنا تقوى الله دائما وأبدا سائر أيام حياته؟ أقول في الجواب: قال يحيى بن معاذ رحمه الله:”أعداء الإنسان ثلاثة: الدنيا والشيطان والنفس، فحارب الدنيا بالزهد فيها، وحارب الشيطان بدفعه، وحارب نفسك بمجاهدتها”، وأخطر الثلاثة على المرء هي النفس، يقول أحد التابعين: “إن أول شيء يستحق أن تجاهده نفسك التي بين جنبيك، فإنك إن انتصرت على نفسك كنت على غيرها أقدر، وإن انهزمت أمام نفسك كنت على غيرها أعجز”. قال أحد الحكماء:” إبليس والدنيا ونفسي والهوى  يا رب أنت على الخلاص قدير.

عباد الله، فمن أطاع مولاه وجاهد نفسه وهواه وخالف شيطانه ودنياه كانت الجنة نزله ومأواه، ومن تمادى في غيه وطغيانه، وأرخى في الدنيا زمام عصيانه، ووافق نفسه وهواه في مناه ولذاته، وأطاع شيطانه في جمع شهواته، كانت النار أولى به، نسأل الله السلامة والعافية، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *