هديه صلى الله عليه وسلم في النوم (2)
هديه صلى الله عليه وسلم في النوم 2
الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير
الحمد لله، الحمد لله الذي أضاء الكون بنور الرسالة، وبعث في الناس رسولا من أنفسهم يحرص على خيرهم، ويطهرهم مما تخلقوا به من جاهلية وسفاهة، نحمده تعالى ونشكره شكرا جزيلا يوافي نعمه، ويدفع عنا نقمه، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، به ختم الله النبوة والرسالة، وجعله أهلا للوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه وكانت لهم به أسوة حسنة، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في إطار المنهج الذي اخترناه هذه السنة شعارا لإحتفالنا بذكرى مولد نبينا الأكرم، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبغية التأسي به والسير على نهجه وسنته، خاصة منها ما يتعلق بالعادات الإنسانية التي جاء صلى الله عليه وسلم لينقلنا من خلالها إلى عبادات وطاعات الله خالصة، وقفنا الجمعة الماضية على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، وذكرنا كيف كان فراشه ووسادته، ثم ما كان يدعو به نبينا صلى الله عليه وسلم قبل نومه وعند اضطجاعه، واليوم نواصل بذكر بعض الأشياء التي يجدر بالمسلم القيام بها عبادة لله تعالى وهو يستعد لنومه، فأقول وبالله التوفيق، أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النوم أن ينفض المسلم فراشه قبل أن يضع جسمه عليه، للحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (ض) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ”، وعن البراء بن عازب (ض) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به، قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت ورسولك، قال: لا ونبيك الذي أرسلت”، أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، ها أنتم ترون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام على شقه الأيمن ويوصي بذلك، فيضع يده اليمنى تحت خده الأيمن وفي هذه الكيفية من النوم سر عظيم وحكمة جليلة وفائدة صحية كبيرة، إذ يعتبر أنفع أنواع النوم، وقد بين العلماء فوائده الصحية والبدنية، وهو أنفع ما يكون للقلب وأسرع لانتباه النائم لتعلق القلب وعدم انغماره بالنوم، مع أن الطب الحديث أثبت أن النوم على الشق الأيمن هو الأجدر والأفضل في تحقيق السكن الصحي، والسكن الجسدي للنائم، ومن أسراره أن الرئة اليسرى أصغر من الرئة اليمنى فيكون القلب عند النوم أخف حملًا، كما يكون الكبد مستقرًا لا معلقًا، وتكون المعدة جاثمة فوقها بكل راحتها، وهذا يكون أسهل لإفراغ ما بداخلها من طعام بعد هضمه، ومن العجيب والمفيد أن النوم على الشق الأيمن الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، وأوصى أمته به، يعتبر من أروع الإجراءات الطبية التي تسهل وظيفة القصبات الرئوية اليسرى في سرعة طرحها لإفرازاتها المخاطية، كما أن الدراسات العلمية الطبية الحديثة تنص على أنه إذا نظرنا إلى شكل القلب نرى أنه لا يقع في الصدر عمودياً تماماً، بل يميل إلى اليسار عند جانبه الأسفل، بينما يميل جانبه الأعلى إلى اليمين مقدار عشر درجات، وتستنتج من هذا أن النوم على الشق الأيمن يساعد في تدفق الدم من الخلية اليسرى العالية من القلب إلى سائر أنحاء الجسم عبر وريد الأورطى، بما يريح القلب لأن جميع الأعضاء تكون في أسفله أو في مستواه، وأن القلب يشعر براحة أثناء النوم على الشق الأيمن لا يجدها في حالة القيام والجلوس والمشي، لأنه في هذه الأحوال يضطر القلب إلى أن يضخ الدم إلى الأعضاء العالية بمقدار تسعين درجة، كما أن التكوين التشريحي لعضلة الفؤاد يغلق بإحكام تام عند النوم على الشق الأيمن بعكس كل الأوضاع الأخرى، كذلك أثبت العلم بأن الإفراز الحمضي للمعدة يزيد ليلاً، أي عند النوم فتخيل أخي إن لم يحكم إغلاق عضلة الفؤاد ماذا سيحدث!، وكذلك أثبت العلم بأن النوم على الشق الأيمن يساعد في تسريع عملية الهضم وتفريغ المعدة من الطعام والشراب، وأن هناك عروقا وشرايين كثيرة تتشعب من القلب لإيصال الدم إلى أعضاء الجسم، وحسب طبيعة نظام وقوع هذه العروق والشرايين وأشكالها، فإنه يزيد جريان الدم فيها عند تأدية حركات الصلاة من سجود وقيام وقعود، وكذلك عند النوم على الجانب الأيمن، وهذا قليل من كثير، يجعل الإنسان تعجب من عظيم صنع الله تعالى فيه، ومن إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبيان هذا الهدي المحمدي في النوم على الشق الأيمن، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد له رب العالمين.
الخطبــة الثانـيـة
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، قد يقول قائل: إنما أريد النوم ولا أبالي على أي هيئة نمت ما دام الأمر يتعلق بحالة كونية وليست عبادة مفروضة، فنقول لأنفسنا وله، اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعل الله تعالى الإهتداء بهديه عبادة نؤجر عليها قد حذرنا من النوم على الشق الأيسر، وذلك حسب أبحاث طبية مخبرية لأن القلب حين ينام صاحبه على الشق الأيسر، يقع حينئذ تحت ضغط الرئة اليمنى، والتي هي أكبر من اليسرى مما يؤثر في وظيفته ويقلل نشاطه وخاصة عند المسنين، كما تضغط المعدة الممتلئة عليه فيزيد الضغط على القلب، وأما الكبد الذي هو أثقل الأحشاء فإنه ليس بثابت بل معلق بأربطة وهو موجود على الجانب الأيمن فيضغط على القلب وعلى المعدة مما يؤخر إفراغها، كما أن مرور الطعام من المعدة إلى الأمعاء يتم في فترة تتراوح بين ساعتين ونصف إلى أربع ساعات ونصف، إذا كان النائم على الجانب الأيمن ولا يتم ذلك إلا بين خمس وثمان ساعات إذا نام على جنبه الأيسر، إضافة إلى أن سبب حصول توسع القصبات للرئة اليسرى دون اليمنى هو أن قصبات الرئة اليمنى تتدرج في الارتفاع إلى الأعلى حيث إنها مائلة قليلاً مما يسهل طرحها لمفرزاتها بواسطة الأهداب القصبية، أما قصبات الرئة اليسرى فإنها عمودية مما يصعب معه طرح المفرزات إلى الأعلى فتتراكم تلك المفرزات في الفص السفلي مؤدية إلى توسع القصبات فيه والذي من أعراضها كثرة طرح البلغم صباحاً، وهذا المرض قد يترقى مؤدياً إلى نتائج وخيمة كالإصابة بخراج الرئة والداء الكلوي، وإن من أحدث علاجات هؤلاء المرضى هو النوم على الشق الأيمن، أما عن النوم على الظهر فإن العلم أثبت أنه لا يريح القلب كحالة الاضطجاع على الشق الأيمن، وذلك لأنه يتسبب في جريان الدم إلى معظم أجزاء البدن بدون تعسر ماعدا جانب الجبهة من الرأس، لأن القلب يكون مساوياً للجسم، كما توصل العلماء إلى العديد من مضار النوم على البطن، فحين ينام الشخص على بطنه يشعر بعد مدة بضيق في التنفس، لأن ثقل كتلة الظهر العظمية تمنع الصدر من التمدد والتقلص عند الشهيق والزفير،والنوم على هذه الوضعية يؤدي إلى انثناء اضطراري في الفقرات الرقبية وإلى احتكاك الأعضاء التناسلية بالفراش مما يدفع إلى ممارسة العادة السرية، كما أن الأزمة التنفسية الناجمة تتعب القلب والدماغ، وقد لاحظ باحث أسترالي ارتفاع نسبة موت الأطفال المفاجئ إلى ثلاثة أضعاف عندما ينامون على بطونهم مقارنة مع الأطفال الذين ينامون على أحد الجانبين، وأردأ النوم النوم على الظهر، ولا يضر الاستلقاء عليه للراحة من غير نوم، وأردأ منه أن ينام الإنسان منبطحاً على وجهه، فعن قيس بن طخفة الغفاري عن أبيه قال: أصابني رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً في المسجد على بطني، فركضني برجله، وقال: “مالك ولهذا النوم، نومة يكرهها الله أو يبغضها الله”، ولنا لهذا الموضوع عودة في الجمعة المقبلة إن شاء الله تعالى، ألا فتشبهوا إخواني برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمسكوا بهديه لعلكم تفلحون، الدعاء
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، التأسي برسول الله: هديه صل الله عليه وسلم في النوم 2، الجمعة 16 ربيع الثاني 1441 موافق 13 دجنبر 2019