هديه صلى الله عليه وسلم في النوم

هديه صلى الله عليه وسلم في النوم والخطبة الثانية في تخليد الذكرى 21 لوفاة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله

الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير

الحمد لله، الحمد لله الذي أضاء الكون بنور الرسالة، وبعث في الناس رسولا من أنفسهم يحرص على خيرهم ويطهرهم مما تخلقوا به من جاهلية وسفاهة، نحمده تعالى ونشكره شكرا جزيلا يوافي نعمه، ويدفع عنا نقمه، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، به ختم الله النبوة والرسالة، وجعله أهلا للوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه وكانت لهم به أسوة حسنة، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، في غمرة الإحتفال بذكرى مولد نبينا الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبغية التأسي به والسير على نهجه وسنته، خاصة منها ما يتعلق بالعادات الإنسانية التي جاء صلى الله عليه وسلم لينقلنا من خلالها إلى عبادات الله وطاعته، يجدر بنا اليوم أن نقف مع عادة فطرية إنسانية كونية، لنبحث عن هدي حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فيها، ألا وهي هديه صلى الله عليه وسلم في النوم، أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، قال الله تعالى في سورة البقرة: “اللَّهُ لَا إله إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ”، وقال أيضا في سورة النبأ: ” وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا“، وقال جل وعلا في سورة الزمر: “الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”، فمن حكم الله تعالى وبديع صنعه، أن جعل النوم سكونًا للجوارح والأبدان، وراحة لها مما يعرض لها من التعب، فترتاح به الحواس من تعب اليقظة، فينقطعون به عن حركاتهم في النهار، وبه يزول عنهم الإعياء والتعب، فالنوم حاجة فطرية جبلت عليها المخلوقات ذوات الأنفس جميعا، فهي تنام تلبية لدواعي الفطرة، لكن بالنسبة لنا نحن معشر المسلمين، فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بسنته العملية والقولية معا كيف ننتقل بفعلنا الفطري هذا إلى عبادة ربانية خالصة، ويكون وقت النوم عندنا مشغولا بطاعة الله، مأجورا عليه، مثله كمثل الأوقات التي يقضيها المسلم في العبادات الأخرى، فتعالوا بنا لنتعرف على فراش النبي وهيئته صلى الله عليه وسلم في النوم، ذكرت كتب السنة الصحيحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام على الفراش تارة، وتارة كان ينام على النطع، والنطع في اللغة يعني بساط من الجلد، كما كان ينام على الحصير أحياناً، وعلى الأرض أحياناً أخرى، وثبت عنه أنّه نام على السرير، وأحياناً أخرى على كساء أسود، وكان فراشه عليه الصلاة والسلام ووسادته أدماً حشوها ليف، وكان له مسح، والمسح هو الكساء المصنوع من شعر، فينام عليه يثنى ثنيتين، والمقصود أنّه نام على الفراش وتغطى باللحاف، قال عبَّاد بن تميم عن عمه (ض) قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رِجليه على الأخرى.

وكان فراشه أَدَماً حشوُه لِيف. وكان له مِسْحٌ ينام عليه يثنى بثَنيتين، وثُني له يوماً أربع ثنيات، فنهاهم عن ذلك وقال: ” رُدُّوه إلَى حَالِهِ الأَوَلِ، فَإنَّه مَنَعَنِي صَلاَتِي اللَّيْلَة”، وقال لنسائه: “لا تُؤْذِيني في عائشةَ، فإنه واللهِ ما نَزَلَ عليَّ الوَحْيُ وأنا في لحافِ امرأةٍ منكن غيرَها”، وكانت وسادتُه أَدَماً حشوها ليف. أما عن صفة نوم نبينا عليه الصلاة والسلام، فقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام على هيئة وصفة بعيدة عن الاستغراق حتى لا يثقل به النوم ويظل متنبهاً، لذلك كان ينام في أول الليل، ومما جاء في صفة اضطجاعه ونومه إذا آوى إلى فراشه حديث عن سيدنا حذيفة بن اليمان (ض) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كان إذا أوَى إلى فراشِه وضع يدَه يعني اليمنَى تحت خدِّه ثمَّ قال اللَّهمَّ قِني عذابَك يومَ تبعثُ أو تجمَعُ عبادَك“، وعنه (ض) أيضا أنّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: “باسمك اللهم أموت وأحيا“، وأثر عنه في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول إذا أوى إلى فراشه: “الحمدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ له وَلاَ مُؤْويَ” وكان يقول إذا أوى الى فراشه: “اللهم رب السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَرَب العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كلِّ شَيءٍ، فَالِقَ الحَبَ وَالنَّوى، منزلَ التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ، وَالفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنتَ آخِذ بِنَاصِيتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الآخِرُ، فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ، فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقضِ عَنَّا الدَّينَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفقْرِ“. وفي حديث آخر: “كان رسولُ اللهِ إذا أوى إلى فراشه كلَّ ليلةٍ جمع كفَّيه فنفث فيهما، وقرأ فيهما “قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ” و”قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ” و”قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ”، ثم مسح بهما ما استطاع من جسدِه، يبدأ بهما رأسَه ووجهَه، وما أقبل من جسده، يصنعُ ذلك ثلاثَ مراتٍ”، ذكر الإمام النووي في شرح هذا الحديث أنّ النفث هو نفخ بلا ريق من الفم، وقد حرص النبي الكريم على تلك السنة في سائر أحواله وفي صحته ومرضه، حتى يتعلمها أصحابه، فتكون حرزاً لهم من الشياطين وتسلطها، وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو حاتم عن أبي قتادة: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عرَّس بليل اضطجع على شقِّه الأيمن، وإذا عرَّس قبيل الصبح نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه”، والتعريس في اللغة معناه نزول المسافر في آخر الليل حتى يستريح وينام. هذه أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات بعض آداب النوم التي علمنا إياها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حتى يكون نومنا عبادة، ولنا لهذا الموضوع عودة في الجمعة المقبلة إن شاء الله تعالى، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد له رب العالمين.

الخطبــة الثانـيـة

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، تحل بنا اليوم الذكرى الحادية والعشرين لوفاة الملك الراحل الحسن الثاني، هذا الرجل، الذي وهب حياته منذ نعومة أظفاره لخدمة المغرب والمغاربة، فكان وهو ولي لعهد أبيه المغفور له محمد الخامس نعم المستشار والمعين والمترجم والمفاوض إبان اشتداد الإستعمار على بلادنا، وبعد أن تولى قيادة الأمة وإمارة البلاد، لم يتوان لحظة في الرقي بالمملكة المغربية داخليا وخارجيا، خطط للتنمية علميا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، فبنى المدارس والمعاهد، والكليات والجامعات، وشيد الطرقات لتأمين المواصلات، والسدود لتحصل بفضلها كفايات المغاربة من الماء، ودعا إلى استصلاح الأراضي وسقيها للإكتفاء بمنتوجها من حاجيات المغاربة في الغذاء، وسعى لتوحيد البلاد بتنظيمه للمسيرة الخضراء من أجل استرجاع الجزء المغتصب من الصحراء، كما كانت له على الأمة الإسلامية أياد بيضاء، بوقوفه معهم ملكا وشعبا في حروبهم ضد الصهاينة، وبتنظيمه لمؤتمرات دولية للنظر في مشكل إخواننا الفلسطينيين، وخلق بيت مال القدس لعمارة المسجد الأقصى وخلق مشاريع لفائدة إخواننا الفلسطينيين، كما كان بعيد النظر في أمور استراتيجية وكونية بتنظيمه لأول مؤتمر دولي للنظر في مشكلة الماء، ولازالت أعماله التي أسسها تذر نتاجها، نذكر منها الدروس الحسنية المباركة، ودار الحديث الحسنية، وغيرها من المنشآت التي تخلد عظمة هذا الملك الذي حنكته التجارب، وهيأته الظروف للنهوض ولبناء المغرب الحديث، فرحمة الله تعالى عليه، والحمد لله، وها هو وارث سره مولانا أمير المؤمنين محمد السادس، أدام الله عزه وملكه، يواصل هذه المسيرة العظيمة، للتنمية البشرية، وربط المغرب بقارته الإفريقية والشعوب العالمية، منذ أن تولى عرش المملكة، وهو  يسعى للنهوض بالأمة المغربية، والحفاظ على أمنها واستقرارها، محفزا المغاربة على القيام بمسؤولياتهم والإخلاص فيها لملكهم ووطنهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً”، الدعاء

خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق؛ التأسي برسول الله: هديه صل الله عليه وسلم في النوم؛ الجمعة 9 ربيع الثاني 1441 موافق 6 دجنبر 2019.

 

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *