نعمة الصحة ونعمة الفراغ
نعمة الصحة ونعمة الفراغ
الأستاذ المهدي البريشي
الحمد لله الذي أقل نعمه يستغرق أكثر الشكر، حمدا لإنعامه مجازيا ولإحسانه موازيا، وإن كانت آلاؤه لا تجازى ولا توازى ولا تجارى ولا تبارى.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد سليل أكرم نبعة وقريع أشرف بقعة، وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار، ومن اقتفى أثرهم بإحسان إلى تلكم الدار.
أمابعد،
عباد الله، معلوم عند الناس أجمعين أن الصحة كنز كبير ورأس مال ثمين، بل ويجري على ألسنتهم ذلك في كل حين، سيما عند الإشفاق على بعض المتألمين.
فهل نقدر هذا الكنز الثمين؟ أم نصرفه دون نظر في المآل الحزين؟ وقد نبهنا سيد العالمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم إلى ذاك الغبن المشين، فقال فيما روي في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم : “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ”
فما هو الغبن عباد الله؟
الغبن هو أن تشترى السلعة بأكثر من ثمنها أو تباع بأقل من ثمنها.
والغبن في الصحة والفراغ حاصل من الجهتين.
فصاحب الصحة والفراغ الذي لا يأبه بهما في أي شيء صرفهما أو وظفها قد باع غاليا برخيص وأدخل على نفسه التنقيص.
ولنبدأ بالحديث عن الصحة التي عدها الشرع أمانة وجب حفظها قبل الحين، واستثمارها فيما ينفع في الدارين.
أما حفظها فقد قال تعالى: ” ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين”
وهذه آية عامة في حفظ النفس من سائر المهالك مع طلب الإحسان في سائر المسالك.
ويذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم، وتلا قوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف.
وروى البخاري أن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال لأبي الدرداء رضي الله عنه: إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فأَتَيَا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذكَرَا ذلكَ، فقال له: صَدَقَ سَلمانُ.
ثم إن عليك أخي المسلم وعليك أختي المسلمة أن تستثمرا هذه الصحة فيما ينفع قبل العجز والمرض.
علينا أن نحافظ على الصلوات الواجبات ونزيد النوافل والرواتب المستحبات فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر.
وعلينا أن نزيد على صيام رمضان صيام الأيام الفاضلة وعلينا أن نجتهد قدر المستطاع في الاعتمار وعمارة الأعمار بالصالحات والأذكار.
الإكثار من تلاوة القرآن والذكر والتهليل والصلاة على سيد ولد عدنان.
هذا في حالة الصحة، فماذا علينا حالة المرض؟
أجاب عن ذلك العلامة سيدي محمد البشار في نظمه المسمى بأسهل المسالك في نظم مذهب الحبر الإمام مالك بقوله.
اعلم يقينا كل روح زاهقه
وكل نفس للممات ذائقه
على المريض أن يتوب عاجلا
وكل داء للفؤاد غاسلا
وأن يرد الغصب والتباعه
ويقضي الدين أو الوداعه
وكاتبا وثيقه لديه
مما له من حق أو عليه
وأن يديم الذكر والدعاء
والحمد والتهليل والثناء
يقرا دعا ذي النون أربعينا
والرعد والإخلاص مع ياسينا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على إعطائه وامتنان، وأشهد أن لا اله إلا الله تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي الى رضوانه، وأصلي وأسلم على آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه.
وبعد،
عباد الله، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ
وقد تكلمنا بما فتح الله على الصحة وجاء الدور على الفراغ.
عباد الله، لو رأيتم إنسانا يحمل كيسا كبيرا من الدراهم، يدخل فيه يده فيخرج ماشاء الله أن يخرج ثم يقذف بها في الشارع يمنة ويسرة هل تحسبونه على العقلاء؟
كلا وألف كلا؟ سيجزم الناس أنه خارج عن دارة العقلاء.
فكيف بمن ينثرالساعات والأيام، بل الشهور والأعوام، والعمر كله في الأوهام.
من الناس من يجلس الساعات يوميا أمام شاشة التلفاز أو شاشة لهاتف على مواقع التواصل من غير أن يجني نفعا ماديا أو معنويا ينفعه في دنياه او أخراه.
وأفضل المضيعين حالا من يقضي جل وقته نوما فلا عيشة ترضى ولا كسب طاعة.
وقد روى ابن عباس قال قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه : اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك.
فالفراغ إما أن يكون لك بعمارته بالصالحات وإما أن يكون عليك إن أهمل سائر الأوقات.
قال أبو العتاهية:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة
الختم بالدعاء