نشأة إنتفاضة محمد ولد سيد إبراهيم بصيري في العيون
خلال إحدى ندوات الذكرى 46 لإنتفاضة محمد ولد سيد إبراهيم بصيري التاريخية التي أقامتها الزاوية البصيرية في مدينة لفقيه بنصالح يوم الخميس الماضي 26 ماي 2016 و حضرها وفد كبير من العلماء و ممثلي القبائل الصحراوية القادمين من الأقاليم الجنوبية و الكاتب العام لعمالة لفقيه بنصالح فاضل لمين ممثلا لعامل الإقليم،عرض زعيم تيار خط الشهيد المحجوب ولد السالك عددا من المعطيات التاريخية عن الذي جرى بعد موقعة إكوفيون عام 1958 و قيام المغرب بتصفية جيش التحرير في الصحراء المغربية.و في هذا العرض الذي عنونه ولد السالك ب”إنتفاضة الزملة 17 يونيو 1970 و عبقرية الزعيم سيد إبراهيم بصيري”،قال زعيم خط الشهيد المعارض لقيادة البوليساريو إن الأوضاع الإنسانية ساءت حينها،فبعد أن تسلم المغرب من إسبانيا مدينة طرفاية،أصبح سكان الصحراء مشتتين بفعل تعدد جنسياتهم،فمنهم من يحمل الجنسية الإسبانية لأنه كان يقيم في المناطق التي سيطرت عليها إسبانيا،و آخرون بجنسية مغربية،و بعضهم بجنسية فرنسية و جزائرية،و كانت غالبيته منشغلة بالرعي و البحث عن الكلأ لماشيتهم و التجارة أحيانا.هذا الوضع دفع أفراد الأسر الصحراوية الواحدة إلى تقديم هويات مختلفة حين الوصول إلى حدود إحدى الدول التي يحملون جنسيتها في ظل غياب الدفتر العائلي أو الحالة المدنية بالتعبير الدارج.
و يضيف المحجوب ولد السالك في مداخلته،بأنه بعد سنة 1966،بعثت إسبانيا و المغرب و موريتانيا بوفود إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك للحديث بإسم الصحراويين،و إنضم الوفد القادم من المغرب إلى الصحراويين القادمين من موريتانيا،فخشيت إسبانيا من أن يحدث تحالف بين الطرفين،فأمرت جميع الصحراويين الذين يوجدون آنذاك على الأراضي الصحراوية التي تستعمرها بأن يوقعوا على وثيقة تمنح إسبانيا تفويضا للحديث بإسم الصحراويين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة،كان ذلك سنة 1967،و هو ما عرف حينها ب”عام السنيات”.ردا على هذا المطلب،نفذ إعتصاما،العديد من رموز الصحراء كخطري ولد الجماني و محمد مولود ولد أبا علي و آخرين،و أضرب عمال الطرق،و تأزمت الأوضاع،مما جعل إسبانيا ترضخ لمطلب تشكيل جمعية عامة من الشيوخ الصحراويين بقيادة خطري ولد الجماني،و هي المجموعة نفسها التي بايعت الملك الراحل الحسن الثاني إبان المسيرة الخضراء.
المحجوب ولد السالك هاجم هؤلاء الشيوخ،و أشار إلى انهم لم يدافعوا إلا عن مصالحهم،بينما بقية المواطنين يعيشون في ضائقة إقتصادية،و هو ما نجم عنه توفر ظروف مواتية لقيام ثورة بالصحراء ضد المستعمر الإسباني،فأتت الأقدار،يضيف ولد السالك،بالشاب محمد ولد سيد إبراهيم بصيري،الذي درس في الرباط و القاهرة و دمشق،ليحمل مشعل الثورة مسلحا بمساره الصحافي،فأجرى إتصالات مع محمود بيد الله،أحد رموز السمارة آنذاك.و بعد ذلك تنقل بشكل دوري بين شباب الصحراء في السمارة و العيون،مستعملا لباقته في الكلام،و ذكاءه في التعاطي مع الأفكار و بلورتها.و في مارس 1969،أسس محمد ولد سيد إبراهيم بصيري مدرسة لمحو الأمية و تعليم اللغة العربية و الثقافة العامة بمدينة السمارة،فقرر بعدها عقد لقاء تأسيسي مع مجموعة من الشباب،أفضى إلى إنشاء ما أسمته إسبانيا لاحقا ب”الحزب المسلم،و تم ذلك في 12 دجنبر 1969.
و يضيف ولد السالك ساردا الوقائع التاريخية الخاصة بإنتفاضة محمد ولد سيد إبراهيم بصيري،”إنه في 8 يونيو 1970،قدم بصيري مذكرة للسلطات الإسبانية هي عبارة عن تسجيل صوتي يدعو إلى إعتماد الحكم الذاتي،للحيلولة دون إراقة الدماء.و في 16 يونيو 1969،إجتمعت قيادة التنظيم بالعيون،و طلبت من بصيري مغادرة المنطقة،فرفض بالقطع أن يغادر قائلا:الموت معكم أو السجن”.و يشير ولد السالك إلى أن الوضع بات حينها ساخنا مع خروج الصحراويين إلى شوارع العيون رافعين شعار:الصحراء للصحراويين،فتعرضت الجماهير لهجمة من اللفيف الأجنبي،و سقط ضحايا كثر قتلى و جرحى لا يعرف عددهم حتى الآن.و نفذت في تلك الليلة إعتقالات طالت أساسا قائد التنظيم محمد ولد سيد إبراهيم بصيري.
في مطلع سنة 1970،يضيف ولد السالك،عقد الحاكم العام الإسباني إجتماعا مع شيوخ صحراويين في مدينة الداخلة،لتقييم الأوضاع و ترتيب الخطة المقبلة،فطالبه أحد الشيوخ الحاضرين بإطلاق سراح المعتقلين و المجندين،و هو ما تم لاحقا،لكن من دون أن يكون بينهم محمد ولد سيد إبراهيم بصيري الذي ظل مصيره مجهولا حتى الآن.و يختم ولد السالك مداخلته بالإشارة إلى أن إسبانيا هي المسؤولة المباشرة عن إختفاءه،مؤكدا أن المعلومات الشحيحة حول إختفاءه تشير إلى أنه قد أعدم من طرف السلطات الإسبانية،و دفن في مكان مجهول حتى اليوم.