من مفاتيح التيسير طلب رضا الوالدين
من مفاتيح التيسير طلب رضا الوالدين
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، تبعا للخطب التي تكلمنا فيها عن مواضيع مفاتيح تيسير الأمور، سنتطرق اليوم لمفتاح آخر ناجع مجرب، ألا وهو السعي في طلب رضا الوالدين بشكل دائم مستمر، فمعلوم لدى الجميع أن الشخص المرضي، الساعي في طلب رضا والديه، يصاحبه التيسير والفلاح أينما حل وارتحل،وتلاحقه الدعوات الصالحة لوالديه صباحا ومساء ليلا ونهارا، فهو بإذن الله ميسرة أموره موفق منتصر ناجح في الدنيا والآخرة، والعكس بالعكس نسأل الله السلامة والعافية.فكثيرون هم الذين يشتكون انغلاق أبواب التيسير أمامهم بعد الأخذ بكل الأسباب، هؤلاء أقول لهم راجعوا علاقتكم بوالديكم سواء كانوا في الحياة أم في الممات. وإني لأستغرب لشخص يعكر قلب والديه عليه بين الحين والآخر كيف يطلب تيسيرا أو ربحا أو انتصارا أو سعادة إن في الدنيا أم في الآخرة؟، إذن فما هو معنىالبرور الحقيقي الموصل إلى التيسير والفلاح؟ وكيف يبر الإنسان بوالديه سواء كانوا على قيد الحياة أم انتقلوا للدار الآخرة؟
عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً …﴾ الآية، وأخرج الإمام الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: “رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد”، دققوا فإذا سخط الوالد وسخط الرب عليك، فكيف تطلب نجاحا أو تيسيرا أو اطمئنانا؟
عباد الله،البار بوالديه حقا وحقيقة، هو الشخص المرضي الذي يسعى دوما إلى طاعتهما واجتناب معصيتهما، وأن يكون دائما في خدمتهما ويحرص على عدم مخالفتهما أو التضجر من ذلك،والإحسان إليهما بقدر الاستطاعة، وخفض الجناح لهما، والبعد عن زجرهما، والإصغاء إليهما، والفرح بأوامرهما، والتودد لهما، والجلوس أمامهما بأدب واحترام، وتجنب المنَّة في الخدمة أو العطِيَّة، وتقديم حقّ الأم على الأب كما ورد الأمر بذلك في سنة المصطفى ﷺ، ومساعدتهما في الأعمال، والبعد عن إزعاجهما، وتجنب الشجار وإثارة الجدل أمامهما، وإصلاح ذات البَيْن إذا فسدت بين الوالدين، والاستئذان حال الدخول عليهما، وتذكيرهما بالله دائمًا، واستئذانهما والاستنارة برأيهما، والمحافظة على سمعتهما، والبعد عن لومهما وتقريعهما، والعمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به، وفهم طبيعتهما ومعاملتهما بمقتضى ذلك، وعدم الكذب عليهما، أو التمارض لكسب عطفهما،وتجنب عدم السؤال عنهما في حال البعد عنهما،أوعدم الامتثال لتوجيهاتهما، وتحري محابهما، وتوقي مكارههما، والرفق بهما، وبالجملة فكل ما أرضى الوالدين في غير معصية الخالق وكل الوسائل الموصلة لذلك من جميع أنواع المعاملات العرفية، فإنه داخل في البر.
وإذا تأملنا عباد الله في حالناهل نحن كذلك؟ هل تتوفر فينا هذه الصفات وهذه الأخلاق في علاقتنا بوالدينا؟ سنجد بأن الآية عكست، وأصبحالآباء والأمهات في أيامنا هذه هم الذين يطلبون رضا ابنائهم، وصدق سيدنا رسول اللهﷺ عندما ذكر من علامات الساعة أن تلد الأمة ربتها. فهل تعلمون معنى أن تلد الأمة ربتها؟ المقصود بذلك أن تلد المرأة سيدها أو سيدتها،عندما يكثر العقوق في الأولاد في آخر الزمان، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والضرب والاستخدام والفظاظة والغلظة، والعياذ بالله.
عباد الله، روى الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:”ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده”، دققوا فإن دعا لك والداك بالخير يصلك، وإن دعوا لك بالشر يصلك،علاوة على كون بر الوالدين سبب لمغفرة الذنوب والزيادة في العمر والرزق، وأن العقوق من أسباب تعجيل العقوبة في الدنيا، كما ورد في صحيح الإمام الحاكم عن أبي بكرة رضي الله عنه:” كل الذنوب يؤخر الله منها ماشاء إلى يوم القيامة، إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجل لصاحبه”، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المرضيين مع والديهم، وأن يجعل لنا ذلك سببا لكل تيسير، أمين أمين أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله،روى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: “بينما ثلاثة نفر يمشون، أخذهم المطر، فأووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض، انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم، قال أحدهم، -وهو الشاهد الذي يهمنا في القصة-: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم حلبت، فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بني، وإني استأخرت ذات يوم فلم آت حتى أمسيت، فوجدتهما ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما، وأكره أن أسقي الصبية، والصبية يتضاغون عند قدمي حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء، ففرج الله فرأوا السماء…”، تأملوا عباد الله صخرة عظيمة تغلق على القوم فم الغار الذي نزلوا فيه، فيستغيث أحدهمويتوسلإلى ربه بصالح عمله مع والديه، فيستجيب الله له ويفرج عنه وعن القوم الذين كانوا معه.
واعلموا عباد الله أن من فاته التحصل على رضا والديه في حال حياتهما، أنه بإمكانه ذلك في حال وفاتهما، أولا بالتوبة النصوح لله عما فرط في حقهم، وبالعمل بما أخرجه الإمام البخاري عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: كنا عند النبي ﷺ فقال رجل: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما؟ قال: نعم خصال أربع: “الدعاء لهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لارحم لك إلا من قبلهما”، أسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل ذلك، والحمد لله رب العالمين.