من مفاتيح التيسير الحرص على الطهارة

من مفاتيح التيسير الحرص على الطهارة

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، يتساءل العديد من الناس بين الحين والآخر عن أسباب عدم تيسير أمورهم من قبل الله عز وجل، وأنهم يجدون الأبواب مقفلة أمامهم كما يظنون، وأنهم لا يلمسون قبولا في معاملتهم للخلق، فتجدهم يبحثون عن المفاتيح التي تتيسر بها الأمور وتفتح بها الأبواب وتقضى بها الحوائج وتنشرح بها الصدور بفضل من الله ونعمة.

وهذه المفاتيح عباد الله متعددة، ويأتي في مقدمتها الحرص على الطهارة الصغرى والكبرى في حال التلبس بموجباتهما، والحرص على الدوام على الطهارة الحسية، هذا عباد الله، أول مفتاح من مفاتيح التيسير ليحصل التواصل الحقيقي بينك وبين ربك سبحانه وتعالى لتظفر بإمداداته وفتوحاته وخيراته وبركاته. لأنه لايتصور تواصلا حقيقيا بينك وبين ربك دون طهارة تامة، فالطهارة هي مفتاح قبول وكمال العبادات والأعمال،ولذلك إذا رأيت إنسانا تفضل الله عليهبفيوضات منه فاعلم أنه يحرص على الطهارةالحسّية قبل المعنوية، ويتضح ذلك كله على ملامح وجهه، وكلماته، وحسن استقباله. وإن كان أسمر اللون فتجده يأسرك ويخطف قلبك بنورانيته. وقد تجد إنسانا أبيض اللون، لكن ليس في وجهه نور؛ لأن فيوضات الله غير متجلية عليه.”ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور”.

وإني لأستغرب عباد الله من الناس الذين يرخصون لأنفسهم الخروج من بيوتهم وهم جنب، فيقابلون غيرهم من الناس وهم على هذه الشاكلة، وربما يزاولون أعمالهم طول النهار على هذه الصورة، وأستغرب أيضا من الذين يستعجلون في إزالة النجاسات، ولايدققون ولا يتريثون حتى تخرج منهم آخر القطرات، فمن كانت هذه حاله، فيوما بعد يوم سيجد في نفسه تثاقلا في النهوض للطهارة والحرص على التدقيق فيها، فمثل هذا كيف ينتظر أن تقبل منه أعماله التي يقدمها لربه؟ وكيف ينتظر تيسيرا لأموره أو أن يجد انشراحا في صدره؟ أو قبولا في معاملة الناس له؟ وقد عمنا الله سبحانه وتعالى بواسع فضله، ولله الحمد وله المنة، بوجود الماء في كل زمان ومكان، فلماذا لانتخلق بخلق يحبه الله ورسوله ﷺ فنسعى في إزالة النجاسة من أبداننا وأثوابنا ونبقى كذلك على الطهارة في كل أحاييننا؟

عباد الله، قال الله تعالى في كتابه الكريم: “لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين”، نزلت هذه الآية في أهل قباء، ضواحي المدينة المنورة على ساكنها أطيب الصلاة وأتم التسليم.

روى الدارقطني بسنده أن رسول الله ﷺلما نزلت هذه الآية قال: يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم هذا ؟ قالوا: يا رسول الله، نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة. فقال رسول اللهﷺ: فهل مع ذلك من غيره ؟ فقالوا: لا غير، إن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء. قال: هو ذاك فعليكموه”.وأضافواولا نبيت على جنابة، ولا نصرّ على ذنب، فإن غلبنا الذنب تعجّلنا التوبة.

عباد الله، لقد أثنى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية على من أحب الطهارة وآثر النظافة، وهي مروءة آدمية ووظيفة شرعية،وأطلقت محبتهم للطهارةكناية عن عمل الشيء المحبوب، لأن الذي يحب شيئاً ممكناً يعمله لا محالة. فقصد الحق سبحانه التنويه بهم بأنهم يتطهرون تقرباً إليه بالطهارة وإرضاء لمحبة نفوسهم إياها، بحيث صارت الطهارة خُلقاً لهم، فلو لم تجب عليهم لفعلوها من تلقاء أنفسهم، ومعنى الحب هو ميل الطبع إلى شيء تنبسط له النفس وتخفّ لعمله، والحب هنا متبادل بينهم وبين الخالق عز وجل، وللعلم فلا شيء أقسى على النفس من أن يكون الحب من طرف واحد، قال تعالى:”فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين”.أسأل الله عز وجل أن يحبب إلينا الطهارة والنظافة في كل الأوقات وأن يجعلها لنا سببا لنيل محبته في الحياة الدنيا وبعد الممات، أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

أما بعد فيا عباد الله، ثبت في المتفق عليه أن النبي ﷺمر على قبرين،فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لايستنزه من البول وفي لفظٍ لا يستتر من البول، فأخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز على كل قبرٍ واحدة، وقال: لعله يخفف عنهما ما لم تيبسا”.

عباد الله، إن الذي يحب أن يكون طاهرا دائما، قد أنس بفيوضات الله عليه، وما دامت ذراته كلها طاهرة من النجاسات يصبح جهاز استقبال الفيوضات من الله عنده صالحا دائما للاستقبال، والحق سبحانه وتعالى يرسل إمداداته في كل لحظة، ولا تنتهي إمداداته على الخلق أبدا، ولذلك قال الحق سبحانه:” بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء”،فلنحرص دائما على أننتناول من يد ربنا المدد الذي لاينتهي،ولنصحّح جهاز استقبالنا؛ بألا توجد فيه نجاسة حسيّة أو نجاسة معنوية؛وفي هذا المقام دعوني أضرب لكمالمثال التالي:كل المحطات الإذاعية ترسلإرسالها بشكل دائم، ومن يملك جهاز استقبال سليم فهو يلتقط البث الإذاعي، أما إن كان جهاز الاستقبال فاسدا فهذا لا يعني أن محطات الإذاعة لا تبث برامجها، روى الإمام مسلم عن أبي مُوسى الأَشْعَرِيِّ، رضِي الله عنه، عن النَّبِيَّ ﷺقَالَ: إِن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها”، والليل قد ينتهي عند إنسان، ويبدأ عند إنسان آخر، وهكذا النهار، فإنه يبدأ عند إنسان وينتهي عند آخر، فالليل مستمر دائما والنهار مستمر دائما، فيداه سبحانه مبسوطتان دائما ولا تنقبضان أبدا.فالمهم أن تكون جاهزا، ولا جاهزية بدون طهارة، روى الإمام البخاري أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لبِلالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ: يا بلَالُ، حَدِّثْنِي بأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلَامِ؛ فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ. قالَ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِندِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا، في سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بذلكَ الطُّهُورِ ما كُتِبَ لي أَنْ أُصَلِّيَ، فتأملوا رحمكم الله، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *