من أعظم دروس رمضان تعليم الصبر لبني الإنسان

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “ياأيها الذين أمنوا استعينوا بالصبر والصلاة”، ويقول عز وجل في آية أخرى:” ياأيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون”، وروى الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه إِنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ”.

أيها الإخوة الكرام، الله سبحانه وتعالى فرض علينا صيام شهر رمضان وندبنا إلى قيامه، ومنعنا فيه من الاقتراب من شهوات الأكل والشراب والفرج وغيرها، وأجرنا على ذلك أعظم الأجر، ولاشك أن ذلك كله يحتاج إلى صبر ومكابدة ومشقة وتعب، وجعل الأجر على قدر المشقة والتعب، لذلكم فإن من أعظم الدروس التي ينبغي أن نتعلمها من مدرسة رمضان التمرن والتدرب على الصبر، ولو لم يكن من دروسه العظيمة الكثيرة سوى هذا الخلق النبيل لكان يكفي.فما أعظمه من إله يفرض علينا الفرائض ويوفقنا للصبر على أدائها ويؤجرنا عليها، فلك الحمد ولك الشكر على ذلك.

جميعنا أيها الإخوة والأخوات يصبر عن الأكل والشراب ويصبر عن شهوة الفرج مدة من الزمان في شهر الصيام والقيام، غالبيتنا يمرن نفسه على غض البصر وعلى لجم الفم عن الخوض في أعراض الناس وغيبتهم وغشهم وغير ذلك من الرذائل، غالبيتنا يقوم الليل ويتضرع إلى الله ويحضر صلوات الجماعة، غالبيتنا يتصدق مما آتاه الله على المساكين والمعوزين، ولو لم يوفقنا المولى عز وجل للصبر لفعل كل ذلك وغيره ماصبرنا، يقول سبحانه:” واصبر وما صبرك إلا بالله”، لذلكم فشهر رمضان فرصة وأي فرصة لتعلم خلق الصبر، والصبر خلق لابد منه في حياتنا إذا أردنا النجاح وتخطي العقبات في أي أمر من أمور الدين أم الدنيا. فماهو الصبر؟ وماهي أهميته في حياتنا؟ وكيف نتعلمه؟ وماهي تجليات عدم تحققنا بهذا الخلق؟

أيها الإخوة الكرام سئل الرباني الكبير العالم العامل الجنيد رحمه الله عن الصبر فقال: “تجرع المرارة من غير تعبيس”، وقال رباني آخر:” الصبر التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة”، وقال آخر:” الصبر هو المقام مع البلاء بحسن الصحبة كالمقام مع العافية”، وقال غالبية أهل العلم: “الصبر على ثلاثة ضروب، الضرب الأول: الصبر على طاعة الله تبارك وتعالى، والضرب الثاني: الصبر عن معصية الله، والضرب الثالث: الصبر على البلاء والمحن والشدائد، ومن هنا جاء قول الله سبحانه وتعالى:”ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين”. فالصبر يعتبر جزء كبير من الإيمان بل هو نصف الإيمان كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله”، فمن آتاه الله صبرا فقد أوتي خيرا كثيرا.

نعم أيها الإخوة والأخوات اليوم نحن في أمس الحاجة لهذا الخلق العظيم، لأنه عند التمعن والنظر في الحياة التي نعيشها، تجد الغالبية منا لم تعد تجعل من هذا الخلق وصفا لها، ولم تعد تعمل على تربية أولادها على مقتضاه، هذا الخلق بدأ يغيب في أسرنا وفي الحياة التي نشتركها مع الناس سواء في الشارع أم في الأسواق أم في الإدرات ومختلف الأعمال وغيرها، وغالبية المشاكل التي ترون، وخاصة المشاكل التي تعيشها ناشئتنا وشبابنا والأسر الحديثة العهد بالزواج، والمشاكل التي تعيشها العديد من المؤسسات والشركات وغيرها، غالبها ناتج عن قلة الصبر أو عدمه، فمثلا عندما نعود أبناءنا الصغار على إحضار كل مايطلبون في الحين، ولو كان من التحسينيات ولم يكن من الضروريات، هل نطمع أن نعلمهم الصبر؟، إذا كان الوالد والوالدة يتشجاران ويتسابان ويرفعان أصواتهما أمام الأبناء، هل نطمع أن نعلمهم الصبر؟ إذا رأينا الأبناء في صحبة الفاشلين وأصدقاء السوء ولم نأخذ على أيديهم، هل نطمع أن نعلمهم الصبر؟ إذا رأيناهم يضيعون أوقاتهم فيما لافائدة فيه، يسهرون إلى وقت متأخر وينامون إلى وقت متأخر ولاينجزون واجباتهم ولايحفظون دروسهم، فهل نطمع أن يتعلم أمثال هؤلاء الصبر على التحصيل والجد؟ وهل نطمع أن نراهم يوما ما من الواصلين؟ إذالم تكن لنا رفقة من الصالحين والمتقين نجالسها ونستفيد منها بين الحين والآخر، كيف نطمع أن نتعلم الصبر أو نعلمه لمن يعيش معنا؟ ألا ترون إلى سيدنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو من هو، عند مرافقته للعبد الصالح الخضر عليه السلام، كيف ظل يردد على مسامعه طول مرافقته له:”إنك لن تستطيع معي صبرا”، فكل مرافقة في هذه الحياة تحتاج إلى صبر، علاقتك بربك تحتاج إلى صبر، علاقتك بزوجك وأبنائك تحتاج إلى صبر، علاقتك بمعلمك وأستاذك تحتاج إلى صبر، علاقتك برئيسك تحتاج إلى صبر، علاقتك بالناس من حولك تحتاج إلى صبر، وهكذا دواليك، ومن أهم أسباب فشلنا اليوم في التربية عدم تعليم وتدريب الناشئة على الصبر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور أولا:” ومن يتصبر يصبره الله”، فالصبر موضوع للتكلف كالتحلم والتشجع والتكرم والتحمل ونحوها، وإذا تكلفه العبد واستدعاه صار سجية له، وكذلك العبد يتكلف التعفف حتى يصير التعفف له سجية، وكذلكم سائر الأخلاق. أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل الصبر سجية لنا وخلقا من أخلاقنا، أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد فياعباد الله، يقول عز وجل في قصة سيدنا يوسف على نبينا وعليه السلام:”إنه من يتق ويصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين”، هذه الآية هي خلاصة قصة سيدنا يوسف ودرسها الأهم، وهي خلاصة المحن العظام التي اجتازها واحدة تلو الأخرى، ومعناها أن العبد لايصل إلى مطلوبه وينال مراده إلا بالتقوى والصبر، وهذا هو الحق الذي نطقت به الشرائع وأرشدت إليه التجارب، فمن يتق الله فيما به أمر وعنه نهى، ويصبر على ما أصابه من المحن وفتن الشهوات والأهواء، ولا يستعجل الأقدار بشيء قبل أوانه، فإن الله لا يضيع أجره فى الدنيا ثم يؤتيه أجره فى الآخرة.

تأملوا أيها الإخوة والأخوات في حياة وسير أغلب الأنبياء والرسل والصالحين من الناس والناجحين سواء في أمور الدنيا أو الآخرة، تجدونهم تمرنوا على الصبر وجعلوه واحدا من أخلاقهم، صبروا في المحافظة على الوضوء، صبروا في المحافظة على الصلاة وتأديتها في الوقت مع الجماعة، صبروا في مناجاة خالقهم والناس نيام كل يوم، صبروا على صحبة الناس وتحمل إذايتهم لوجه الله، أتيحت لهم الفرص لمقارفة المعاصي وتجنبوها صبرا عن معصية الله، صبروا على مختلف البلايا التي يبتليهم بها الله ولايشكون ألما لأحد من الناس، وكلما سألتهم عن أحوالهم وآلامهم، قالوا: الحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه، كابدوا الأسباب ومختلف الأعمال وصبروا من أجل توفير لقمة الحلال درهما بدرهم يوما بيوم، قانعين بما أعطاهم الله.

هذا هو حال الأنبياء والرسل وحال الصالحين وحال الناجحين وأبطال الأمة على مر الأيام والدهور. فما وصل من وصل إلا بالصبر وبالجد والعمل، وما فشل من فشل إلا بالعطالة والكسل.

بقي أن أقول في الختام ماقاله الربانيون من العلماء :”الناس كلهم في مقام الشكر وهم يظنون أنهم في مقام الصبر”، وإذا تمرننا على الصبر طيلة أيام هذا الشهر الفضيل، فإنه يبنبغي أن يبقى واحدا من طباعنا الملازمة لنا دائما وأبدا، لأن به النجاح وبه الفلاح في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *