منهج الإسلام

منهج الإسلام                 

الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير

الحمد لله، الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، نحمده تعالى  ونشكره ونستغفره ونستعين به ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلاهادي له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمه للناس أجمعين، وقدوة للمؤمنين، وخاتما للمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : “بدأ الدين غريبا ، وسيعود  غريباكما بدأ فطوبى للغرباء”، حقا إن دين الإسلام اليوم يكاد أن يكون غريبا بين كثير ممن يعتنقونه، وأصبح الإسلام محتاجا إلى من يبينونه من جديد على حقيقته لمن يشككون أو يشكون فيه، ويشرحونه ويدللون صعابه للذين يرغبون فيه، أولئك الذين يجهلون أو يتجاهلون أن الإسلام هو الدين عند الله، وأن “من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين”، ويؤكدون لمن يريدون أن يعرفوا أن الإسلام هو طريق الخلاص، وسبيل النجاة، ومفتاح السعادة للإنسان دنيا وأخرى وفي كل  زمان ومكان، وهو الذي ينظم شؤون النفس والحس والحياة، ويسوي بين مطالب الروح والجسد و ينسق علاقة الفرد بالجماعة، وعلاقة الجماعات بعضها ببعض، ويضبط حركات الإنسان بضوابط حكيمة رشيدة، تشعره بأن له قيمة ومكانة عند الله، ورسالة في هذه الحياة، وأن له مرجعا إلى ربه الأعلى الذي خلق فسوى، ليحاسبه ويجازيه على ما قدم لنفسه من خير أو شر، قال تعالى: “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون؟”، هذا وقد أقام الإسلام نظام الحياة للإنسان على مراعاة حقوق أربعة أساسية هي حقوق الله، وحقوق النفس، وحقوق العباد، وحقوق الأشياء، فأما حقوق الله تبارك وتعالى على الإنسان فهي الإيمان به ربا خالقا قادرا رازقا، واحدا في ملكه، لاشريك له، وأنه المنفرد بالعبادة المستحق لها، مع الخضوع لما جاءنا من عنده من الحق والهدى، وهذا الخضوع الذي يستلزم الإيمان بمحمد رسول الله صلى  الله  عليه وسلم، لأنه المبلغ عن الله ،فننزل على حكمه، ونقتدي بنهجه ذكرا وعبادة وشكرا وخوفا من ربنا العظيم، ومراقبة له في كل عمل مما أوجبه  علينا من غير مشقة أو إرهاق تطبيقا لقوله عز وجل : “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”، وقوله: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”، ومن اليسر وعدم الإرهاق والعسر أن العبادات مثلا فيها عزائم ورخص، والله تعالى يحب أن توتى رخصه كما يحب أن توتى عزائمه، فالصلاة مثلا تؤدى كما تيسر لإنسان، إن وجد الماء توضأ به، وإن عجز عنه تيمم، وهو يصلي قائما إن كان سليما، وقاعدا أو مضطجعا إن كان مريضا، ويقصر الصلاة إن كان مسافرا، ويجمع بين الوقتين إن دعت الضرورة، وكذلك الصيام، فهو في النهار دون الليل أياما معدودات في شهر رمضان لمن كان حاضرا صحيحا، تطبيقا لقوله عز وجل: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات، فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام اخر”، والزكاة نسبة قليلة من المال، يدفعها من قدر واكتسب وملك النصاب، والحج لا يجب إلا على من استطاع إليه سبيلا، ووجد الصحة والمال والزاد وأمن الطريق، وهو واجب مرة في العمر، وتطوعا في كل سنة. وأما حق النفس الذي يدعو إليه الإسلام ويذكر به وينظم طريقه، فهو الذي يقول فيه القرآن الكريم: “ولا تنس نصيبك من الدنيا”، ويقول عنه رسول الله صلى  الله  عليه وسلم : “إن لنفسك عليك حقا”، وذلك بأن تصونها وتحملها على ما يزينها، وأن لا تحرمها مما أحل الله لها من الطيبات، قال تعالى: “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق”، كما يجب أن تحصنها من المهلكات والآفات كالمسكرات والمخدرات وخبيث الشهوات ومراتع المفسدات، وأن تزكيتها بالطهارة الحسية والنفسية عن طريق النظافة والعبادة والتفكر في ملكوت الأرض والسماوات، وأن تجملها بمكارمالأخلاق ومحامد الصفات حتى تكون قريبا من رسول الله صلى  الله  عليه وسلم الذي يقول: “إن أقربكم مني مجالسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الذين يألفون ويولفون”، وقد وهب الله للإنسان في نفسه طاقات ومواهب تثمر أطيب الثمرات إذا أحسن استعمالها واستخدامها، وتنتج أوخم العواقب إذا أساء توجيهها وأطلق لها العنان في تصرفاتها، ولذلك يقول الله عز وجل: “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها”، وأما حق العباد فيقوم على أساس أن الناس كلهم عباد الله، وأن الكل مخلوقون من نفس واحدة، فبينهم صلة رحم إنسانية يجب عليهم أن يراعوها حق رعايتها، فلا بغي ولا عدوان على الآخرين، بل تعاون وحسن معاملة، وحب الخير للناس أجمعين، لقوله صلى  الله  عليه وسلم “خير الناس أنفعهم للناس”، ومن حكمة الإسلام في هذا الحق أن جعل حق القريب أسبق من حق البعيد، وبالأخص الوالدين، فقال عز وجل: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحسانا”، وقال: “وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله”، وقال صلى  الله  عليه وسلم: “المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا”، ويقول أيضا في شأن الناس كلهم: “تصدقوا على أهل الإديان كلها”، ثم قال صلى  الله  عليه وسلم : “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”، ثم يأتي حق كل شيء إما حيوان أو نبات أو جماد مما يستفيد منه الإنسان، فيجب الإحسان على الإنسان رحمة ورفقا بالحيوان كيفما كان، وبالأشجار والنبات اهتماما وعناية في كل مكان، وبالماء الذي به حياة كل شيء فلا إسراف فيه ولا تبدير ولو كان المستعمل على ضفة النهر أو شاطئ البحر الكبير، اقتداءا بسنة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وقول الله عز وجل : “ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين”. جعلني الله وإياكم من الذين يرعون حقوقهم ويؤدون واجباتهم، ويمتثلون أمر ربهم ونبيهم، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه أمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون والمسلمات،قد علمنا أن الإسلام حدد للإنسان حقوقا تتعلق بربه، وحقوقا بنفسه، وحقوقا بالناس ، وحقوقا بما حوله من الأشياء الأخرى وما أكثرها، وجعل الإسلام بابه مفتوحا لكل من يومن به ويردد بلسانه وقلبه شهاد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ولا يعوقه عن الدخول في الإسلام لون أو جنس أو وطن أو نسب، فالإسلام إذن هو الدين الإلهي العام الخالد الذي سيبقى ويدوم ليكون صالحا لكل زمان ومكان، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأنه لم يقم على أساس عنصري أو إقليمي أو زماني أو مكاني كما كانت الرسالات السابقة المحدودة التي عبر عنها نبينا محمد صلى الله عيله وسلم بقوله: “كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة “، كما أن الإسلام قام على الفطرة الإلهية الدائمة التي فطر الله الناس عليها، قال عز وجل: “فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون”، أيها الإخوة المؤمنون، هذا هو الإسلام الذي يجب أن نتمسك به، وندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة حتى يبقى وسيبقى نورا في الدنيا وسعادة في الآخرة، وتقويما لسلوك الإنسان حسا ومعنى، وتكريما للإنسان والإنسانية في الحياة وبعد المماة، وإذا كنا نعلم أنه الدين الحق الذي لا شك فيه، وأنه الطريق المستقيم الذي دعانا ربنا إلى اتباعه والإلتزام به في قوله: “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون”، فلم نصد عنه؟ ونعرض عن خطابه، ونقبل سبه ولعله من أبنائنا؟ ولم نتقيد بقيوده وحدوده في معاملاتنا؟ ولم نأتمر بأوامره وننتهي بنواهيه في حياتنا؟، ولكنها الاهواء عمت فأعمتالإنسان وأضلته، وصدق من قال: *ونهج السبيل واضح لمن اتقى ***  ولكنها الأهواء عمت فأعمت*، وربنا الأكرم يقول: “يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتمإلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون”، وأكثروا إخواني أخواتي  من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد المرسلين، الدعاء.

خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق،  الجمعة 10 شوال 1440 موافق 14 يونيوه 2019        

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *