منابع حقوق الإنسان في الإسلام
حقوق الإنسان لم تكن تعرف في أوروبا في القرون الماضية قبل النهضة الصناعية والثورة الفرنسية، وما كان يعرف هو الاضطهاد، وما كان يعرف في الحضارة اليونانية إنما هو أن المرأة سلعة
تباع وتشرى، وما كان يعرف في العصور الوسطى هو أن العبد تجارة ومال يقوم ويقتل متى شاء صاحبه، وأن المرأة حيوان لا شأن لها بالإنسانية، تلك كانت المستويات التي وصلت إليها المجتمعات الأوروبية التي كانت تدين بالمسيحية، ونتيجة للظروف التي مرت بها العلاقة بين الكنيسة والمجتمع، قامت ثورات واسعة ضد سلطان الكنيسة.
إن العمالة للدول الأجنبية أو نسخ أحوال الدول الأجنبية، ومحاولة نقل تلك التجربة إلى ديارنا إنما يجني على الدين والأخلاق، ويجني على التاريخ وعلى البلاد.
كانت الكنيسة تقاسم الإنسان الخبز الذي يأكله، كانت الكنيسة تضطهد الناس وتدخلهم السجون وما محاكم التفتيش منا ببعيدة، في الأندلس الضائعة، لذلك قامت الثورة على الدين، فجئنا نحن مع مطلع القرن العشرين، نقلد أوروبا للثورة على الدين.
أخبرونا أن الدين سبب التخلف، وصدقناهم فيما يقولون، الدين الباطل سبب تخلف أوروبا، لكن الدين الحق كان سبب نهضة الإسلام والمسلمين، الدين المحرف الذي عادى العلم وجاء بالاضطهاد بدل الحرية، وجاء بالقمع بدل النصرة، هذا هو الدين الذي كان سائدا في أوروبا، أدتهم إلى الاعتقاد بأن الدين هو سبب تخلف الأممم والشعوب، لذلك قامت نظريات بديلة تبحث عن مرجعيات لحقوق الإنسان، فجاءوا بما يسمى الحق الطبيعي، أي أن كل إنسان له حق طبيعي في الحرية والحياة والتنقل إلى آخره، وجئنا لنقلد الغرب ونقول بأن الإنسان له حق طبيعي، ونحن لا ندري بأن هذا من لازمه إنكار الله سبحانه وتعالى، لأن الغرب حينما انطلق في نظرية الحق الطبيعي انطلق من أن الطبيعة هكذا وجدت، وأن الطبيعة هي الأم للإنسان، وأن الله تبارك وتعالى لا يوجد، وأنه لم يخلق هذا الإنسان، وأن هذا الكون وجد هكذا كما كان، وأن للإنسان حق طبيعي وجد مع قدم التاريخ، وجئنا نقلدهم ونقول أن للإنسان حق طبيعي، ونحن لا ندري أن المرجع في هذه الحقوق الطبيعية إنما هو الطبيعة، نحن نؤمن بالله تبارك وتعالى، سمعنا الآيات فيما يتعلق بتدبير الله للإنسان وأحب بأن أستشهد بآية في القرآن الكريم صريحة: ﴿وقل الحق من ربكم﴾، الحق من الله تبارك وتعالى، من الذي سبق من؟ هل الإنسان هو الذي سبق وجود الله أم أن وجود الله هو الذي سبق الإنسان؟ لا شك ولا ريب أن يكون الإنسان سيد نفسه إلا بسلطان من الله تبارك وتعالى، لهذا أنا أتحدى دعاة حقوق الإنسان، هؤلاء الذين يقلدون الغرب، أقول لهم: هل تريدون الخروج من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر؟ هل تعترفون بأن الطبيعة هي إله؟ هل تنكرون وجود الله تبارك وتعالى؟ فإذا قال الواحد منهم ذلك نقول: شذ والشاذ لا يعتبر، والشاذ لا يقاس عليه، لكننا في هذه المجتمعات الإسلامية ننطلق من الإيمان بالله تبارك وتعالى.
فقضية حقوق الإنسان ترجع إلى العقيدة، الذي يعتقد أن الله تبارك وتعالى خالق كل شيء، وأن الله تبارك وتعالى هو المشرع، يجب أن يضع حدودا لحقوق الإنسان هي الحدود التي حدها الله تبارك وتعالى.
ثم جاءت نظرية جون جاك روسو في العقد الاجتماعي، ويقع هنا دعاة حقوق الإنسان في بلادنا ممن يقلدون الغرب في هاوية جديدة وهو لا يدرون، لأن العقد الاجتماعي هو اتفاق بين الناس، واتفاق الناس لا يمكن أن يصح إذا كان على باطل إطلاقا، فلو اتفق الناس على أمر حرام أنه حلال، لم يكن ذلك إطلاقا، وبشروط الإجماع أن لا يخالف القطعيات في حكم الله تعالى وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك فإن الله تبارك وتعالى حذرنا من اعتداد الأكثرية في مثل هذه الأحوال، ﴿وما أكثر الناس ولو حرصت بمومنين﴾، العقد الاجتماعي معناه اتفاق الناس، واتفاق الناس هاهنا ينبغي أن تكون له مرجعية، ما هو هذا المرجع؟ يقولون العقل، وهل العقل كاملا يصيب أبدا ولا يخطأ أبدا؟ وهذا غير موجود إلا عند من جعله الله في مقام الأنبياء والرسل.
ومن هنا ننتقل إلى قضية وقع فيها الغرب، ونقلدهم فيها أيضا وهي ما يعرف بنظرية الأخلاق، ومصدر الأخلاق إنما هو الله تبارك وتعالى، فالحسن ما حسنه الله والقبح ما قبحه الله تبارك وتعالى، فما قال الله عز وجل عنه حسن وجميل وخير حكونا بأنه كذلك، وما أخبرنا الله تبارك وتعالى أنه قبيح أو شر أو سيئ حكونا بأنه كذلك، فالأخلاق عندنا ثابتة لاتتغير، لابتغير المكان ولابتغير الزمان، ولكن الأخلاق عند الغربيين تتغير بتغير اتفاق الناس، ولذلك جاءوا بما يسمى بالأخلاق الظرفية، فما كان يعد عيبا عند الغربيين قبل خمسين سنة لا يعد الآن، وأصبح دعاة حقوق الإنسان في بلادنا يريدون نقل التجربة، وهم لا يعون مرجعية هاته التجربة، المرجعية تهدم الدين كله، تهدم النصوص جميعا، لذلك لا يمكن فصل الدين عن المجتمع، ولا يمكن فصل الدين عن الدولة بحال من الأحوال، وهناك فرق كبير فيما بين تصور الغرب لحقوق الإنسان وما عاشه الغرب هناك، لأن الكنيسة أعطت الحاكم هناك سلطات ربانية فجعلته نائبا عن الله تبارك وتعالى، فالحاكم عند الغربيين كأنه سلطان إلهي، وعندنا كل إنسان هو خليفة الله في أرضه، فكل فرد من أفراد المسلمين هو خليفة لله في إعمار الأرض، ولكن الحاكم والسلطان والإمام والملك هو خليفة لرسول الله ﷺ، ولذلك فإن شرعية الحاكم عندنا مع بنائها على الدين فإنها تعطى بالبيعة، أي بيعة أهل الحل والعقد من أهل الصلاح والعلم والرشاد.
فبين الغرب وبلادنا اختلاف كبير في مفهوم حقوق الإنسان، حيث تبنى في الغرب على ثنائية الفصل بين الدين والدولة، لكن الحال في بلادنا يختلف عن ذلك تمام الاختلاف.