مقاصد رحلة الحج
د/عبد الهادي السبيوي
مقاصد رحلة الحج إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَـيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا أَعضاءَ ولا هيئةَ ولا صورةَ ولا شكلَ ولا مكانَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه. اللهم صلِّ على محمدٍ صلاةً تقضِي بِها حاجاتِنا وَتُفَرِّجُ بِها كُرُباتِنا وَتَكفِينَا بِها شَرَّ أعدائِنا وسلِّمْ عليه وعلى آِله سلامًا كثيرًا. فَإني أُوصِيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ، يقولُ اللهُ تعالى: لقدِ استَجابَ اللهُ دعوةَ نبيِّهِ إبراهيمَ صلى الله عليه وسلم وجعلَ الكعبةَ البَيْتَ الحرامَ مقصِدَ الملايين مِنَ المسلمِينَ يَؤُمُّونَها كُلَّ عامٍ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عمِيقٍ مِنْ مَشارِقِ الأرضِ وَمغَارِبِها علَى اختِلافِ أجناسِهِم وَلُغاتِهم وألوانِهِم لا فَرْقَ بينَ غَنِيٍّ وفقيرٍ وكَبيرٍ وَصَغِيرٍ وَعَرَبِيٍّ وأعجَمِيٍّ إلاَّ بِالتَّقوَى. يقولُ اللهُ تعالَى: ﴿يَا أيُّها الناسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أكرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم﴾سورةُالحُجُرَاتِ / 13.
احبتي في الله ، إن الحديث عن الحج حديث عن ركن من أركان الإسلام التي فرضها الله على عباده فهو جزء لا يتجزأ من هذا الدين بل هو أحد مبانيه العظام وهو مدرسة يتعلم فيها كل حاج، فما أن ينتهي من أداء هذا الركن إلا وقد حاز على الكثير من الفوائد وجنى العديد من الثمار بتنقله وتقلبه بين مشاعر الحج. وإن فوائد الحج ليست مقتصرة على الحجاج فحسب بل هي شاملة لكل من ينتسب لهذا الدين فالجميع في المنفعة سواء. وأسال الله أن يوفق الحجاج في حجهم وأن يجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . المقصد الأول/ أن الحج عبادة توقيفية . بحيث لا اجتهاد فيها مع النصوص الشرعية فهي حق لله عزوجل لا حق لأحد فيها فهو المشرع لهذه العبادات وحده كما قال تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ,وهذا نراه جلياً وواضحاً في الحج ,فالطواف والسعي سبعة أشواط والرمي بسبع حصيات والوقوف بعرفة في يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة إلى غير ذلك. ولا حق لأحد أن يغير أو يبدل ما شرعه الله وهذا يغرس في النفس صدق العبادة وإخلاصها لله عز وجل وكمال التسليم لأمره وأن الشرع ما شرعه الله لا تلك البدع والضلالات التي هي من صنع البشر . ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)
المقصد الثاني في رحلة الحج هو تربية المسلم على التوازن في حياته اليومية. ذلك أن الإسلام دين عدل ووسطية حتى مع حقوق المسلم على نفسه ، فالإسلام لا يأمر بأمر فيه ضرر أو إجحاف بل كل أوامره ونواهيه تصب في مصلحة من ينتمي إليه فعلى سبيل المثال يقول الله تعالى {..لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ.. } . فالحج يجمع بين مصالح الفرد الدنيوية من بيع وشراء وغيرها وبين مقاصد هذه العبادة من ذكر وصلاة ودعاء وغير ذلك . وهذا يدلنا على أن الإسلام ما منع من شيء إلا وأباح أشياء أخرى وهذه هي عين مراعاة حاجات الإنسان . المقصد الثالث: تحقيق مبدأ المساواة . فمبدأ المساواة يتجلى واضحاً في الحج حيث يجتمع المسلمون من كل جنس ولغة ولون ووطن في صعيد واحد لباسهم واحد وعملهم واحد ومكانهم واحد ووقتهم واحد وحدة في المشاعر ووحدة في الشعائر ، وحدة في الهدف ، ووحدة في العمل ،ووحدة في القول. عن أبي نضرة قال حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال (إن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى)( ). احبتي في الله وان من مقاصد الحج نذكر أيضا التعلق بالله وحده ونبذ ما سواه من المعبودات فالحج يُؤصل معنى مهم في قلب كل حاج، فمنذ شروع الحاج في بداية الحج بلبس ملابس الإحرام وهو يؤكد في نفسه صلته بالله وحده ومرجعه إليه وأن لا معبود سواه يُعبَد بحق فله يصرف جميع العبادات وإليه يتقرب بجميع الطاعات والقربات |
وإذا تأملنا باقي المناسك من طواف وسعي ووقوف بعرفة ورمي الجمار وغيرها لوجدناها تؤكد ذلك المعنى وتؤكد حقيقة قول الله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
ولترسيخ عقيدة التوحيد كان شعار الحج (لبيك اللهم لبيك) شعار التوحيد ، يقول جابر بن عبدالله رضي الله عنه في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم (فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) , فهي تربية للنفس على توحيد الله والإخلاص له ونبذ كل من سواه من المعبودات الباطلة . ولذا يقول ابن القيم في معنى هذه التلبية:(أخلصت لبي وقلبي لك وجعلت لك لبي وخالصتي)
اما المقصد الخامس من هذه الرحلة المباركة إلى الحج فهو تأصيل مبدأ ( إنما المؤمنون إخوة) .فحينما يقصد الحجاج من كل بلاد الدنيا مكاناً واحداً في وقت واحد على هيئة واحدة ويؤدون منسكاً واحداً تتحقق في النفوس أخوة الدين التي جمعتنا ينادي كل أخ أخاه ويحاكيه متذكراً تلك الأخوة التي عاشها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت من أول الأعمال التي قام بها حين قدم المدينة مهاجراً فآخى بين المهاجرين والأنصار فتحقق بذلك أخوة الدين . ولنتأمل قول الله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} تلك الرابطة التي ارتضاها الله عز وجل لأهل الإيمان وهي أقوى من أخوة النسب فما أجمل تلك الأخوة وما أسماها لأنها قامت على أساس هذا الدين فالمحرك والدافع لها هو هذا الدين.
ولنتذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) فيعطف المسلم على أخيه المسلم وينصر قضيته ويهمه ما أهمه وهذا سر عجيب من أسرار الحج .
المقصد السادس: التعارف
في الحج يتحقق ذلك المعنى الرفيع كما أخبر الله بذلك فقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} وإن اختلفت اللغات والأوطان والمشارب فالتعارف من أكبر أسباب الألفة بين أهل الإسلام.
وحينما نقرأ هذا الحديث يقودنا لشعور صادق وحس عجيب، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) ، فما أجمل هذه الأرواح وهي تتعارف لتتآلف وتتوحد حباً ودفاعاً ونشراً لهذا الدين.
والخير للمؤمن أن يكون ممن يألفه الناس ويأنسوا به فعن سهل بن سعد الساعدي قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(المؤمن مألفة ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)
اما المقصد السابع فهو غرس كثير من الصفات و الأخلاق الحميدة.
فالحج مدرسة الأخلاق وميدان تربية النفس على معالي الأخلاق, والتباعد والتجافي عن سيء الأخلاق ورديئها . يحدوه في ذلك خلق سيد البشر صلى الله عليه وسلم الذي كان مناراً لكل حائر في ظلمة الأخلاق, مستشعراً تلك النداءات النبوية والوصايا الإيمانية بالتخلق بكريم الأخلاق والاتصاف بجميل الطباع . فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا) وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق)
ومن أهم هذه الصفات والأخلاق التي نستقيها من الحج صفة الصبر والحلم والرحمة والشفقة والإيثار والتعاون وهذه الصفات وغيرها تغرسها كثير من أعمال الحج وتنبذ القبيح والرديء والسيء من الأخلاق كما قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ )..
بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه مِن الآياتِ والذِّكْرِ الحكيم. أقولُ ما تسمعون، واستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم
الخطبة الثانية
.
الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وإخوانِه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين وسلَّم تسليمًا.
أما بعد:
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
احبتي في الله
إن أبرز ما يجنيه الحاج من حجه الدوام والاستمرار في العبادة بعد الحج وهو علامة على قبول العمل كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن أحب العمل إلى الله قال 🙁 أدومها وإن قل) فالحاج في خلال هذه الأيام القلائل يتنقل من عبادة إلى عبادة فما أن تنتهي عبادة إلا وتبدأ عبادة أخرى.
وبهذه الأعمال تتربى النفس على العبادة وعلى التنقل بين العبادات تقرباً إلى الله وأنساً به فتنقلب العادات إلى عبادات وبذا يتحقق مقصد وحكمة خلق الله للأنس والجن كما قال تعالى{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} .
وبالاضافة في الى ما سبق فإن رحلة الحج من شأنها ان تعلم الحاج الانضباط في
حياته إذ يتعود على الانتقال من عبادة الى عبادة بشكل منضبط فلا يقدم نسكا عن الأخر ذلك ان مواقيت العبادة في الحج منضبطة فلا يمكن أن يؤخر بعضها ولا يقدمها . وهي دعوة لأن يتميز المسلم عن غيره بانضباطه في مواعيده وأعماله فيعتاد الانضباط في حياته كلها ومع الآخرين .
كما يعلم الحج ايضا ماهية النظام . فالطواف حول الكعبة مع شدة الزحام، وتقبيل الحجر الأسود وكثرة من يقصد تقبيله لا يستطيع أن يتقدم أحد على من كان قبله وكذا رمي الجمرات واصطفاف الحجاج أفواجاً بسير واحد وجهة واحدة ومرمى واحد بترتيب ونظام، كل ذلك من أكبر الوسائل على تربية المسلم ليكون في نفسه حب النظام والبعد عن الأنانية و الفوضوية.
احبتي في الله
ان رحلة الحج تعود النفس على الخشونة وصعوبة العيش. بحيث ان الحاج يحرم نفسه كثيرا من الترف الذي كان قد اعتاد عليه قبل إحرامه ويحرم نفسه من مباحات كان يتمتع بها قبل أن يهل بحجه ، مثل الطيب وحلق الشعر والصيد وغيرها من محظورات الإحرام ليعود المسلم نفسه على الصبر على شظف العيش وشدته ، كما أن كثرة العدد في مكان مزدحم ضيق والتنقل بين المشاعر مع البعد والمشقة كل ذلك لتعويد النفس على تحمل الصعوبات.
كما تلغى جميع الشعارات إلا شعارا واحد.ا وهو (لبيك اللهم لبيك) وهي تربية لأهل الإسلام كلهم أن يتوحدوا بشعار واحد وأن يبطلوا جميع الشعارات التي كانت سبب فرقة وخصام , فالحاج يبدأ حجه بالتوحيد ولا يزال يلبي بالتوحيد ويتنقل من عمل إلى عمل بشعار التوحيد وهو شعار جميع الحجاج ولا شعار لهم غيره .
احبتي في الله
وان من مزايا رحلة الحج هو اعتياد الذكر. ومن رحمة الله وفضله أن جعل الحج كله مواطن ذكر فالإحرام فيه ذكر وعرفة ذكر ومزدلفة ذكر ومنى ذكر والرمي ذكر والطواف ذكر والسعي ذكر وهو مادة الحج قال تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ}
وكما قال تعالى {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} .
كل ذلك ليتحقق في النفوس أن طمأنينة القلوب وراحتها بذكره عزوجل كما قال تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} .
ومن فضائل الحج ايضا انه يغرس في نفس كل مسلم تلك الغايات النبيلة والأخلاق الفاضلة المؤثرة ليكون الحاج قدوة خير ومنار هدى لمن يراه ويخالطه من المسلمين وغيرهم. فالمسلم لا بد وأن يربي نفسه على مراقبة الله عزوجل وأن يكون له ضمير يردعه ويحبسه عن كثير من الأقوال والأفعال والأشياء التي فيها ضرر وهي ممنوعة ومحرمة شرعاً .
احبتي في الله فان رحلة الحج تذكرنا بالحقيقة الغائبة. الا وهي حقيقة الموت ,كما أخبرنا الله عنها بقوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } .
فالحاج حينما يلبس الإحرام فإنه يشابه تلك الأكفان التي يكفن بها الميت ليلحد في قبره ,كما أن ذلك الجمع الغفير من الحجاج في مكان واحد وكل واحد منهم يلهج لسانه بدعاء الله أن يتقبله ويعتقه من ناره, يذكره بموقف المحشر الذي يجمع فيه جميع الخلق وكل فرد قد شغل بنفسه عن غيره كما وصفهم الله بقوله {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } , فحريٌ بالمسلم أن يكون دائم القرب من الله بعيداً عن معصيته ومخالفة أمره مستعداً لهذه الحقيقة في أي وقت حلت به وأدركته بعمل صالح يفرح به ويُسر يوم أن يلقى الله ,ولذا كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم :(أكثروا ذكر هادم اللذات ـ الموت) .
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك.
اللهم اجعلنا من المتحابين فيك، ومن المتواصلين فيك، ومن المتناصحين فيك يا رب العالمين.
|