معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته
معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته
الأستاذ مولاي يوسف بصير
الحمد لله، الحمد لله الذي أنعم على عباده بالتوفيق، فأرشدهم إلى أقوم سبيل وأحسن طريق، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، وجعل بين الطرفين مودة ورحمة، نحمده تعالى حمدا لا ينتهي أمده، ونشكره شكرا لا يحصى عدده، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، كان يستوصي بالنساء خيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والنهى والمجد والتقى، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون، لقد عشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال الشهر الماضي أخلاقة وشمائله، واليوم نجول معه صلى الله عليه وسلم في جانب مهم من حياته وهو ما يتعلق بمعاملته صلى الله عليه وسلم لزوجاته أمهات المؤمنين، وذلك بغية التأسي به والسير على نهجه، خاصة وأننا اليوم في زماننا هذا حكمنا عادات وتقاليد في المعاملة الزوجية والمعاشرة الزوجية بدل الإهتداء بسيد الخلق حبيبنا محمد، فنقول وبالله التوفيق: إن معاملة رسولنا صلى الله عليه وسلم لنسائه (ض) كانت معاملة خاصة، عبر من خلالها صلى الله عليه وسلم على سمو المحبة والمودة التي أصبحنا نطلق عليها بمصطلحنا اليوم كلمة الرومانسية، لم يتعلمها سيدنا رسول الله من الأفلام والمسلسلات الإباحية، ولا في الجامعات والمدارس المتقدمة الرائدة، وإنما كانت تعبيرا صادقا عن حبٍ كَمُنَ في قلبه تجاه زوجاته، وكان يوصي به أتباعه من الصحابة حيث قال صلى الله عليه وسلم: “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم”، فتعالوا بنا نقرأ صورا من هذا التعامل، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”، “استوصوا بالنساء خيرا”، أيها المؤمنون، بيت النبوة هو كذلك كجميع بيوت الناس، يحصل فيه ما يحصل للناس جميعا من سوء التفاهم ومن الخلافات، فانظروا إخواني كيف كان صلى الله عليه وسلم يعالج مشاكل البيت مع أزواجه، دخل الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم على زوجه السيدة صفية بنت حيي (ض) فوجدها تبكي، فقال لها ما يبكيك؟ قالت: حفصة تقول: إني ابنة يهودي، فقال صلى الله عليه وسلم: قولي لها زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى، وهكذا أيها المؤمنون نرى كيف يحل الخلاف بكلمات بسيطة وأسلوب طيب. فحتى عندما يشتد الغضب يكون الهجر في أدب النبوة أسلوباً للعلاج، فقد هجر الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته يوم أن ضيقن عليه في طلب النفقة، ففي صحيح مسلم تروي لنا أمنا عائشة (ض) طرفاً من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: ما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله”، بل إن أخلاق المودة والرحمة رافقت حياة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى في حالة عزمه على طلاق نسائه، فعن ابن عباس (ض) قال: خشِيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله، لا تطلقني وأمسكني وأجعل يومي لعائشة، ففعل، ونزلت هذه الآية: “وَإِنِ اِ۪مْرَأَةٌ خَافَتْ مِنۢ بَعْلِهَا نُشُوزاً اَوِ اِعْرَاضاٗ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَنْ يَّصَّٰلَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاٗۖ وَالصُّلْحُ خَيْرٞۖ وَأُحْضِرَتِ اِ۬لَانفُسُ اُ۬لشُّحَّۖ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراٗۖ “، وفي رواية أخرى أنه قد بعث إليها صلى الله عليه وسلم فأذهلها النبأ ومدت يدها مستنجدة فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: والله ما بي على الأزواج من حرص، ولكني أحب أن يبعثني الله يوم القيامة زوجة لك، وقالت له: ابقني يا رسول الله، وأهب ليلتي لعائشة، فيتأثر صلى الله عليه وسلم لموقف سودة العظيم، فيرق لها ويمسكها ويبقيها ويعطينا درساً آخرَ في المروءة، يقول الإمام ابن القيم (ح) في بيان هديه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (ض)، “وكانت سيرته مع أزواجه: حسن المعاشرة، وحسن الخلق. وكان يسرب إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها. وكانت إذا هويت شيئا لا محذور فيه تابعها عليه. وكانت إذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه موضع فمها وشرب وكان إذا تعرقت عرقا -وهو العظم الذي عليه لحم- أخذه فوضع فمه موضع فمها”.، “وكان يتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها. وربما كانت حائضا. وكان يأمرها وهي حائض فتتزر ثم يباشرها، وكان يقبلها وهو صائم”.، “وكان صلى الله عليه وسلم من لطفه وحسن خلقه أنه يمكنها من اللعب ويريها الحبشة، وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابقها في السير على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة”.، “وكان صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر دار على نسائه، فدنا منهن واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل انقلب إلى صاحبة النوبة خصها بالليل. وقالت عائشة (ض): كان لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندهن في القسم، وقل يوم إلا كان يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ التي هو في نوبتها، فيبيت عندها”.،. فاللهم اجعلنا من المتمسكين بسنته المقتفين أثره، المهتدين بهديه، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين.
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون، إذا تأملنا ما نقلناه هنا من هديه صلى الله عليه وسلم في معاملة نسائه، نجد أنه كان يهتم بهن جميعا، ويسأل عنهن جميعا، ويدنو منهن جميعا. ولكنه كان يخص عائشة بشيء زائد من الاهتمام، ولم يكن ذلك عبثا، ولا محاباة، بل رعاية لبكارتها، وحداثة سنها، فقد تزوجها بكرا صغيرة لم تعرف رجلا غيره عليه السلام، وحاجة مثل هذه الفتاة ومطالبها من الرجل أكبر حتما من حاجة المرأة الثيب الكبيرة المجربة منه، والحاجة هنا ليست مجرد النفقة أو الكسوة أو حتى المعاشرة الزوجية، بل حاجة النفس والمشاعر أهم وأعمق من ذلك كله. فأيننا نحن من هذا كله، والحال أن محاكم الأسرة تعيش كل يوم اكتظاظا ليس له نظير في المحاكم الأخرى الجنائية والمدنية، ترجع أسبابه لطلبات الطلاق من أجل الشقاق، الذي تختفي أسبابه الحقيقة وراء الإعسار في النفقة أو سوء المعاملة بين الأزواج، وفي العمق نجد السبب الحقيقي هو الجفاء وعدم الوفاء، وقلة الإهتمام، والأنانية المفرطة في تعامل الأزواج بعضهم لبعض، بالإضافة إلى تدخل الأغيار بين الأزواج بهدف الإفساد بينهم بشتى الوسائل، فو الله لو عاملنا أزواجنا بمثل ما كان يعامل به سيدنا وقدوتنا رسزل الله صلى الله عليه وسلم أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين لعشنا سعادة وطمأنينة، ولتحولت حياتنا من عنف وقلق إلى سرور ورغد، وتدبروا معي إخواني وأخواتي، قول رسولنا صلى الله عليه وسلم حينما كان يفيق من إغمائه في مرض موته صلى الله عليه وسلم، وهو يودع أمته، يحمل هم الأسرة، ويوصي رجال الأمة ويقول: “الصلاة وما ملكت أيمانكم”. الدعاء.