معاملة الرسول لأزواجه (بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء)
معاملة الرسول لأزواجه (بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء)
الأستاذ مولاي يوسف بصير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله الذي أنعم على عباده بالتوفيق، فأرشدهم إلى أقوم سبيل وأحسن طريق، وخلق الزوجين الذكر والأنثى، وجعل بين الطرفين مودة ورحمة، نحمده تعالى حمدا لا ينتهي أمده، ونشكره شكرا لا يحصى عدده، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، كان يستوصي بالنساء خيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والنهى والمجد والتقى، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون، بمناسبة تخليد اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء، الذي يحتفل به العالم يوم الخامس والعشرين من نونبر من كل سنة، أدعوكم اليوم لنجول معا في جانب مهم من حيات حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلمباعتباره زوجا، نقتبس من سيرته مع أزواجه أمهات المؤمنين(ض) كيف كان يعاملهن، بغية التأسي به والسير على نهجه صلى الله عليه وسلم، خاصة وأننا اليوم في زماننا هذا حكمنا عادات وتقاليد في المعاملة الزوجية والمعاشرة الزوجية بدل الإهتداء بسيد الخلق حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فنقول وبالله التوفيق: إن معاملة رسولنا صلى الله عليه وسلم لنسائه (ض) كانت معاملة خاصة، عبر من خلالها صلى الله عليه وسلم على سمو المحبة والمودة التي أصبحنا نطلق عليها بمصطلحنا اليوم كلمة الرومانسية، التي لم يتعلمها سيدنا رسول الله من الأفلام والمسلسلات الإباحية، ولا في الجامعات والمدارس المتقدمة الرائدة، وإنما كانت تعبيرا صادقا عن حب كمن في قلبه تجاه زوجاته، وكان يوصي به أتباعه من الصحابة حيث قال صلى الله عليه وسلم: “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم”، فتعالوا بنا نقرأ صورا من هذا التعامل.
أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، بيت النبوة هو كذلك كجميع بيوت الناس، يحصل فيه ما يحصل للناس جميعا من سوء التفاهم ومن الخلافات، تحكي كتب السيرة النبوية أنه مرة غضب صلى الله عليه وسلم مع عائشة فقال لها: هل ترضين أن يحكم بيننا أبو عبيدة بن الجراح؟ فقالت: لا، هذا رجل لن يحكم عليك لي، قال: هل ترضين بعمر؟ قالت: لا، أنا أخاف من عمر، قال: هل ترضين بأبي بكر؟ قالت: نعم. فجاء أبو بكر (ض)، فطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهما، ودهش أبو بكر وقال: أنا يا رسول الله؟ ثم بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي أصل الخلاف، فقاطعته عائشة (ض) قائلة:اقصد يا رسول الله، أي قل الحق، فضربها أبو بكر على وجهها فنزل الدم من أنفها، وقال (ض): فمن يقصد إذا لم يقصد رسول الله؟، فولت عائشة هاربة منه، واحتمت بظهر النبي صلى الله عليه وسلم فاستاء الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ما هذا أردنا، وقام فغسل لها الدم من وجهها وثوبها بيده. فلما خرج قامت عائشة (ض) فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: ادني مني، فأبت، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: لقد كنت من قبل شديدة اللزوق بظهري – إيماءة إلى احتمائها بظهره خوفًا من ضرب أبيها لها-، ولما عاد أبو بكر (ض) ووجدهما يضحكان قال: أشركاني في سلامكما، كما أشركتماني في دربكما”.
انظروا أيها الإخوة المؤمنون أي محبة هذه؟ وأي أخلاق هذه يمكننا أن نفض بها نزاعاتنا، وندخل بها السلم إلى بيوتاتنا؟، وكانت أمنا عائشة (ض) تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض يأخذ الإناء الذي فيه الطعام، ويقسم عليّ أن آكل منه، ثم يأخذ الإناء، ويتحرى موضع فمي ويضع فمه على موضع فمي من الإناء. إنها قمة المجاملة، بل مؤانسة وإظهار للمودة رحمة بهذه الزوجة، وكان يفعل هذا، وتقسم عائشة (ض) أنه كان يفعل ذلك في إناء الماء، فكانت تشرب عائشة ويأخذصلى الله عليه وسلم الإناء ويتحرى موضع فمها فيشرب، كل ذلك ليعلم أمته كيف تكون العلاقة بين الزوجين، وكيف تدوم المودة والرحمة، كيف تحتاج المرأة لملاطفة الرجل، وملاعبته، وحسن كلامه معها، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”، “استوصوا بالنساء خيرا”.
دخل الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم على زوجه السيدة صفية بنت حيي (ض) فوجدها تبكي، فقال لها ما يبكيك؟ قالت: حفصة تقول: إني ابنة يهودي، فقال صلى الله عليه وسلم: قولي لها زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى، وهكذا أيها المؤمنون نرى كيف يحل الخلاف بكلمات بسيطة وأسلوب طيب. بل حتى عندما يشتد الغضب يكون الهجر في أدب النبوة أسلوباً للعلاج، فقد هجر الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته يوم أن ضيقن عليه في طلب النفقة، وفي صحيح مسلم تروي لنا أمنا عائشة (ض) طرفاً من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول: ما ضرب رسول الله شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله”. بل إن أخلاق المودة والرحمة رافقت حياة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى في حالة عزمه على طلاق نسائه، فعن سيدنا ابن عباس (ض)قال: خشِيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة، ففعل، ونزلت هذه الآية: “وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يصالحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ”، وفي رواية أخرى أنه قد بعث إليها صلى الله عليه وسلم فأذهلها النبأ ومدت يدها مستنجدة فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: والله ما بي على الأزواج من حرص، ولكني أحب أن يبعثني الله يوم القيامة زوجة لك، وقالت له: ابقني يا رسول الله، وأهب ليلتي لعائشة، فيتأثر صلى الله عليه وسلم لموقف سودة العظيم؛ فيرق لها ويمسكها ويبقيها ويعطينا بفعله هذا درساً آخرَ في المروءة صلى الله عليه وسلم.
يقول الإمام ابن القيم(ح) في بيان هديه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (ض)، “وكانت سيرته مع أزواجه: حسن المعاشرة، وحسن الخلق. وكان يسرب إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها. وكانت إذا هويت شيئا لا محذور فيه تابعها عليه. وكانت إذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه موضع فمها وشرب وكان إذا تعرقت عرقا -وهو العظم الذي عليه لحم-أخذه فوضع فمه موضع فمها”، “وكان يتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها. وربما كانت حائضا. وكان يأمرها وهي حائض فتتزر ثم يباشرها، وكان يقبلها وهو صائم”، “وكان صلى الله عليه وسلم من لطفه وحسن خلقه أنه يمكنها من اللعب ويريها الحبشة، وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابقها في السير على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة”، “وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر دار على نسائه، فدنا منهن واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل انقلب إلى صاحبة النوبة خصها بالليل.
وقالت عائشة (ض): كان لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندهن في القسم، وقل يوم إلا كان يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ التي هو في نوبتها، فيبيت عندها”، أيها المؤمنون، إذا تأملنا ما نقلناه هنا من هديه صلى الله عليه وسلم في معاملة نسائه، نجد أنه كان يهتم بهن جميعا، ويسأل عنهن جميعا، ويدنو منهن جميعا. ولكنه كان يخص عائشة بشيء زائد من الاهتمام، ولم يكن ذلك عبثا، ولا محاباة، بل رعاية لبكارتها، وحداثة سنها، فقد تزوجها بكرا صغيرة لم تعرف رجلا غيره عليه السلام، وحاجة مثل هذه الفتاة ومطالبها من الرجل أكبر حتما من حاجة المرأة الثيب الكبيرة المجربة منه، والحاجة هنا ليست مجرد النفقة أو الكسوة أو حتى المعاشرة الزوجية، بل حاجة النفس والمشاعر أهم وأعمق من ذلك كله. فأيننا نحن من هذا كله، فو الله لو عاملنا أزواجنا بمثل هذه المعاملة لعشنا سعادة وطمأنينة، ولتحولت حياتنا من عنف وقلق إلى سرور ورغد، ولأفرغت محاكم الأسرة من الوافدين عليها من أجل الطلاق والشقاق، وتدبروا معي إخواني وأخواتي، قول رسولنا صلى الله عليه وسلم حينما كان يفيق من إغمائه في مرض موته يوصي أمته، صلى الله عليه وسلم فيقول: “الصلاة وما ملكت أيمانكم”، فاللهم اجعلنا من المتمسكين بسنته المقتفين أثره، المهتدين بهديه، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، في إطار الحملة الوطنية التحسيسية الثامنة عشرة، الهادفة لوقف العنف ضد المرأة بصفة عامة والفتيات والنساء بصفة خاصة،تجدر الإشارة إلى أن ديننا الإسلامي الحنيف كرم المرأة وشرفها وبوأها منزلة كبرى سواء كانت أما أو زوجا أو بنتا، وحرم إذايتها وتعنيفها، يقول الله عز وجل: “والذين يوذونالمومنينوالمومنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا”، ويقول سبحانه عند استحالة العشرة الزوجية “فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”، فالمرأة في الإسلام معاشر المومنين قد حفت بسياج عظيم من التكريم، وأحاطها الإسلام بفيض كبير من الحفظ والصون والإهتمام، أخرج الإمام أحمد عن أبي أمامة (ض) قال: إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا مه؟ مه؟، فقال صلى الله عليه وسلم: “أدنه”، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال فوضع يده عليه وقال: “اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكم بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
فاتقوا الله عباد الله، واستوصوا بالنساء خيرا، وتدبروا قول ربنا جل وعلا: “فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى، بعضكم من بعض”. الدعاء.