مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي وأهميته
مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي وأهميته
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، قال الله تعالى في كتابه الكريم:” قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا”، هذا أمر من الله تعالى أن نفرح بالرحمة، فسر حبر الأمة وترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما هذه الآية بقوله: “فضل الله العلم، ورحمته سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم”، وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم الاثنين، فقال:” فيه ولدت، وفيه أنزل علي”.
أيها الإخوة الكرام، في مثل هذا الشهر المبارك، شهر ربيع الأول الأنور، ولد خير البرية قاطبة، وخير رسل الله أجمعين، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهي ذكرى عظيمة تستحق الوقوف عندها للتعبير عن فرحنا وسرورنا ومحبتنا لهذا النبي العظيم صاحب الخلق العظيم، أورد الإمام البخاري في صحيحه وبعض شراحه، أن سيدنا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: “لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال، فقال مالقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين، قال: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وكانت ثويبة – جارية أبي لهب- بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها”، قال العلماء: إذا كان الكافر قد استفاد بفرحه بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن باب أولى أن يستفيد المسلم بذلك ويثاب عليه”. قال الحافظ شمس الدين بن ناصر رحمه الله:
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه وتبت يداه في الجحيم مخلدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسرورا ومات موحدا
وقد يسأل سائل: متى كانت الرؤى المنامية مصدرا من مصادر التشريع حتى نعتمدها؟ قال المحدثون من العلماء: هذه الرؤيا ليست كسائر الرؤى، لأنها ذكرت في حضرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، ولم ينكرها. وقد يسأل سائل آخر، فكيف لنا إذن أن نعبر عن فرحنا بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم شرعا؟ أي طرقه وأساليب التعبير عنه؟ حدد العلماء رحمات الله عليهم أساليب وطرق التعبير الشرعية عن الفرح بمولد الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في عدة أساليب نذكر منها: اجتماع الناس على قراءة ماتيسر من القرآن، وقراءة الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وما وقع في مولده من الآيات، وقراءة شمائله الكريمة تعظيما لقدره صلى الله عليه وسلم، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف، ثم الاستماع لعالم أو واعظ يذكر الناس بالله ويعظهم ويرشدهم وينصحهم إلى مافيه خيرهم وبرهم، أو يلقي فيهم درسا علميا نافعا، أو محاضرة دينية مفيدة، أو قصيدة شعرية حسنة في مدح الإسلام ونبي الإسلام ومحاسن الدين، ثم إحضار طعام لهم يأكلون وينصرفون، وليس ذلك شرطا، وإنما هو من باب الإكرام بإطعام الطعام، وهو من خصال الإسلام وشعب الإيمان المتفق عليها، وليس في الاحتفال بهذه الأساليب أي منكر وضلال، بل فيها إظهار شعائر الإسلام ورايته، وهو جائز ومرغب فيه، وسنة حسنة من أحياها كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم: ” فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”. تأملوا أيها الإخوة والأخوات ماذا يفعل الغالبية منا عند حلول يوم ميلاد ابن من أبنائهم أو عزيز من أعزائهم؟ تأملوا ماذا يفعل الغربيون المسيحيون عند حلول عيد ميلاد النبي عيسى عليه السلام؟ تأملوا في ما يقوم به أقوام الأرض عند الاحتفال بذكريات عظمائهم؟ فهؤلاء كلهم لن يكونوا أفضل وأحسن وأعز وأحب وأهم من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، تأملوا أيها الإخوة الكرام في الحديث المتفق على صحته المعروف بحديث الشفاعة الكبرى التي سيعطاها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، والذي ابتدأه بقوله:” أنا سيد الناس يوم القيامة”، وفيه يذكر الضيق والغم الكرب العظيم الذي سيشعر به الناس في ذلك اليوم المشهود، حيث سيهرع الخلق إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليشفعوا لهم، وسيقابلون باعتذار الواحد تلو الآخر، إلى أن يقصدوا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستجيب لهم ويفرج الله عنهم ويشفعه فيهم، قال بعض العلماء في شرحهم للحديث: وهذا احتفال وأي احتفال برسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد عظيم يشهده رب العزة جل جلاله، وملائكته وأنبياؤه ورسله والأولون والآخرون من الخلق، لذلكم وجب الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وسلم، وإظهار الفرح والسرور بذلك، مع الأهل والأولاد وجعل هذا اليوم يوما متميزا عن سائر الأيام.
نعم أيها الإخوة الكرام، لولا سيدنا محمد رسول الله ماعرفنا لا إله إلا الله، ولولاه ماعرفنا الطهارة والصلاة والصيام والزكاة وماعرفنا كيف نعبد خالقنا، ولولاه ما أخرجنا الله من الظلمات إلى النور، ولولاه ولولاه،… إن نبيكم أيها الإخوة والأخوات، هو أعظم مخلوق خلقه الله، له مكانته الفخيمة الرفيعة التي لايدانيه فيها أحد، ذكر الدكتور المسيحي مايكل هارت مؤلف كتاب “المائة الأوائل”، وهو من الغربيين المهتمين بالتاريخ …اختار في كتابه هذا مائة من عظماء البشرية على مر التاريخ، وجعل سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم على رأس المائة وقال:” هو الإنسان الأول من بين المائة الأوائل في تاريخ البشرية كلها من حيث قوة التأثير ومن حيث نوع التأثير، ومن حيث امتداد أمد التأثير، ومن حيث اتساع رقعة التأثير”، فافرحوا بمولد نبيكم وأظهروا السرور به واسعوا إلى معرفة تفاصيل حياته وتعلقوا به وأحبوه، وأكثروا من الصلاة والتسليم عليه تسعدوا في الدنيا والآخرة، أسأل الله تعالى أن يجعل لنا ولكم أوفر نصيب في ذلك، أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم .
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير