مدخلة الاستاذ محمد خياري التصوف في الشبكات الاجتماعية على الإنترنت ودوره في مواجهة آفة التطرف
تقديــــم
يتميز عالم اليوم بكون العديد من الأنشطة والمبادلات بين الأفراد تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنيت،لهذا أصبح وجود التصوف وأهله مسألة عادية، ولو أنهم كتنظيمات زاهدين في ذلك وغير راغبين فيه، لأن العديد من المتعاطفين والمهتمين يحرصون باستمرار على وضع المادة الصوفية في المواقع والشبكات المذكورة.
والشبكات الاجتماعية على الأنترنيت لم تعد فقط واجهة من الواجهات التي يمكن للتنظيمات الصوفية الظهور من خلالها، ولكنها أصبحت أيضا تجربة مهمة بالنسبة لهم لأنها تمكنهم من تجاوز ضعف الإمكانيات البشرية والتقنية والمالية و تعبئة الأنصار لمواجهة الفكر المتطرف المناهض لأهل التصوف والزوايا بصفة عامة.
ويقصد بالشبكات الاجتماعية على الإنترنت تجمعات من الأفراد أو المنظمات تناقش، تتحدث وتتفاعل فيما بينها وتتبادل الآراء والأفكار وكذلك المضمون.
وهناك العديد من أنواع الشبكات الاجتماعية في الانترنيت:
· هناك الشبكات الاجتماعية الشخصية مثل الفيسبوك والتويتر اللذان يساعدان على إيجاد أفراد العائلة والأصدقاء في الشبكة العنكبوتية. والدردشة معهم وتبادل الصور ومقاطع الفيديو وتنظيم المناسبات بالتنسيق معهم، الخ
· وهناك الشبكات الاجتماعية الخاصة بالترفيه كاليوتوب ومايسبيسMyspace: التي تسمح بتبادل وتنزيل الموسيقى أو الفيديوهات، وهي نوافذ تشكل فرصة للفنانين والمبدعين للتعريف بأنفسهم في العالم والدخول الى عالم الشهرة من أوسع الأبواب.
· ثم هناك الشبكات الاجتماعية المهنية مثل لينكدين LinkedInالتي تتيح لمستعمليها التواصل مع الزملاء في المكاتب والموردين والشركاء التجاريين وأصحاب الأعمال المحتملين ، من خلال فتح حسابات افتراضية،وتضمينها للسير الذاتية والإنجازات الشخصية[1].
عموما الشبكات الاجتماعية لديها مجموعة من الخصائص، التي يمكن أن تكون مثيرة للاهتمام بالنسبة للتنظيمات الصوفية، وفي هذا العرض سوف أحاول إبراز أهميتها بالنسبة لهم،كيف يستعملونها في مواجهة المتطرفين، و ما هي الملاحظات التي يمكن أن تسجل على هذا الاستعمال في أفق تطويره والزيادة في فعاليته.
أولا: أهمية الشبكات الاجتماعية على الأنترنيت بالنسبة لأهل التصوف في مواجهتهم لآفة التطرف
إن لدى الصوفية تاريخ طويل في مواجهة دعاة التطرف، ولديهم آلاف الكتب التي تفند أطروحات الجمود، والبقاء عند ظاهر النص،والعقلانية السطحية الجافة،وعدم إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته وآله وصحبه المكانة اللائقة بهم. وقد تعرضوا جراء ذلك لعدة حملات من التبديع، وإزالة الشرعية الدينية عنهم، بل وتخوينهم باعتبارهم معولا من معاول هدم الأمة، وجعلها لقمة صائغة في يد المستعمر الأجنبي[2].
وما يميز المرحلة الراهنة، ظهور وسائل تكنولوجية حديثة تستغلها الجماعات المتطرفة، بمختلف الأشكال والأهداف،من بين هذه الوسائل نجد الانترنيت والشبكات الاجتماعية المرتبطة به. لذلك انتبهت التنظيمات الصوفية لهذا الأمر، و حاولت بدورها الاستفادة منه واستعماله في صراعها القديم- الجديد مع المتطرفين.
أولا: لأن الشبكات الاجتماعية قناة لنشر المعلومات.
ثانيا: لأنها تمكن من إشراك الأتباع فعليا في أنشطة التنظيمات.
ثالثا: لكونها وسيلة من وسائل تسويق المنتوجات بمختلف أنواعها.
أولا: الشبكات الاجتماعية كقناة لنشر المعلومات
لقد ظهر لأهل التصوف المصلحة الحقيقية في استخدامهم للشبكات الاجتماعية عبر نشر معلومات دقيقة ومهمة عنهم وعن الموضوعات التي يهتمون بها. وذلك لكونها تساهم في تموقعهم بين باقي التنظيمات الأخرى خصوصا المتطرف منها.ولأنها تعطي صورة شابة دينامية ومتواصلة عنهم. وتشكل فرصة بالنسبة لهم للبقاء في اتصال دائم مع مستعملي الشبكات الاجتماعية على الأنترنيت وبخاصة فئة الشباب.علاوة على ذلك، فإن الشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك وتويتر والشبكات الأخرى تشجع على التفاعل وبالتالي أمكن الاعتماد عليها لشخصنة العلاقة مع الأتباع والمهتمين بدل إعطاء تلك العلاقة طابعا مؤسساتيا، كما هو الشأن بالنسبة للمواقع المؤسساتية على الانترنيت.
فقد كان من المهم ألا تتواصل الزوايا باعتبارها مؤسسات تقدم خدمات للغير، ولكن تترك للأفراد المكلفين بالتنشيط أن يقوموا بذلك بأسمائهم، خاصة أن الشبكات الاجتماعية تركز على التفاعل الخاص خارج المؤسسات،
من هنا أمكن لمستعملي الشبكات أن يروا بإيجابية الجانب الإنساني في شخصية المنشط ممثل الزاوية بدل صور الدم والخراب الذي يحاول أن يسوقه لنا المتطرفون في القنوات العربية والدولية.
ثانيا: إشراك الأتباع والمهتمين فعليا في أنشطة التنظيمات الصوفية.
إن النموذج التنظيمي يتغير بسرعة فائقة فنحن نتحرك من التنظيمات الهرمية التقليدية إلى تنظيمات المشاركة. والشبكات الاجتماعية على الأنترنيت كانت أحسن وسيلة لإشراك الجمهور والقرب منه والتعرف عليه بشكل أفضل. لأنها تسمح برصد نشاطه كما ونوعا، من خلال مشاهدة سلوكه على الانترنت وبالتالي تحديد احتياجاته وتحليل سلوكياته ومعرفة ماذا يفضل، والمحتوى الذي يطلع عليه بكثرة، وكذلك معرفة تركيبته السوسيو ديمغرافية، وتطور ممارساته الثقافية.
فضلا عن ذلك فإن الشبكات الاجتماعية على الأنترنيت مكنت من مراقبة شعبية وسمعة التنظيمات الصوفية من خلال إنشاء أداوت ونظام لليقظة المؤسساتية حول الرسائل التي تنشر عنها.وأمكنها أن تبين للغير، من خلال فيديوهات مثلا،أنها تنظيمات ومؤسسات حية، تسمح للآخرين بالمشاركة وإخطارهم بمحتوى كل جديد،وتمكنهم من ترك تعليقاتهم وأسئلتهم حولها.
فهاته الندوة مثلا يمكن ربطها بشبكة الانترنيت وعلى الشبكات الاجتماعية المرتبطة بها ويمكن لجميع المهتمين متابعتها مباشرة من مختلف بقاع العالم، وكذلك الشأن بالنسبة لباقي الأنشطة الصوفية.
ثالثا: الشبكات الاجتماعية وسيلة من وسائل تسويق المنتوجات بمختلف أنواعها.
لقد بدأت التنظيمات الصوفية في السنوات الأخيرة الدخول في مرحلة التدويل،بالمفهوم العصري للكلمة، والعمل على تطوير علاماتها الرمزية بشكل قوي جدا، حيث أصبحت تشارك بدورها في الديبلوماسية الموازية، وفي دعم القضية الوطنية في المحافل الدولية، والتأثير على الجالية المغربية بالخارج لصالح القضايا المغربية[3].
وفي هذا الإطار فإن الشبكات الاجتماعية على الأنترنيت كانت وسيلة هامة وأداة قوية، لدعم جهود الوصول إلى العالمية عبر المحتويات التي تبثها. وكان لابد للتنظيمات الصوفية أن تكون لهاسياسة للتسويق الإلكتروني فعالة، تواجه بها أولا تنافسية المتطرفين من المذاهب المختلفة، الذين يستفيدون من الامكانيات التي توفرها لهم الإيديولوجيات العابرة للقارات، كالإيديولوجية الوهابية والشيعية وغيرها، والتي تعتبر محاربة الصوفية أولوية أولوياتها، وثانيا لاستعمالها في بيع منتجاتها الغنية بتنوعها،وتحسين العرض حتى يستجيب لطلب المريدين .
ثانيا: استعمال الشبكات الاجتماعية من طرف التنظيمات الصوفية
من خلال متابعة ما ينشر في الشبكات الاجتماعية عن التصوف يلاحظ أن مضمونه يدور حول ما يلي:
أولا: جانب تعريفي
من خلال التعريف بالتنظيمات الصوفية وبرجالاتها وسيرهم الذاتية والأدوار التي كانوا يقومون بها في مختلف مجالات الحياة، وما كان يميزهم والتذكير بكراماتهم والأماكن التي كانوا يختلون فيها لذكر الله والصلاة على رسول الله.
التعريف بالزوايا وتاريخها ووصف مقراتها وما تزخر به من نفائس وزخارف ورسوم تشكيلية وخط وكتب تمثل بحق ثروة غير مادية لا تقدر بثمن وتشكل أساس الصناعة المعمارية الحضارية التي ميزت مختلف الحواضر المغربية،وهي أساس السياحة الثقافية والروحية بالمغرب ومكنت من اكتشاف التراث الثقافي والاطلاع على حياة السكان المحليين فيه.
التعريف بشجرة الأنساب وامتدادها إلى رسول الله صلى عليه وسلم،والتأكيد على الأصل الشريف والانتماء إلى أل البيت والصحابة الكرام، وقد كان المغاربة من الشعوب الذين يستقبلون أحفاد رسول الله في فاس وتافيلالت و غيرها من الحواضر، للاستفادة من بركتهم في الزرع والنسل والصحة وفي حل النزاعات بينهم، حتى أصبح يعرف المغرب ببلد الاولياء والمشرق ببلد الانبياء.
ثانيا: جانب يركز على المضمون
من خلال التذكير بأورادهم وأذكارهم المخصوصة، التي ينبغي لكل فقير أن يرطب بها لسانه، ويزكي بها قلبه. وهذه الأذكار والاوراد وإن كانت تختلف من طريقة إلى أخرى فإنها لا تخرج عن الهيللة والحوؤلة والحمدلة والتكبير والصلاة على النبي الكريم عليه أزكى الصلاة وأفضل التسليم.
وهنا أشير إلى أن العديد من المتطرفين الذين يبدعون هذه الاوراد والاذكار التي هي إحدى أسرار الصوفية.
عرض مجموعة من الأنشطة الدينية التي ينظمها الصوفية إما بشكل علني أو بشكل خاص: كتحفيظ القرآن وجلسات الذكر،تنظيم المواسم الدينية وتعليم الصغار وتنظيم المسابقات أو أنشطة اجتماعية كإسكان الطلبة والمسافرين وتوفير منابر للفنانين المغاربة والدوليين الذين يشاركون في النهج الروحي لإثراء الإبداع الفني والفكري،وهذا في مواجهة الفكر المتطرف الذي يشجع على الفكر الواحد والرؤيا الواحدة للأمور.
بهذا فإن التنظيمات الصوفية لا تساهم في الأمن الروحي بالمغرب فقط، بل في حل مجموعة من المعضلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية، كما أنها تشكل صمام آمان للحفاظ على الهوية المغربية، من خلال الدفاع على مبدأ الولاء للإمام وحماية الأمة المغربية من النزوعات الشرقية أو الغربية التي لا تأخذ بعين الاعتبار ظروف الناس وبيئتهم في زمن العولمة
ثالثا : جانب يركز على التفاعل مع المحيط
عبر مواجهة حملات التشكيك في دور التصوف في عالم اليوم وخاصة من طرف السلفية الوهابية بمختلف تلويناتها السياسية والتي تكن عداء شديدا للصوفية وأهلها ودحض مختلف الحجج التي تريد إزالة الشرعية الدينية عن الصوفية وإدخالها في مجال الخرافات والبدع.
إعطاء صورة إيجابية عن الإسلام بلغة عالمية راقية تركز على الجانب الروحاني الذي يميز الصوفية، وتعزز مكانة المغرب في الحوار بين الثقافات وبناء جسر بين الشرق والغرب بدل صور القتل والدم الذي يريد المتطرفون ان يفرضوا به تصورهم للدين.
مساهمة الصوفية في تخليق آلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث يربطون الروحانية بمجال الأعمال والبيئة والعمل الاجتماعي، من خلال التركيز على المساعدة والدعم والحماية والاعتراف لكل إنسان بحقه في النمو والتطور، وأن له معارف وقدرات تساعده على التكون الضروري، وأنه من الممكن أن يملك الحلول بنفسه ليصبح فاعلا مؤهلا في المشاركة في مجتمعه.
إبراز مختلف المجهودات التي قام بها الصوفية لمواجهة الغزو الأجنبي والحفاظ على الهوية الوطنية، وهنا أعطي مثال المقاومة التي قام بها الشيخ ابراهيم البصير للمستعمر في بني عياط رغم قلة التنظيم وقلة العتاد، وكذلك الشأن بالنسبة لباقي الزوايا والتنظيمات الصوفية وهذا رغم التشويه والتخوين الذي تعرض له بعضهم من قبل بعض رموز الحركة الوطنية الذين كانوا في ذلك الوقت يلبسون اللباس الفرنسي ويتعلمون في المدارس الفرنسية.
ثالثا: تقييم لاستعمال الشبكات الاجتماعية على الانترنيت من طرف التنظيمات الصوفية
بالمقارنة مع الحركات الشيعية والحركات الوهابية يلاحظ أن تواجد التنظيمات الصوفية بالشبكات الاجتماعية يبقى ضعيفا أمام آلاف الصفحات والمواقع الشيعية والوهابية كما أن عدد كبير من مواقعهم إما معطل أو لا يتم تحيينه بشكل مستمر. بالإضافة الى أن عدد لا بأس به من الطرق الصوفية والمشايخ الصوفيين ليس لهم نصيبٌ من النشاط في الشبكة.رغم أنه أصبح في الوقت الراهن من الضروري أن يقوموا بدورهم في مواجهة المتطرفين وأن يكون برنامجهم الديني يقوم على ما يلي:
· تخليق الديمقراطية وروحنتها وتزويدها بما تفتقده وتتوق إليه من الروحانية، ولهم القدرة على تحقيق هذا المطلب إلى جانب علماء الامة[4]
· تجاوز الطرق التقليدية في الوعظ والإرشاد وتوجيه الناس وتوعيتهم في دينهم إلى القيام بدور المساعد الاجتماعي والمربي في الشارع، حيث تتم تلبية حاجيات الناس في حياتهم اليومية في الأحياء وفي مقرات عملهم فالتركيز هنا لا يجب أن يقوم فقط على الجانب اللفظي وإنما أيضا على الجانب غير اللفظي: فبالابتسامة وبالهدوء وبرودة الدم والقدرة على تدبير النزاعات ودور المصاحبة في مؤسسات التنشئة: كالمدارس والمستشفيات والسجون،
كل هذا سيجعل من الصوفي ليس هو الواضع للإصلاح أو المشرف على تنفيذه وإنما سيساعده على توفير الشروط الملائمة لدفع الأفراد لإبداع الإصلاح بما ينفعهم وهم الذين يشرفون على تنفيذه. وسيجعل من الصوفي كذلك مساهما من موقعه في التنمية المحلية وفي التنمية البشرية بصفة عامة. بدل إضفاء طابع فولكلوري على الصوفية في الشبكات الاجتماعية على حساب البعد الروحي ، فالتصوف تذوق ومن لم يتذوقه لن يحس به ولا بحلاوته والتصوف تجربة روحانية لا تنفع معها المطارحات العقلية والمناقشات الفكرية لأنها مسألة مرتبطة باللذة التي يجدها المتصوف في حلقات الذكر وفي قراءة الورد والبركة التي تحيط به في حياته اليومية ووسط عائلته وفي عمله ولذلك ينبغي في البداية تشجيع الأفراد على تذوق التصوف والعمل على طمأنة الحائرين ومواجهة المتنطعين في ارتباط وثيق مع المؤسسة الدينية في المغرب الممثلة في المجالس العلمية والتي يوجد على رأسها أمير المؤمنين نصره الله، وطمأنة السياسيين بأن ما يقدمه الصوفية خير للأمة، داخل الدائرة التي تحددها القوانين، وتقتضيها مصلحة الإسلام، مقتنعين بأن النموذج الذي يعرضونه على الناس كفيل بالإقناع، بعيدا عن كل أنواع الإكراه.عكس ما سقط فيه المتطرفون الذين إما أرادوا الزعامة فسقطوا في الصراعات السياسية التي لها منطقها الخاص، أو أصبحوا ديولا لجماعات تبتغي أغراضا سياسية أو دخلوا في لعبة الإعلام
[1]Romain Rissoan : Les réseaux sociaux: Facebook, Twitter, Linkedln, Viadeo, Google+ : comprendre et maîtriser ces nouveaux outils de communication.Editions ENI, 2011 – 406 pages
[2] محمد خياري : تعبئة السلفية الجديدة ضد الطرقيين من 1920 إلى 1955 . رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا من جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء.2002 غير منشور
[3]Bakary Sambe : Tidjaniya : usages diplomatiques d’une confrérie soufie.Politique étrangère
2010/4 (Hiver). Institut français des relations internationales. Pages 843 – 854
[4]د أحمد التوفيق : شروط انخراط العلماء في المسار الديمقراطي.محاضرة نشرت مقتطفات منها في جريدة التجديد يوم 27 – 04 – 2004