مداخلة الشيخ محمد أمين الحسنات شاه بعنوان: ” الطريقة الجشتية في الماضي والحاضر”.

الشيخ محمد أمين الحسنات شاه

شيخ الطريقة الجشتية، معالي وزير الدولة للشئون الدينية والتسامح الديني بجمهورية باكستان الإسلامية،

الحمدلله ربّ العالمين والصلاةُ والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين،

السادة أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نشكر أوّلا جميعَ إخواننا الكرام بالطريقة الدَرقاوية وعلى رأسهم فضيلة الشيخ  الكريم إسماعيل البصير على دعوتِهم الكريمة للمشاركةِ في هذا اللقاء الكريم بين إخوةِ الاسلام من العلماءِ والمشايخِ الكرام ، ونُبارِك عقدَ هذه الندوة العالمية تحت الرعايةِ الكريمةِ لجلالةِ الملك محمد السادس حفظه الله تعالى، و ذلك للاحتفال بمرور مائة سنةٍ على إنشاء الزاوية البصيريةِ بفروعها في هذه البلادِ المغربية الشقيقة وخارجها.

ويسرّني أن أبلغ التحيّاتِ المباركات والدعواتِ الصالحات من أهل بلادِنا حكومةً وشعبا للشعبِ المغربيِّ الأصيل.

ونظرا للظروف العالمية الراهنة جاء هذا المؤتمرالكريم في وقته ليؤكد للعالم إيجابيات المنهج الصوفي في تعميم الأمن والسلام العالَمِيَّيْن.

السادة الكرام ! كُلّنا حضَر اليومَ في هذه المنطقةِ المُبارَكة لِنُشيدَ بالدورِ الحيّويِ الفعّالِ الذي قام به المُناضِل الكبيرُ والمجاهد المِغْوَار الشيخ محمد بصير ليدفع عن هذه البلاد مكائدَ الاستعمار ، فرحمه الله تعالى مع الأبرار والأخيار في جنّات النعيمِ ، فنعم القرار ، وما زالت آثارُه الطيّبة تُؤتي الثمارَ في صورة هذه الزوايا المُبارَكة التي ترحب بالزوّار و تَبُثُّ فيهم السكينةَ والقرار، إنّها في الحقيقة مَعَاقِلُ العلمِ والعرفانِ والراحةِ والاطمئنان و كلّ من يقصدها بصدقٍ ينال معرفةَ الرحمان، والتاريخُ شاهدٌ على ما قامتْ به الزوايا المغربية من اهتمامِها بالقضايا الوطنية و نشرِ الوعي الإسلامي بين الجمهور، وتأمينِهم من الشرور،وفي مقدمتها زاويةُ آل البصير لمساهماتها القيّمة في تحقيق الأمن الروحي للشعب المغربيّ عموما وخارج البلاد أيضاً و تربطها العلاقات الحميمة بالطرق الصوفية العالمية تأكيدا على سموِّها الروحي ونموِّها العالميّ.

السادة الكرام، لايغيبُ عن فراستِكم أنّ الإسلامَ دينُ الرحمةِ والأمنِ والأمانِ والسلام، وقد جاءالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لإخراجِ البشريةِ من الظلماتِ إلى النور، وكانت شخصيةُ نبيّ الرحمة المُحبَّبَة التي جذبتْ قلوبَ أشدِّ الناس إلى طاعةِ المولى عزّوجلّ، وقد كانوا وصلوا إلى شَفا جُرُفٍ هارٍ من النّار، و بتربيةٍ نبويّةٍ كريمةٍ صارالرّعيلُ الإسلاميُّ الأول حَمَلَةَ رايةِ العَدلِ والإنصافِ والأمنِ والإكرامِ لجميعِ عبادِاللهِ مِنَ الأنام، فكانت أخلاقُهم العاليةَ تَجذِبُ قلوبَ النّاسِ إلى الإسلام ، وكُلُّنا يعلمُ أنّ الإسلامَ وصل إلى البلاد الآسيوية على يد التُجارِالعربِ الذين كانوا يعاملون الناسَ معاملةً حسنةً فأسلمت الآلافُ المؤلفةُ على أيديهم الكريمة، ثمّ قام الصوفيةُ الكرامُ بنشرِالإسلامِ في تلك الرُبُوعِ السعيدة.

أيّها السادة الأفاضِل، إنّ شبه القارة الهندية تمتاز بأربع طرق الصوفية هى: القادرية والنقشبندية والسهروردية وطريقتنا الجشتية التي تتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع وثلاثين واسطة عن طريق سيّدِنا عليّ كرّم الله وجهه الكريم، والحسنِ البصري، والفضَيلِ بن عياض، وإبرهيم بن أدهم، وأبو هبيرة البصرين وأبوإسحاق الشامي، والشيخ الزنداني، وخواجه عثمان هاروني، وكان في الهند من رُوّاد الطريقة الجشتية في القرن السابع الهجريّ:

– سيّدي معينُ الدين الأجميري،رحمه الله،الذي أسلم على يده ما يزيد على تسعِ مِليون.

– سيّدي عَلِىٌّ الهجويري ،رحمه الله،صاحبُ كتابِ ” كشف المحجوب ” وقد أسلم على يديه    الخلق الكثير من الهنود وغيرهم ونالوا منه تربية خلقية عظيمة.

– الشيخ فريد الدين كَنج شكر،رحمه الله، الذي تاب على يديه ثمانُ قبائل متحاربة وأسلموا لله رب العالمين.

– جدّنا الأكبر الشيخ بهاءالدين زكريّا ملتاني،رحمه الله، الذي شرُفت به منطقةُ ملتان وسارت بخبرِ فضلهِ الرُكبان.

– ومن هذه السلسلةِ الذهبيةِ في الماضي القريب والدي الشيخ محمد كرم شاه الأزهري القرشيّ الهاشميّ، الذي عَرَّفَ جمهورَ هذه البلاد بِوَسَطِيَّةِ الإسلامِ على غِرار فكرِ الأزهرِالشريف ، وما زالت مئآتُ مؤسّسَاتِه التعليمية تنشر الخيرَ للعباد والبلاد.

أمّا حاضر الطريقة الجشتية المباركة فقد تميز بنشر العلم بشتّى فروعه داخل وخارج البلاد إلى جانب التربية الخلقية والروحية للمريدين، بالإضافة إلى تأكيد الأمن والسلام العالميّين.

تقوم بهذه الخدماتِ الإنسانيةِ مؤسساتُنا التعليمية في داخل البلاد ومراكزُنا الإسلامية في خارجها حيث تجعل دار العلوم المحمدية الغوثية آلاف علمائنا الخريجين سفراء للعلم والأمن والسلام للبشرية كلّها، ونتقدّم نحوَ إنشاء جامعة الكرم الدولية لمزيد من تحسين الأداء في مجال هذه الخدمات التربوية

السادة الكرام، نَذْكُر-على سبيلِ التعارف- من أهم مُميَّزاتِ الطريقة الجشتية ما يلي:

-أولا: الاهتمام بالعلم، ما زال مشايخ الطريقةالجشتية يهتمون بالعلم والعلماء كأهَمِّ مُرْتَكَزَاتِ دعوتِهم إلى الله تعالى من مُنْطَلَقِ الحديثِ النبويِ الشريف:” إنّما بُعِثتُ معلّما”.

-ثانيا: تبليغ الدِّين باللغات المحلية، اهتمّ شيوخنا الكرام بتبليغ الدين الحنيف باللغات المحلية مع اعتبار العرف السائد انطلاقا من قول الله عزّ و جلّ: ” وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ”(سورة  إبراهيم:4)

-ثالثا: الاهتمام بالتجارة،كان الشيخ بهاءالدين زكريا الملتاني يعطي الأموال لخلفائه العلماء للتجارة حيثما نزلوا لاستغناء النفس وحسن المعاملة عملا بالحديث الشريف:”إنّ تسعة أعشار الرزق في التجارة”.

-رابعا: التأكيد على الذكر بالجهر، وذلك للحصول على التوجّه التام للسالكين.

-خامسا: هبة العلم والحبّ الإلهي، يقوم شيوخنا الكرام بغرس أهميّة العلم والحبّ الإلهي في قلوب العلماءِ الخلفاء ليؤدّوا واجبَهم على أكملِ الوجوه.

-سادسا: الاهتمام بالسالكين، كان والدنا الشيخ سيّدي ضياء الأمّة يقول: إنّ لطالب المَولى احتراماً خاصاً في قلب العبد الفقير- يعني الشيخ-.

-سابعا: أدب الشيخ، إنّ أدب الشيخ في الطريقة الجشتية تُضْرَبُ به الأمثال، وفي الحديث الشريف:”أدّبني ربّي فأحسن تأديبي”،فالأدب متواصل في المحسنين.

-ثامنا: إطعام الطعام، وخاصةً لغير المسلمين لتأليف قلوبهم ومُؤانَسَةِ الفقراء والأحبّاء مع توفيرِ السَّكن لهم، واعتبارُ أذواقِهم في تهيئة الطعام وخاصة في مشيخة سيّدي الأجميري بالهند، حيث يحضر الهنود بالكثرة، وفي الدهلي قام سيّدي نظام الدين أولياء بأداء فريضةِ الميراثِ النبوي بتوفيرِ الطعامِ والسكنِ للجميعِ من أجل تغييرِ أذواقِهم وأخلاقِهم بعد أن كانت رَسَخَتْ في قلوبِهم التقاليدُ الهندية.

-تاسعا: المشاركة في حركات الاستقلال، قامت الصوفية العليّةُ في طلائِعِ حركاتِ الاستقلال وخاصّةً حركةِ استقلالِ باكستان مثلما قام به سيدي محمد البصير في هذه البلاد المباركة.

-عاشرا: ترشيد السياسة، كان سلفنا الصالح يلعبون دورا ايجابياً فعالاً في ترشيد سياسة البلاد، لمنع تسرّب الأفكارِ الهدّامةِ إلى الشباب وهذا ما نحتاج إليه اليوم بشدّة.

السادةالكرام، إنّ الإسلامَ غنيّ بمبادئ وقيم السماحةِ والاستقامةِ والاعتدالِ في كلّ الأحوال، ولاشكّ أننا نحتاجُ اليومَ إلى فهمِ فكرِالإسلامِ الصحيحِ بعيداً عن الغلوِّ والتشدّدِ والتطرّفِ والإرهاب، ولعلّنا نسترشد من العهد المكّي للسيرة النبويّة العطرة في ظروفنا الراهنة لنخرج من مستنقعات المشاكل الداخلية والمؤامرات الخارجية، وقد أصبح العالم قرية صغيرة، فعلينا بالحكمة والموعظة الحسنة، و ما أحوَجَنَا إلى لَمِّ شَملِ المسلمينَ أجمعين بنشرِ توجيهاتِ الإسلامِ السمحةِ من خلالِ هذه اللقاءاتِ العلميّةِ الكريمةِ التي لها دورٌ بارزٌ في توحيدِ الكلمةِ وإعدادِ القوةِ التي بها أمَرَنا اللهُ تعالى ربُّ العالمين.

السادةَ الكرام، نرى أنّ هناك مجالاتٍ واسعة للتعاون بين البلدين الشقيقين، باكستان والمغرب وخاصّة في مجال تجارب الأوقاف والزراعة والصناعة والتبادل التجاري والدراسات الاسلامية وتعزيز اللغة العربية وتبادل طلبة العلم والعلماء في شتّى المجالات.

ومن خلالِ الجهودِ المتضافرةِ تقوم حكومةُ باكستان الحالية بنشرالوَعي الإسلاميِّ الكريم لِيَعُمَّ الأمنُ والأمَانُ والسَلامُ العباد والبلاد، ومِن فضائل العلماءِ الكرام أيضا نشرُ المفاهيمِ الإسلاميةِ الصحيحةِ لِوَجهِ اللهِ تعالى، دُونَ تعصُّبٍ مذهبيٍ أوطائفيٍ مُعَيّنْ، وسَرعَانَ ما عُدنا إلَى اللهِ ورسولهِ وهَديِ الإسلام شعباً وحكومةً سارتْ أمّتُنا على طريقِ النهضَةِ في الدنيا والفوزِ في الآخرة.

                       والسلام عليكم ورحمةالله وبركاته.

[wpdevart_youtube]U0Is-OiCXH0[/wpdevart_youtube]

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *