مداخلة الشيخ السيد لخت حسنين شاه بعنوان: ” الطريفة الجشتية : الماضي والحال”
الشيخ السيد لخت حسنين شاه
عميد كلية الحسنات (برمنكهام ، بريطانيا )
رئيس جمعية الأيادي الإسلامية (بريطانيا)
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ،
أمّا بعد، فأعوذ بالله من الشيطن الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى: ” (وإنّك لعلى هدى أو على صراط مستقيم)
وهذا شرف لي مرّة ثانية أن سعدت بالحضور في المؤتمر مع صحبة الشيوخ ورجال التصوف في الزاوية البصيرية، بإشراف سيدي و مولاي إسماعيل بصير حفظه الله تعالى ، وأنا أتقدم بأسمى التهنئة لسيادته على عقد هذا المؤتمر بمناسبة مرور مائة عام على وجود زاوية آل البصير الصحراوية في بني اعياط بأزيلال
ومن السعادة أنني حصلت على شرف الحضور في هذا المؤتمر السنة الماضية ، وكانت زيارتي الأولى للزاوية البصيرية آنذاك ، وشرفت باللقاء مع سيدي ومولاي إسماعيل بصير والأستاذ الدكتور عبد المغيث حفظهما الله تعالى، ورأيت خيرا كثيرا في المكان الذي يطوف حوله الملائكة والأرواح الطيبة، وأيضا إننا نسعد بالحضور فيه، أدعو الله تعالى أن يجمعنا على خير دائما مع الأخيار الأبرار.
وفي هذا السياق أوجّه انتباهكم إلى أني شرفت بزيارة المدرسة بإشراف الطريقة البصيرية عند ما جئت قبل اليوم، وكان النظام التعليمي على الوجه الأفضل السائد فيها، وهذا الذي يقوم بتخريج الأجيال على منهج صوفي يخدم الإنسانية في كل زمان ومكان.
وهذا الأمر يشجعني أن أذكر أن جمعية الأيادي الإسلامية (بريطانيا ) تعمل في خمسين دولة من العالم، وتشرف على أكثر من مائة مدرسة تدرَّس فيها العلوم الإسلامية والعصرية جنبا إلى جنب ، وهذا هو الأمر المشترك بيننا وبين الطريقة البصيرية، وأنا مسرور بذلك، لأن هذا الأمر يقرّبنا إلى الله وإلى رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام .
وفي هذا المجلس المبارك، أشعر بالفرحة والغبطة بوجود شيخي ومرشدي فضيلة الشيخ محمد أمين الحسنات شاه ، وزير الشئون الدينية بجمهرية باكستان الإسلامية، أدعو الله تعالى أن يطيل بقاءه بتمام الصحة والعافية .
وفي هذا الإطار أود التعريف بالطريقة الجشتية لكي يطلّع السادة الحضور عليها، لأن هدف التصوف هو إصلاح الذات وتزكيـة النفس وتطهيرها من الآفات الأخلاقية وتحليتها بالفضائل علما وعملا وسلوكا ، وتصفيتها من الكدر ، والسعى بها إلى تحقيق المحبة والإخلاص، والسمو إلى أفق إنساني شامل، متأسية فى ذلك بأخلاق النبوة الزكية .
لقد حقق التصوف أهدافـاً منشودة في شبه القارة الهندية، فقد قام الصوفية بمهمة نشر الدعوة الإسلامية فيها، إذ كان معظم سكانها وما زالوا وثنيين، غير أنهم استطاعوا أن يخرجوا الملايين من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإسلام، ثم اهتموا بتزكية نفوس المسلمين وغرس الحب الإلهي وحب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في نفوسهم ، ونذكر أسماء بعض أولئك الصالحين على سبيل المثال لا الحصر ، مـنـهم الشيخ علي بن عثمان الـهـجـويري، والشيخ معيـن الديـن الجشتـي الأجميـري (1) والشيخ نظـام الديـن الجشتـي البـدايـونـي (2) والشيخ بهـاء الديـن السهـروردي الملتـانـي (3) والشيـخ أحمد السرهندي (1) .
والطرق الصوفية السائدة في كل من باكستان وبنجلاديش والهند تتمثل في الطرق الجشتية ، والقادرية ، والنقشبندية ، والسهروردية ، ولا يتسع المجال هنا للدخول في تاريخ هذه الطرق حتى لا نبتعد عن الموضوع الذي نحن بصدده .
هذا وما زال مشايخ الطرق الصوفية يقومون بدورهم الإصلاحي حتى اليوم وقد كان العلامة محمد كرم شاه من كبار الصالحين قام كل منهما بمهمة الإصلاح والتزكية في عصره.
وقد نشأ العلامة محمد كرم شاه في حضن أم تقية صالحة بارة عرفت بورعها وزهدها، كما تربي على يد والده الشيخ محمد شاه، الذي طار صيت زهده واجتهاده في العبادة لله عز وجل، وأخذ الطريقة الجشتية من شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ محمد قمر الدين السيالوي (2) ، بالإضافة إلى أنه تعلم على يد أساتذة مهرة في العلوم الإسلامية، وقد سافر من أجل الدراسة إلى الهند ومصر، وهكذا نشأ العلامة محمد كرم شاه في جو ديني وروحي، نشأة رائعة هيأته للقيام بدور إصلاحي فعال في باكستان من أجل النهضة العلمية والروحية .
يعد العلامة محمد كرم شاه واحدا من مشايخ الطريقة الجشتية التي أسسها ملك العاشقين الشيخ معين الدين الجشتي الأجميري في الهند، وهذه الطريقة تصل بواسطة سيدنـا الإمام علي كرم الله وجهه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانفردت هـذه الطريقة عن الطرق الأخرى بالتركيز على الحب الإلهي، وحب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورعاية حقوق الله تعالى والاهتمام بحقوق العباد .
بدأ نور الطريقة الجشتية ينبثق في أوائل القرن الرابع الهجري في شبه القارة الهندية، في إطار فتوحات الفاتح الإسلامي السلطان محمود الغزنوي، وعم شعاعه أرجاء الهند، وإن كان قد تم تأسيسها في الهند بشكل منظم في القرن السادس الهجري على يد الشيخ معين الدين الجشتي الذي أنقذ الملايين ممن سلكوا طريق الغواية والضلال، وأذاقهم حلاوة الحب الإلهي والوصال، وقد أخذ العلامة محمد كرم شاه الطريقة الجشتية في صباه من الشيخ محمد ضياء الدين الجشتي، وتلقى منه الفيض الروحي ساعياً إلى تحقيق الخير والسعادة .
وبعدما انتقل الشيخ محمد ضياء الدين إلى جوار ربه عام 1950م، وجدد العلامة محمد كرم شاه البيعة على يد شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ محمد قمر الدين الجشتي، فأعطاه خلافة في هذه الطريقة، وأجازه بالتبليغ ونشر الوعي الإسلامين وتكوين المجتمع الإنساني على أفضل مستوياته .
لقد غرس ضياء الأمة محمد كرم شاه الحب الإلهي فى قلوب الناس من منطلق ورعه وتقواه، لأن الله نوَّر صدره بالإخلاص والحب، وجعله متصفاً بالحكمة والوسطية، بالإضافة إلى التربية التي حظي بها في كنف أبيه وشيخه، وانتمائه إلى الطريقة الجشتية .
وظل العلامة محمد كرم شاه ينشر ضياء الحب الإلهي، ونور الخلافة الإلهية فى قلوب الآخرين من خلال أعماله الفريدة ، والقيام بمهمة إعداد المثقفين، وهكذا ربى النفوس ودعا إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، دعوة مقرونة بالوسطية والاعتدال طوال حياته، وبذل نفسه ونفيسه لتقوية علاقة العباد بالله .
كان العلامة محمد كرم شاه ممثلاً للتصوف الإسلامي، وأفاض العلوم الإسلامية والروحانية على المسلمين، وأورثهم وأغدق عليهم من موروثه الروحي .
وقد وزع العلامة محمد كرم شاه خيرات العلم والعرفان على الناس عامة، وعلى من جاءه بقلب سليم خاصـة، والمجتمع الإنساني عامة .
ومن الطبيعي أن الطريقة الجشتية عملت في مجال خدمة الإنسانية، وركزت على توصيل الإنسان إلى الله تعالى، بصرف النظر عن العرق واللون والجنس، ولذلك نراها وأثرها في المجتمعات البشرية في جميع الأزمنة والدهور .
وفي الأخير أنا أشكر مرّة ثانية سيدي ومولاي إسماعيل بصير حفظه الله تعالى على إعطاء هذه الفرصة للحضور في هذا المجلس ، وأدعو الله تعالى أن يديم مثل هذه المجالس العطرة لنشر الوعي الصوفي، بإشراف من جلالة الملك محمد السادس حفظه الله تعالى ورعاه .
وكل عام وأنتم بخير و في تمام الصحة والعافية
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1) ولد الشيخ معين الدين الجشتي الأجميري من سلالة مولانا الإمام الحسين في عام 537 للهجرة الموافق 1142 للميلاد بمدينة سجستان من بلاد فارس ، ففي مطلع صباه حفظ القرآن الكريم ودرس علوم التفسير والحديث والفقه ، ولما اشتد شوقه إلى التصوف ارتحل إلى العراق بمدينة ” هارون ” والتقى بالشيخ العارف بالله عثمان الهاروني ، وأخذ منه الطريقة الجشتية ثم سافر إلى بلدة أصفهان حيث لقى هناك الشيخ محمود الأصفهاني ومن هنا انتقل إلى المدينة المنورة واستقر بها مدة ثم انتقل إلى مدينة أجمير بإشارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، وقد حظي بمكانة مرموقة لدى رجال العلم والأدب ، وقد دخل الإسلام على يده عدة ملايين من الهندوس ، ويعرف بسلطان الأولياء في الهند ، توفي يوم الاثنين السادس من رجب سنة سبع وعشرين ، وقيل اثنين وثلاثين ، وقيل ثلاث وثلاثين وستمائة ، وله خمس وستون ، وقبره مشهور ظاهر بمدينة أجمير ، يزار ويتبرك به .
انظر : نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر للشريف عبد الحي اللكنوي ، ط . مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن – الهند س 1382هـ ج 1 ص 104 .
وانظر : تاريخ الإسلام في الهند للدكتور عبد المنعم النمر ص 218 .
وانظر : ممتاز أحمد سديدي ، الشيخ أحمد رضا خان شاعراً عربياً ، ص 300 .
(2) هو أحد شيوخ الطريقة الجشتية ، ولد في ” بدايون ” الهند سنة 636 هـ ، ومات أبوه عندما بلغ عمره خمس سنوات ، فربته والدته تربية حسنة وأرسلته إلى مدرسة مولانا علاء الدين لتلقي العلوم والمعارف ثم سافر إلى دلهي وهو ابن خمس عشرة سنة ، وتحلى بالعلوم من الأساتذة الأجلاء ، وأخذ الإجازة والرواية في الحديث من المحدث الشهير الشيخ محمد بن أحمد كمال الدين زائد واجتمع مع الشيخ فريد الدين مسعود الأجودهني على مائدة الروحانية وبايع على يديه وأخذ منه الخلافة في الطريقة الجشتية وتلقى الدروس الخصوصية منه في كتاب عوارف المعارف للشيخ شهاب الدين السهروردي ، ثم رجع إلى دلهي بأمر شيخه وأستاذه واشتغل بنشر الوعي الإسلامي بين أبناء المذهب الهندي فأسلم عدة ملايين على يديه ، وكان الشيخ نظام الدين كثير البكاء ، صاحب مشاعر جياثة للنبي عليه الصلاة والسلام ، وتوفي في دلهي سنة 725هـ ودفن هناك وأصبح ضريحه ملجأ للخلائق .
انظر : مولانا سيد أبو الحسن علي الندوي ، تاريخ دعوت وعزيمت ” باللغة الأردية ، ط . ندوة العلماء للكناؤ س 2000 ص 101 .
(3) الشيخ الإمام العالم المحدث زكريا بن محمد بن علي القرشي الأسدي شيخ الإسلام بهاء الدين بن وجيه الدين بن كمال الدين أبو محمد الملتاني المتفق على ولايته وجلالته ، ولد بقلعة كوت كرور من أعمال ملتان يوم الجمعة لثلاث ليال بقين من رمضان سنة ست وستين ، وقيل : ثمان وسبعين وخمسمائة من بط بنت الشيخ حسام الدين الترمذي ، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره توفي والده فسافر إلى ” بخارا ” وأخذ العلم بها على كبار الأساتذة ثم سافر إلى الحجاز فحج وزار وأقام بالمدينة المنورة خمس سنين ، أخذ الحديث عن الشيخ كمال الديـن محمد اليماني ثم رحل إلى القدس الشريفة ، وزار المسجد الأقصى ومشاهير الأنبياء عليهم السلام ، ثم رحل إلى بغداد وأخذ الطريقة عن الشيخ شهــاب الـدين عمر بن محمد السـهروردي =
= صاحب كتاب عوارف المعارف ، ثم عاد إلى ملتان وتصدر للإرشاد فرزق من القبول عالم يرزق أحد من المشايخ ، وكانت وفاته يوم الخميس سابع صفر سنة ست وستين وستمائة ، وله مائة سنة من العمر ، غسله الشيخ عمر العمودي وصلى عليه ولده صدر الدين محمد ودفنوه في حصار ملتان القديم .
انظر : يونس الشيخ إبراهيم السامرائي ، علماء العرب في شبه القارة الهندية، ط وزارة الأوقاف بغداد – عراق س 1986 ص 24-25 .
وانظر : أبو المعالي أطهر المباركفوري ، رجال السند والهند ص 121-122 .
(1) هو أحد الشيوخ النقشبندية في بلاد الهند الشيخ أحمد الفاروقي السرهندي ، ولد يوم عاشوراء سنة إحدى وسبعين وستمائة في بلدة ” سرهند ” تلقى العلوم كلها معقولها ومنقولها عن والده ومحققي زمانه حتى ترك العلماء الأجلاء له قصب السبق واشتغل بالطرق الثلاث القادرية والسهروردية والجشتية واجتمع بالعارف بالله الشيخ محمد الباقي فأخذ عنه الطريقة النقشبندية فوض شيخه تربية المريدين ، وله مؤلفات : المكتوبات باللغة الفارسية عرّبها العلامة محمد مراد الرسالة الهليلية ، ورسالة إثبات النبوة ، ورسالة المبدأ والمعاد ، تعليقات على عوارف المعارف ، شرح الرباعيات للشيخ الباقي بالله ، توفي سابع عشر صفر الخير سنة أربع وثلاثين وألف وسنة ثلاث وستون ، ودفن في مدينة سرهند .
انظر : الشيخ محمد أمين الدين الكردي ، كتاب المواهب السرمدية في مناقب السادة النقشبندية ، ط . قاهرة بدون تاريخ ص من 73 إلى 78 بتصرف .
وانظر : يونس الشيخ إبراهيم السامرائي ، علماء العرب في شبه القارة الهندية ، ط . وزارة الأوقاف بغداد عراق 1986 ص 408-409-410 .
(2) هو أحد شيوخ الطريقـة الجشتية في أوائل القرن العشرين ، وكانت ولادته سنة 1906م بقرية سيال مديرية سرجودها ، وتلقـى العلوم الإسلامية والعربية على أيدي عباقرة عصره وتمكن من الخلافة التي = = ورثها من أبيه الشيخ محمد ضياء الدين في الطريقة الجشتية وعينته الحكومة الباكستانية شيخا للإسلام ، وله باع واسع في بناء مجتمع إسلامي ملائم لأفكار العلامة محمد إقبال وتوفى عام 1981م .
انظر : محمود أحمد قادري ، تذكرة علماء أهل السنة ، ط . سني دار الأشاعت باكستان س 1992 ص 219 .
[wpdevart_youtube]_HSyjO1y480[/wpdevart_youtube]