مداخلة الدكتور عمر فاروق قورقماز الإسبرطاوي بعنوان: “دور التصوف الإسلامي في بناء المجتمع السلمي: تركيا أنموذجا”
الدكتور عمر فاروق قورقماز الإسبرطاوي
أستاذ تاريخ الأديان، وباحث في الطرق الصوفية، ورئيس رابطة علماءأهل السنة والجماعة في تركيا، عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، الصلاة و السلام على رسولنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛ السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قبل أن أقدم ورقتي أريد أن أشكر آل البصير و زاوية آل البصيرفي مقدمتهم الأستاذ إسماعيل بصير و الأستاذ عبد المغيث ، وأشكر الشعب المغربي والحكومة المغربية التي وفرت لنا كل هذه الإمكانيات، وجعلتنا أن نلتقي بإخوتنا من كل أنحاء العالم.
بهذه الفرصة أريد أن أنقل سلام الحكومة التركية إلى الشعب المغربي وإلى ملك المغرب، وأيضا أنقل سلاما حارا لرابطة علماء أهل السنة في تركيا إلى الشعب المغربي و إلى علماء المغرب.
بعد أن زرت زاوية البصيرية أدركت أنها فعلا الزاوية التي كنت أبحث عنها. لأنها تمثل الزاوية التي انبثقت من المجتمع التي هي جزء منها، وقامت على خدمتها تأخذ منه وتعطيهم و تخدمهم و ترعاهم فهي بهذه الطريقة تمثل حقيقة دور التصوف الذي لا ينعزل عن مجتمعه بل يسعى إلى أن يكون موجها و خادما له بشيوخها و طلابها و عمالها.
هذه هي كانت خصائص الزوايا القديمة والأصيلة في التاريخ الإسلامي.والذي يميز الزوايا الحقيقية المتكاملة عن غيرها من المدارس هو وجود الطلاب والأساتذةونظام المدارس العتيقة في مجمع واحد أي تجمع بين التعليم والتربية والسلوك والأدب.
وقد انشرح صدري حينما زرت الزاويةالبصيرية بالأمس، وأنا بهذه الزيارة اتذكر مدارس اسطنبول القديمة وما تحمله من أثر التصوف العلمي الخادم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكون التصوف بذاته هو خادم للنبي صلى الله عليه وسلم.
أشكر كل الأساتذة الذين يديرون هذه التجربة أو هذه الزاوية.
أما عنوان ورقتي : (دور التصوف في السلم الاجتماعي ؛ تركيا نموذجا).
في هذه الورقة لن أتحدث عن تاريخ التصوف و لا عن إثبات وجود التصوف في الإسلام؛وهذا مفروغ منهو إن كانت هناك مناقشات حول التصوف لكن كلنا نعرف أن التصوف السني بريء من كل هذه المناقشات الفلسفية والتاريخية و ما إلى ذلك، لكن لا بد أن نقول لبعض من يعترض على التصوف بأن التصوف–باعتباره مفهوما تعلق بروح الإنسان-موجود في كل الأديان سواء كان في اليهودية أو في المسيحية ؛ فهو منهج سلوك يعتمد على الذوق الروحي؛ وبدون التصوف لا يوجد هناك قيمة روحية للدين مهما كانت؛ كما يوجد أيضا المفهوم السلفية – باعتباره مفهوما تأخذ ظاهر النص الديني المقدس فهما حرفيا – بدون روح النص ومقاصده حول التربية و السلوك والأدب والروحانيةوالتدرج و إنزال الحكم في أرض الواقع. لأن مفهوم السلفية والمواقف المنبثقةمنها موجودةفي اليهودية وفي المسيحية أيضا.
وكما ذكرت، فهذه المواقف والمفاهيم والتوجهات موجودة في كل الأديان؛ لذلك التصوف السني الإسلامي الذي سنتكلم حوله و نناقشه في هذا المؤتمر، هو التصوف السني الذي يسلك طريق النبي عليه الصلاة و السلام و يسلك مسلك الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، ومن سار على نهجهم من سلف الأمة، هو يمثل المفهوم الصحيح للتصوف السني الشرعي.
ومن خلال هذه الورقة سأتكلم عن نماذج الدولة العثمانية في التصوف بشكل عام، وعن نماذج معينة بشكل خاص، خاتما ببيان هذا الأثر في التجربة التركية المعاصرة عن التصوف.
لا شك أن التصوف أخذ أدوارا مختلفة في التاريخ، لكن لا شك أيضا أن التصوف قام بدور إيجابيي في بناء الدولة العثمانية، وانتشارها في العالم بطريقة سلمية في مناطق كثيرة.
التصوف كان له أثر اجتماعي واضح ومهم داخل الدولة العثمانية؛ ولهذا إذا لم نعرف القيادات الصوفية في تاريخ الدولة العثمانية، لا نستطيع أن نفهم كيف تربى ومن أين تخرجت القيادات السياسية والعسكرية في الدولة العثمانية.
يقال في الأدب المعاصر: “وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة”، وأنا أقول: “وراء كل قائد سياسي وعسكري في الدولة العثمانية شيخ أو عالم صوفي”.
لهذا بدون أن نعرف شيئا عن الشيخ آق شمس الدين، وعن الملا جوراني، لن نعرف كيف تكوّن السلطان محمد الفاتح، هذا ما أكد عليه القائد العسكري اللواء الركن محمود شيت خطاب في كتابه “بين العقيدة والقيادة”، وكذلك بقية القيادات الصوفية مثل الشيخ أديب علي ، والشيخ محمود ابو الشامات والشيخ محمد زاهد كتكو التركي وبديع الزمان سعيد النورسي وغيرهم من القيادات الأخرى، لا نستطيع أن نعرف شيئا عن القيادات السياسية في الدولة العثمانية وتركيا المعاصرة.
ففي عهد الدولة العثمانية أصبح التصوف مؤسسة أساس في تكوين هوية المجتمع، مثلما كانت كانت توجه المؤسسات الحكومية من وزارات وشبه حكومية من مدارس، مما يظهر أثرها على الحكومة والشعب بشكل واضح، ولهذا كانت تؤسس باسم القيادات الصوفية و العلمائية، المؤسسات الوقفية الكثيرة التي ساهمت في ترشيد المجتمع وخدمة الشعب، مما شجع العالم الحقوقي النقشبندي الشيخ علي حيدر بعد شرحه لمجلة “الأحكام العدلية”، أن يضع قانونا لرعاية الوقف جاء متكونا من (1776) مادة، تحت اسم “أحكام الوقف”.
نستطيع أن نقول بالمفهوم المعاصر بأن التصوف في الدولة العثمانية و حتى في وقتنا الحالي، يعتبر أكبر مؤسسة مدنية ناجحة (NGO) في المجتمع، لكن لا بد أن ننتبه إلى نقطة مهمة جدا، كما فعلنا في بعض المؤسسات الأخرى، لا بد أن لا نسيس هذه المؤسسة، لا بد أن تبقى هذه المؤسسة مستقلة شعبية كما كانت في التاريخ.
لا شك أن التصوف أكبر سلطة شعبية مجتمعية على مدى التاريخ، ولا بد أن تبقى شعبية، ولا تصطدم مع السلطات السياسية، بل تكون موجهة، ربما تجربة النقشبندية طول التاريخ كانت نموذجا صحيحا في توجيه السلطات السياسية، يمكن أن تختلف السلطات الشعبية في بعض الجوانب مع السلطات السياسية لكنها لا تصطدم و تبقى موجها صحيحا و أساسيا، وتجربة الشيخ عبد القادر الكيلاني والشيخ العز بن عبد السلام واضحة في ترشيد سياسة الحكم، دون الخوض في ممارسة ذات الحكم.
ربما حتى هذا التوجيه يزعج بعض السلطات السياسية، ولكن لم يبلغ حد الاصطدام. حتى إذا وضع قيادات الصوفية في السجون في التاريخ، كان أتباعهم لا يصطدمون مع السلطات السياسية، وذلك راجع إلى التربية التي تعلموها في المنهج، و النموذج الصحيح العملي في هذا الموضوع هو الشيح أحمد السرهندي، الذي يسمى الإمام الرباني القامع للبدعة و الخرافات في شبه القارة الهندية .
وضع الشيخ في السجن وأتباعهو مريدوه كانوا كثيرين، ولكنهم لم يتمردوا على السلطة، مع أنهم كانوا يختلفون معها في القضايا الخطيرة، وبمرور الزمن وقعت السلطة السياسية على يد هذا المنهج الذي كان يمارسه الأستاذ أحمد السرهندي النقشبندي.
التجربة الصوفية في تركيا المعاصرة
أما بالنسبةللتجربة الصوفية في تركيا المعاصرة ، لا شك بأن فيها طرق صوفية كثيرة، وفي مقدمتها لا بد ان نذكر الطريقة النقشبندية، ولا أريد أن أدخل في تفاصيل تاريخ هذه الطريقة ربما هناك من سيتكلم عنها، لأنني أتناول الموضوع من جانب السلم الاجتماعي، و ليس عن محتواه العقيدي و الفكري و التاريخي.
توجد طرق صوفية متعددة في تركيا، منها الطريقة النقشبندية ، والطريقة القادرية والطريقة الخلوتية، وطرق أخرى جديدة قد لا تكون معروفة في المنطقة العربية.
أما الطريقة النقشبندية في تركيا فقد عاشت مرحلتين، المرحلة الأولى : مأخوذة من آسيا الوسطى، والمرحلة الثانية الطريقة النقشبندية المعاصرة، التي انتشرت في تركيا بامتداد التجربة إلى شبه القارة الهندية أي الهند والباكستان الحالي.
السيد أحمد السرهندي ألف كتابا اسمه “المكتوبات”، وهو جمع من الرسائل أرسلت له و أجوبة أجاب عنها، هذه الرسائل تدرس و تقرأ في بعض الزوايا يوميا، كأن أحمد السرهندي يرسل إليهم الرسائل اليومية، وهذه الرسائل لازالت طازجة كما لو أنها كتبت بالأمس.
و ميزة هذه الرسائل أنها تركز على التمسك بالقرآن و السنة، و تحارب البدعة بشكل كبير، لذلك التكايا تتمسك و تهتم بقراءة كتاب “المكتوبات” للإمام الرباني أحمد السرهندي البعيد كل البعد عن البدع التي يتحدث عنها بعض الناس في بعض الأوطان العربية و الإسلامية.
وميزة النقشبندية التركية أنها كانت جزءا من العمل السياسي، مع أنها لا تنخرط ولا تتدخل في السياسة مباشرة؛و لكنها كانت موجهة كما كانت طول التاريخ؛ صحيح في الجمهورية التركية المعاصرة أغلقت كل التكايا و الزوايا بشكل مباشر، لم تبق هناك زاوية رسمية، لكن لا يمكن أن تغلق القلوب ، لا يمكن أن تمنع حب الناس و توجههم إلى المشايخ و العلماء، ومع كل الاضطهاد و المشاكل السياسية بقيت السلطة الشعبية للنقشبندية في قلوب الشعب التركي بشكل كبير
ولهذا بعد أن انتقلت تركيا إلى التعددية الحزبية والحريات المدنية ظهرت الطرق الصوفية بشكل قوي، الآن نرى أن الطرق الصوفية قد فتحت العديد من المؤسسات التعليمية و التربوية بدون تسمية تابعة لوزارة التعليم و التربية، تساعد على نشر العلم في المستويات المختلفة.
دور التصوف العلمي ضد التطرف
عنوان ورقتي هو : “دور التصوف الإسلامي في السلم الاجتماعي: تركيا أنموذجا”، الآن نستطيع أن نتساءل: في العالم العربي -خاصة بعد الربيع العربي- انتشر التشدد و الإرهاب بشكل كبير لأسباب كثيرة منها الظلم والاضطهاد و قمع الحريات، ولكن لماذا لا ينتشر الإرهاب أو التطرف خاصة باسم الدين في تركيا؟
نجيب بأن سببه الأساس هو التصوف، أو التصوف التركي الذي يمنع التشدد و التطرف في منهجه، خاصة المدارس الدينية التقليدية العتيقة، التي تمسك القيادة العلمية في تركيا، والتي غالبا ما تنتمي إلى إحدى الطرق الصوفية، وهذه الطرق تقاوم التشدد و التطرف، والمغرب أيضا وإلى حد كبير يعد أنموذجا صحيحا في محاربة التطرف الذي نعاني منه جميعا في العالم الإسلامي و العربي.
وهناك نماذج أخرى من الطرق الصوفية، سلكت مسلك الجهاد، و هي أيضا جزء من مفهومنا الإسلامي للفقه الذي يحفظ قيم العدل والحرية، وهذه الطرق اضطرت أن تحارب المحتل كما حدث في التاريخ أكثر من مرة، وتكفي تجربة آل بصير الصحواريين التي حاربت ضد المحتل فهي أنموذج معروف مشهور.
الطرق الصوفية قامت بدور إيجابي ضد المحتلين، خاصة في الأناضول وفي الحرب العالمية الأولى شاركت القيادات الصوفية في الحرب ضد المحتل، وحارب المجاهد الشيخ أحمد السنونسي والشيخ عمر المختار في ليبيا والشيخ عبد القادر الجزائري حفيد الشيخ الكيلاني في الجزائر، والشيخ عز الدين القسام في فلسطين.
فلا يتوهم أحد أن الطرق الصوفية السلمية ليست لديها مفاهيم جهادية، نعم لديها مفهوم الجهاد لكن ضد المحتل ليس ضد إخوانهم من المسلمين، وليس ضد إخوانهم من الإنسانية بدون مبرر، إذا كان الطرف الثاني مسالما معنا نحن مسالمون أكثر مع الجميع هذا هو ديننا و هذه هي عقيدتنا في كل مكان.
ولهذا وجدنا في جهاد المحتلين من قبل علماء الصوفية العدل والرحمة، وقد ثبت أن الشيخ عمر المختار لم يستهدف مدنيا من الإيطاليين رغم أنهم يستهدفون، وكذلك الشيخ محمود الحفيد القادري العراقي حافظ على الكنائس من أن يعتدى عليها، ولم يمس أي مسيحي في منطقة نفوذه حينما قاد الجهاد ضد الانكليز في شمال العراق،وفي حرب التحرير لم يعتدعلى أي أرمني لم يشترك مع القوة المتطرفة من الأرمن التي خانت الدولة العثمانية، والدليل على ذلك بأن الأرمن إلى يومنا هذا يحافظون كنائسهم و تجارتهم في اسطنبول.
الآن نرى أن هناك مشاكل كثيرة في العالم خاصة مشكلة الإرهاب والتطرف.
وهنا نبين دور عالم مهم من علماء التصوف جمع بين سند الطريقة وسند العلم ألا وهو مولانا الشيخ خالد البغدادي النقشبندي الذي استلم أو أخذ الطريقة من الشيخ عبد الله الدهلوي، ونشر الطريقة في العالم، و كان يرسل مريديه إلى كل العالم.
ذكر في بعض الكتب بأن الشيخ أرسل أكثر من أربع مئة خليفة ممثلا إلى كل العالم لنشر الإسلام و السلام، وامتاز طلابه بأنهم خدموا الناس وظهر أثرهم في تركيا وفي العراق وفي سوريا وفي غيرها..!! و كانوا لا يتحركون في البلاد التي يذهبون إليها إلا بالتشاور مع العلماء أو كبار القوم حتى لا يسيئوا إلى النسيج الاجتماعي والديني في تلك البلاد.
وإذا كانت القيادات السياسية في العالم تريد أن تنشر السلام من جديد، فلا بد أن يستفيدوا من التجربة الصوفية الصافية في كل مكان، وخير مثال على ذلك مولانا جلال الدين الرومي، وفكره الإنساني الصوفي الأخاذ القائم على هويته كخادم للشريعة الإسلامية، وقد أدركت فلسفته الإنسانية المستشرقة الألمانية (آنا ماري شميل).
جميعكم يعلم أن الأمم المتحدة تعقد مؤتمرا إنسانيا في إسطنبول هذه الأيام، لكن أنا أتصور إلى الآن أن هذه القيادات السياسية سواء في العالم العربي و الإسلامي أو في الدول الغربية لم تكتشف بعد أهمية التصوف في بناء السلم الاجتماعي في العالم.
لقد آن الأوان لنستفيد من هذه التجربة التاريخية العميقة و نطورها معا للسلم الاجتماعي في العالم دون أن نخالف المراجع الشرعية في القرآن والسنة.
في تركيا نعاني هذه الأيام من الإرهاب الإثني، فيما يسمى بتنظيم (بي كا كا) أي حزب العمال الذي يستعمل السلاح ضد مؤسسات الدولة المجتمعية، ولو أراد الوصول إلى الحكم لاحتكم الى الانتخابات، لكنه يعيش ضد الحفاظ على وحدة المجتمع، ولذلك وقفت القيادات الصوفية الكردية ضد هذا التطرف ولم تتورط في هذه الحرب.
و الدليل على ذلك أن الطرق الصوفية تقوم بدور اجتماعي في السلم الاجتماعي
والوطني كما هو حال الطريقة البصيرية التي لم تتورط في الإرهاب ضد الدولة المغربية.
لا شك أن التصوف في الأراضي التركية قام بدور تنموي أيضا، ويظهر ذلك في تأسيس المؤسسات التجارية والعلمية والأوقاف، بمعنى آخر، أن شيوخ الطرق يشجعون أتباعهم على بناء المجتمع سواء أكانوا تجارا أو مفكرين أو مثقفين فتظهر المصانع و المؤسسات التجارية والتعليمية .
والآن أكبر سوق في إسطنبول يسمى سوق المسقوف، في هذا السوق لا توجد بالشيك أو السند بين التجار و رجال الأعمال، كل التجارة مبنية على الثقة والكلمة الصادقة بين الطرفين.
وهذه التجربة مأخوذة من منظمة الأخوة التي أسستها قيادات الصوفية في الدولة العثمانية بين التجار، إذ الكلمة والوعد بين التجار هي أقوى من الشيك الورقي المعاصر بين رجال الأعمال في الوقت الحالي، إلى الآن في سوق المسقوف يتعاملون بهذه التجربة.
إذن التصوف يمكن أن تضطلع بدور إيجابي في العلاقات التجارية بين التجار، كما يمكن أن يقوم بدور بين السياسين والمفكرين والمثقين، وهو من الممكن أن يقوم بدور إيجابي في الجيش بين القائد و الجندي.
التصوف التربوي يمكن أن يقوم بدور إيجابي في المدارس الدينية والحكومية حول العلاقة بين الأستاذ و الطالب،عندما يحترم الطالب الأستاذ يحترمه من منطلق الأدب و الأدب هو جوهر التصوف أو التصوف الإسلامي في تركيا، لذلك ستجد في كل التكايا وفي كل مراكز الزوايا كلمة مكتوبة هي ” أدب يا هو” . بلا أدب و أخلاق لا يوجد تصوف، بلا قواعد التصوف الذي ألفه الأستاذ العلامة زروق لا يوجد التصوف الصحيح.
لكن لا بد أن نقول أيضا ؛ بأن هناك حاجة ماسة لكتابة قواعد التصوف من جديد بعبارات جديدة و بخطاب جديد حتى نُفهم الآخرين أن التصوف الإسلامي الصحيح ليس بعيدا عن القرآن و السنة، بل لا بدأن نطور المصطلحات المشتركة بين إخوتنا الآخرين الذين يعترضون على التصوف السني الموجود، وللشيخ الدكتور عبد الله مصطفى النقشبندي والشيخ سعيد حوى محاولات في ذلك.
أريد أن أقول باختصار:
لا يوجد تصوف بلا فقه، و لا يوجد فقه بلا تصوف، وفي المفهوم التركي للتصوف لا يوجد هناك تصوف بلا حديث، ولهذا نجد قراءة صحيح البخاري كعرف متبع في الزوايا.
لذلك التصوف السني التركي جله مأخوذ من القرآن و السنة، نعم هناك بعض المشاكل، لأن بعض الأطراف الصوفية ليس لديها علم الفقه و الحديث، و لكن القيادات العلمائية المتصوفة الموجودة في تركيا لا تميز أبدا بين الفقه و الحديث و التصوف.
والواقع أنه بدون تصوف لا نستطيع أن نطور نموذج القيادات العلمائية الشعبية في أي بلد إسلامي سواء كان في تركيا أو في بلد آخر.
نعم هناك من سيقول بأن في التصوف بعض المشاكل، نحن نقول نعم إذا كانت هناك بعض المشاكل قد أدخلت في التصوف عبر التاريخ، نستطيع أن نطهره و ننظفه و نجعله تصوفا سنِّيا قدوة بالصحابة، قدوة بالرسول عليه الصلاة و السلام قبلهم، كما فعلنا في علم الحديث، فقد أدخلت فيه أحاديث ضعيفة و موضوعة كثيرة، ولكن أتت القيادات العلمائية في علم الحديث و استطاعت التمييز بين الحديث الصحيح و الحديث الحسن و الحديث الموضوع و الضعيف.
إذن هناك مسؤولية كبيرة تنتظرنا في مجال التصوف، أنا أتمنى أن يخرج قرار عملي في هذا المؤتمر، ونؤسس مجلسا علميا في المستقبل حتى نقدم تصوفا مقبولا و جيدا للمسلمين أولا، وللعالم والإنسانية جمعاء ثانيا.
نعم، أنا أستطيع أن أقول بأننا كلنا نحتاج إلى التصوف في هذا اليوم خاصة في التعليم، فكلنا ندرك و نرى أن هناك احترام كبير بين الطالب والأستاذ في التصوف وبين الشيخ والمريد،هل تجدون هذا الاحترام بين الطالب و الأستاذ في الجامعات و في المدارس النظامية الحكومية؟
أنا في بلدي لا أراه، بل بروفسور كبير قضى عمره أكثر من أربعين سنة في سلك التعليم عندما يموت لا يشارك في جنازته إلا قليل من الناس، لا يصل عددهم مئة. لكن عندما يموت شيخ صوفي نجد في جنازته الملايين من الناس يشاركون في تشييعه، لماذا هذا الحب؟ لماذا لا نستفيد من هذا الحب ومن هذه الطاقة بلا حدود بين الأستاذ و الطالب في الجامعة أيضا؟ لماذا لا يحترم الطلاب أساتذتهم في المدارس الثانوية و في الجامعات كما يحترم المريد شيخه؟ بما أن هناك نقص كبير في التعليم و التربية فمن ممكن جدا أن نستفيد من تجربة التصوف في سدِّ هذا النقص.
لا بد أن نشير إلى أمر مهم جدا، هو أننا لا نريد أن نجعل من التصوف وسيلة للنزاعات الداخلية بين المسلمين، لكون التصوف قائم على معالجة أمراض القلوب، والنزاع بين المسلمين يورث مرضا لا يستقيم حاله بين أهل التصوف، هناك من يريد أن يشوش على التصوف من أطراف أخرى من المسلمين، لا نريد أن نجعل التصوف وسيلة للنزاعات الداخلية، بدلا أن نرد على الخصوم نصنع الأفراد و المؤسسات النموذجية الصحيحة بعيدة عن المشاكل و الشبهات، أرجو من كل الصالحين أن لا يدخلوا في النقاشات الداخلية بين المسلمين و إلا سنضيِّع حضارتنا وسمعتنا بين الحضارات الأخرى.
التصوف المقبول لدى المسلمين
أليس في التصوف المقبول أن يكون الصوفي مسالما حتى مع إخوانه الذين يعترضون عليه وربما يحاربونه؟ نعم إن أكبر فيروس ظهر في القرن الحالي هو فيروس الإرهاب، نحن بُرَءَاءٌ من هذا الفيروس، لكن نستطيع أن نحارب هذا الفيروس من خلال التصوف العلمي.
أيها السادة والعلماء؛
بما أن لدينا أدوات في هذا الموضوع، تعالوا نطور الآلية و الأدوات لمحاربة الإرهاب في أوطاننا الإسلامية بالعلم والقلم ومع القرآن والسنة.
في الختام لا أريد أن أطيل عليكم، هناك أمور مهمة تدعو للبحث والدراسة، منها:
- إعادة قراءة التصوف باعتبار أثره في المجتمع، و إخراج التجارب الناجحة.
- توصيف التصوف العملي و العلمي و الخادم لحركة العلم والعلماء.
- محاولة إعادة تشكيل التصوف باعتباره رابطة إسلامية مثالية أمام الإنسانية.
- إعادة كتابة التصوف بلغة عصرية قريبة إلى الناس.
شكرا جزيلا.
[wpdevart_youtube]0qoqOUUbuv8[/wpdevart_youtube]