مداخلة الأستاذ نور الدين فاديكا بعنوان: ‘ الزوايا الصوفية ذات الأصول المغربية في غينيا كوناكري”

الأستاذ نور الدين فاديكا

مدير الأوقاف بدولة غينيا كوناكري

الحمد لله العلي القدير الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على رسول الله السراج المنير، البشير النذير، وعلى آله وأصحابه الأئمة الأبرار

صاحب الفضيلة شيخ الزاوية البصيرية،

أصحاب الفضيلة شيوخ الزوايا المشاركة،

سادتي الأساتذة والدعاة والأئمة، أيها الحضور الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

يسرّني في هذه المناسبة الكريمة أن أوجه شكري العميق إلى صاحب الفضيلة شيخ الزاوية البصيرية وكل من ساهم في تنظيم هذا اللقاء المبارك لإتاحتهم لي الفرصة أن أشارك في هذا الحفل الكريم، كما يسرني أن أتوجه بالشكر إلى جميع المسؤولين عن الزوايا الصوفية التي انتشرت في كل أقطار أفريقيا عموما و في غرب أفريقيا خصوصا، والتي لا شك  أنها لم تأل جهدا في تصحيح المسار  والدعوة إلى الله تعالى، وفي مد يد  العون إلى شباب الإسلام في أفريقيا الذين هم بأمس الحاجة إلى تنقية النفوس الشائبة والقلوب الحائرة، ونشلهم من براثين أعداء الإسلام الذين يريدون القضاء على هويتهم التي تتمثل في الشريعة والعقيدة والطريقة.

وأن مما يثلج الصدور ويبل الصدى أن هذه المؤتمرات التي تقام بين كل فترة وفترة قد نجحت في مهمتها وآتت أكلها بإذن ربها، حيث إن المشاركين الذين كانوا قبلنا عبروا عن فرحهم وارتياحهم العميق لما استفادوا من دروس ومحاضرات، نسأل الله العلي القدير لها الدوام ولغيرها من المؤتمرات، وأن يعم نفعها العباد والبلاد.

أيها السادة والحضور،

جمهورية غينيا تقع في الجزء الغربي من القارة الإفريقية، تحدها شمالا جمهورية مالي وجمهورية السنغال، وغربا جمهورية غينيا بساوو والمحيط الأطلسي، وجنوبا جمهورية سيراليون وجمهورية ليبيريا، وشرقا جمهورية كوتديفوار.

وتنقسم إلى أربع مناطق طبيعية من حيث المناخ، ويقطنها قبائل عديدة، ويبلغ تعداد سكانها 12 مليون نسمة، و95% منهم مسلمون.

وعاصمتها كوناكري.

الصوفية في غينيا عموما ذات أصول مغربية:

إنّ الطريقة الصوفية التي ورثناها أبًا عن جد في غرب إفريقيا التي جاءت من شمالها، وخاصة المغرب، كانت وما زالت منهجنا وطريقتنا التي هذبت نفوس آبائنا وأجدادنا، ونورت قلوبهم، وصفت أرواحهم وقربتهم بربهم وخالقهم.

إنّ الذكر والتذكر في مجالس العلم والزوايا في الغرب الإفريقي كانت وما زالت بَلْسمًا لشفاء أمراض النفوس، ونور الهداية للحَيَارَى، و قد كونت كثيرا من شباب الأمس ورجالها، فكانوا أعلام الغرب الإفريقي للدعوة والجهاد في سبيل الله، وقوة للتمرد على الشهوات ونشرا للإسلام في إفريقيا التي لم تغزها جيوش المسلمين، بل دخلت في الإسلام لما فيه من الرحمة والحب والعزة والكرامة، وفوق كل شيء المساواة لخلق الله تعالى، قال تعالى( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، إنّ هذا الدين هو الذي أدخل الأفارقة من الصحابة في دين الله أفواجا منهم بلال بن رباح، أسامة بن زيد، عمار بن ياسر، عبادة بن الصامت.

والجدير بالذكر، أن جل أمرائنا ومشايخنا الذين قاوموا المستعمرين وضحوا  بأنفسهم  لأجل  الحرية، كانوا جمعاء  على الطريقة الصوفية وعلى المذهب المالكي، ونذكر منهم على سبيل المثال: الإمام ساموري توري، وألفا يحيى جالو، والإمام أبو بكر بيرو، والشيخ عمر الفوتي، وكراموخو سنكن جابي الطوباي.

فجملة القول، إن الصوفية من مقومات التاريخ الغيني الروحي و الديني والثقافي والاجتماعي والسياسي.

غير أن هذه  الآثار النورانية من التصوف الحقيقي كادت تخبو لكثرة الجهل، واختلاف المشارب، ورفض ما كان عليه الآباء في العهود السوالف، فولدت كل هذه الأمور إفراطا وتفريطا، وغلوا في الدين وانحرافا والخروج على الشيوخ وأهل العلم تبديعا وتفسيقا.

تعتبر الطريقة القادرية التي وصلتنا سلسلتها عن طريق المغرب من أقدم الطرق الصوفية وكانت أوسعها انتشارا في غينيا، إلى ان وصلتنا الطريقة التجانية التي هي أحدث الطرق الصوفية الرئيسية ظهورا، لتصبح أكثرها انتشارا في غرب إفريقيا عموما وفي غينيا بالخصوص، أما الشاذلية فكان بعض أجدادنا يعتبرونها كفرع من فروع القادرية فيزيدون على أورادهم القادرية حزب الفلاح، ويكثرون من قراءة دلائل الخيرات، ويبدو ذلك في زاوية طوبا (كرمخوبا حابي) القوية، التي انتشرت منها الطريقة القادرية الشاذلية إلى ربوع غينيا الساحلية منذ القرن الثامن عشر، وطوبا في منطقة غاول مدينة روحية رائدها وأستاذها الشيخ كرمخوبا سالم جابي، الذي ساهم في نشر الإسلام  في جزء كبير من غينيا كوناكري .

والتجانيون كالقادريين بل ككل الصوفيين، إنما يدعون إلى التسامح والعفو والصفح والتوجيه والإرشاد في زواياهم المنتشرة في غينيا، مساهمين بصفة فعالة في تهذيب النفوس ونشر تعاليم الدين الحنيف

وهناك زوايا  لعبت دورا مهما أهمها زاوية الشيخ المناضل عمر الفوتي الذي يرجع إليه الفضل في نشر الطريقة التيجانية في غينيا، وكان موطنه في مدينة دنجراي ثم نشر الطريقة في كل من لابي  LABE و ساجالي SAGALE وكولا  KOULA ثم في كانكانKANKAN  بغينيا العليا، وزاوية كوندتا التي يعتبر رائدها ومؤسسها ناشر اللغة العربية والدراسات الإسلامية  الشيخ محمد فاديكا، فكانت غينيا متأثرة بالمغرب شريعة وعقيدة وطريقة.

ومع ظهور المدارس العصرية ووصول موجة من مناطق أخرى  وصلت إلينا أفكار جديدة ساهمت في خبو نار العلم في كثير من الحلقات والمجالس العلمية، وانطفأت بها شعلة الطرق الصوفية في كثير من الزوايا فأصبحت هذه المراكز للتبرك فقط وليس منارا للعلم كما كانت في السابق.

وإننا اليوم وفي كل يوم في أمس الحاجة إلى العودة من جديد إلى تلك المناهل الصافية بقلوب مطمئنة وهمة عالية وقسط وافر من العلوم ليستنير هذا الخلف الناشئ بأنوار السلف الناهض.

 

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *